«الناتو» يسعى لاحتواء سريع لأزمة مناورات النرويج

سعى حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى احتواء أزمة مع تركيا وقعت خلال مناورات للحلف في النرويج، قرّرت تركيا على إثرها سحب قواتها المشاركة فيها، فيما أعلنت أنقرة أنها ستتابع الإجراءات التي ستتخذ ضد المتورطين فيما وصفته بـ«الفضيحة» التي وقعت خلال المناورات وفتحت تحقيقا بشأنها.
وانتقد إردوغان الناتو في كلمة أمام اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في مدينة يرزه شمال تركيا أمس (السبت) قائلا: «تابعتم بالأمس (أول من أمس) الإساءة التي وُجهت إلى تركيا خلال مناورات الناتو. هناك أخطاء لا يقوم بها الحمقى، وإنما الأغبياء... أرى أن هذه الإساءة التي استهدفت شخصي ومؤسس جمهوريتنا، مصطفى كمال أتاتورك، تكشف ما نشاهده منذ فترة من مواقف مشوَّهة داخل الناتو». وأضاف أن «موثوقية الناتو باتت تُثير تساؤلات لدى جميع الدول الأعضاء، بعد سحب منظومات الدفاع الجوي من تركيا، في وقت بلغت فيه التهديدات القادمة من سوريا ذروتها... وأعطى ذلك انطباعاً حول احتمال عدم التحرك (من جانب الحلف) في حال تعرضت تركيا لأي هجوم».
من جانبها، قالت وزارة الخارجية التركية في بيان، إنها ستتابع عن كثب الإجراءات العقابية ضد المتورطين في فضيحة مناورات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في النرويج، والتي تضمنت إساءة لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وذكر البيان أن المناورات العسكرية لحلف الناتو، التي جرت في النرويج في الفترة ما بين 8 و17 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، تضمّنت صورة لتمثال أتاتورك مع قادة الأعداء في نظام محاكاة، كما تم استخدام اسم الرئيس إردوغان في برنامج محاكاة بغرض خلق انطباع بأنه يتعاون مع البلدان المعادية. وشدّد البيان على أن هذا الموقف «مؤسف وغير أخلاقي، ولا يمكن القبول به».
ولفت البيان كذلك إلى أن الجانب التركي ألغى مشاركته في المناورات بعد هذه الحادثة، وجرى إبلاغ حلف الناتو والسلطات النرويجية بالانزعاج التركي العميق في هذا الإطار. وعقب لقاء ممثل تركيا الدائم لدى الحلف، نائب أمين عام الحلف، أصدر ينس ستولتنبرغ، أمين عام الناتو، بياناً بهذا الخصوص كما اتصل ستولتنبرغ بوزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، وقدم له اعتذاره.
ومساء أول من أمس، أوضح مسؤول في الناتو لوكالة أنباء الأناضول التركية أن الأزمة وقعت بسبب حادثتين خلال المناورات النظرية (المحاكاة)، وأن إحدى الحادثتين تتمثل بقيام أحد أفراد الطاقم الفني التابع للمركز العسكري المشترك في النرويج المشرف على تصميم نماذج المحاكاة للسيرة الذاتية لقادة العدو، بوضع تمثال لأتاتورك، مع السيرة الذاتية لأحد قادة العدو.
وبعد التحري عن هوية الفني الذي أرفق صورة التمثال، ادّعى أنه أرفقها عن طريق الخطأ وقدم اعتذاراً، وقال إن لا علم له بأن الصورة تعود لمؤسس الجمهورية التركية، قبل أن يتم إزالة الصورة بعد تدخل الوفد العسكري التركي.
وفي الحادثة الثانية، فتح أحد الموظفين المدنيين المتعاقدين مع الجيش النرويجي، أثناء دروس المحاكاة، حسابا باسم «رجب طيب إردوغان» في برنامج محادثة، لاستخدامه في التدريب على «إقامة علاقات مع قادة دول عدوة والتعاون معها»، بحسب المسؤول في الحلف.
وقالت رئاسة الأركان العامة للجيش التركي إن أمين عام حلف شمال الأطلسي الـ«ناتو» ينس ستولتنبرغ، اعتذر لرئيس الأركان التركي خلوصي أكار، عن إساءة مست رموز الجمهورية التركية خلال مناورات عسكرية للحلف في النرويج. وأضاف البيان أن ستولتنبرغ التقى أكار الجمعة في مدينة هاليفاكس الكندية، بطلب منه، وعبر عن اعتذاره لرئيس الأركان التركي وأكد فتح تحقيق في الموضوع.
من جانبه، شدد رئيس الأركان التركي على ضرورة أن يكون التحقيق شاملا وموسّعا، لا يقتصر على المتورطين فقط. كما أعرب ستولتنبرغ، عن أمله في ألا تتسبب أزمة مناورات الحلف في النرويج بظهور مشكلات دائمة مع تركيا، مؤكدا أنها تعد حليفا محوريا بالنسبة لـ«ناتو».
وقال الأمين العام للحلف، في كلمة خلال ندوة أقيمت على هامش منتدى هاليفاكس الدولي للأمن، إنه أُبلغ بالحادثة التي جرت صباح الجمعة، موضحا أنه على تواصل مع مسؤولي النرويج، وأن الموظف المسؤول عن الإساءة تم فصله على الفور. وتابع: «تم فتح تحقيق في الموضوع، وقدمت اعتذاري إلى تركيا باسم الحلف، ثم التقيت رئيس الأركان التركية خلوصي أكار، وبالتالي أعتقد أننا اكتشفنا ما هي طبيعة الأزمة... ما جرى كان خطأ وأظن أننا تجاوزناه، تركيا تلعب دورا مهما في الحرب ضد (داعش)؛ كونها تمتلك حدودا مع سوريا والعراق، وهي مهمة أيضا بالنسبة إلى الناتو بسبب حدودها مع روسيا في البحر الأسود».
واعتذر وزير الدفاع النرويجي، فرانك باك جنسن، لتركيا وقال في بيان نشر على الموقع الرسمي لوزارته، إنه «تم نشر رسالة في نظام رسائل الدائرة المغلقة المستخدمة خلال مناورات الناتو، جرى كتابتها من قبل مواطن نرويجي تم توظيفه لفترة المناورات فقط، وأن الرسالة التي كتبها الشخص لا تعكس على الإطلاق موقف النرويج وسياساتها».
وقالت تقارير إعلامية تركية إن الشخص الذي تسبب في الأزمة هو مواطن نرويجي من أصل تركي. وأضاف: «أقدم اعتذاري إلى تركيا عن محتوى الرسالة. تركيا حليف هام في الناتو، ونقدر شراكتنا التجارية الوثيقة». وقدم قائد المركز العسكري المشترك في النرويج أندرزج ريودويتز اعتذاره لتركيا.
في السياق ذاته، أدان رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو بشدة الإساءة التي مست رموز الجمهورية التركية خلال المناورات. وقال كليتشدار أوغلو، في كلمة أمام مؤتمر لحزبه، أمس السبت، في أنقرة: «لا يمكننا القبول أبدا بأن يوجه أحد إهانة إلى ماضي بلادنا وحاضرها». وشدد على أنه «لا يمكن تمرير الموضوع باعتذار عادي»، في إشارة إلى الاعتذار الذي قدمه حلف الناتو والسلطات النرويجية. وقال إن حزبه لا يعارض توجيه انتقادات لتركيا، غير أنه لا يمكن لأحد أن يسيء إلى مسؤوليها وماضيها، و«ندين ذلك بشدة». وأضاف: «إننا ننتظر الآن توضيحا مقنعا من الجهات المسؤولة حول هذه الإهانة التي مست تركيا»، مشددا على أن بلاده لها سمعة طيبة، وأنها دولة تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.