الراعي يعلن من السعودية تأييد أسباب استقالة الحريري

مصادره لـ «الشرق الأوسط»: 24 ساعة تاريخية قضيناها في المملكة

سعد الحريري مستقبلاً البطريرك بشارة الراعي في دارته بالرياض
سعد الحريري مستقبلاً البطريرك بشارة الراعي في دارته بالرياض
TT

الراعي يعلن من السعودية تأييد أسباب استقالة الحريري

سعد الحريري مستقبلاً البطريرك بشارة الراعي في دارته بالرياض
سعد الحريري مستقبلاً البطريرك بشارة الراعي في دارته بالرياض

أكد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، أن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري سيعود إلى لبنان في أقرب وقت ممكن، معلناً، وللمرة الأولى منذ تقديم الحريري استقالته، أنه يؤيد أسباب هذه الاستقالة.
وقال الراعي بعد سلسلة لقاءات عقدها في الرياض أمس وتوجت بلقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إن ما سمعه من المسؤولين السعوديين يمكن اختصاره بكونه «نشيد المحبة السعودية للبنان المضياف والتعددية والتلاقي والمنفتح على كل الشعوب وصديقها، ولبنان الحيادي الذي قرأناه في صميم قلوبهم على أن يعود إلى سابق عهده وإلى ما كان عليه».
ونقل الراعي عن العاهل السعودي «حبه الكبير للبنان، وعن رغبته الكبيرة في دعمه الدائم وتقديره لأبناء الجالية اللبنانية الذين يعملون في السعودية والذين ساهموا في بنائها واحترموا قوانينها وتقاليدها». وحث على وجوب «تعاون الجميع كل من موقعه لإظهار وجه لبنان الجميل».
وإذ أكد البطريرك الماروني، أن «لا شيء يؤثر على العلاقة اللبنانية - السعودية»، لافتاً إلى أنه «وإن مرت بظروف معينة، فهي لم تؤثر على الصداقة بين البلدين»، وصف لقاءه بالحريري بـ«الجيد جداً جداً»، مشدداً على أن «الرئيس الحريري سيعود في أقرب وقت إلى لبنان».
ورداً على سؤال ما إذا كانت قد أقنعته أسباب استقالة الحريري، أجاب الراعي: «من قال لكم إنني غير مقتنع؟ أنا مقتنع كل الاقتناع بالأسباب، والرئيس الحريري أعلن في مقابلته التلفزيونية أنه على استعداد للعودة عن الاستقالة والاستمرار بالقيام بدوره»، معتبراً أن على رئيس الحكومة التحدث إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والقيادات السياسية، ووضعهم بـ«الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة، فهو على استعداد لمواصلة خدمته لهذا الوطن حيث دماء والده».
ووصف مصدر مقرب من الراعي، رافقه في زيارته إلى المملكة، الأجواء التي سادت اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين السعوديين بـ«الإيجابية جداً»، لافتاً إلى أنه «تم التداول في كل الملفات بصراحة مطلقة وود متبادل». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «تم التطرق للحوار المسيحي – الإسلامي، وللانفتاح والاعتدال، وثقافة اللقاء والسلام»، مشدداً على أن «الساعات الـ24 التي قضاها الوفد في المملكة كانت ساعات تاريخية كما هي الزيارة ككل».
كذلك، أكد المصدر، أن لقاء الراعي – الحريري كان «جيداً جداً»، مرجحاً أن تكون عودة الحريري قريبة إلى لبنان، وألا تطول الأزمة السياسية التي دخلتها البلاد بعيد استقالة الحكومة طويلاً.
ومساءً، غادر الراعي الرياض متوجهاً إلى روما في زيارة تستمر حتى نهاية الأسبوع، يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين في الفاتيكان، ويشارك في عدد من اللقاءات الكنسية.
وكان البطريرك الماروني استمع قبل مغادرته المملكة إلى أبناء الجالية اللبنانية في الرياض الذين أعربوا عن تخوفهم من «التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن مواصلة فرقاء سياسيين لبنانيين مهاجمة المملكة كلامياً، والتورط في نزاعات تصيبها بالضرر». إلا أن البطريرك طمأنهم أن المملكة ستحافظ على وجودهم في أراضيها. وخلال كلمة ألقاها في حفل استقبال أقامه السفير اللبناني لدى السعودية عبد الستار عيسى على شرفه، شدد الراعي على أن «المملكة العربية السعودية وقفت إلى جانب لبنان في أصعب مراحله سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وكانت حاضرة لتعضد هذا البلد الشقيق الصغير، لكن صاحب الدور الكبير». وقال: «إن ملوك وأمراء المملكة العربية السعودية كانت لهم بيوت في لبنان، وأحبوا لبنان والعيش فيه، وهم متشوقون ربما أكثر منا إلى أن يعود هذا الوطن إلى أمنه واستقراره لكي يستعيدوا جمال الحياة في الربوع اللبنانية».
وتوجه إلى أبناء الجالية اللبنانية قائلاً: «إن السعوديين يحبونكم ويبادلونكم المحبة والاحترام، وطبعاً أنا سأعلن باسمكم شكرنا لجلالة الملك وسمو الأمير على استقبال المملكة لكم، كذلك سنعلن المحافظة على الصداقة والأخوة القائمة بين لبنان والمملكة». وأضاف: «حتى لو مرت رياح عاتية في بعض الأحيان، فإن الشعب اللبناني يظل على عهده، وتاريخ لبنان تاريخ صداقة. وتعرفون أيضاً أن العلاقات بين البطريركية المارونية والملوك ترقى إلى أسلافي الأربعة البطاركة أنطون عريضة والكاردينال بولس المعوشي والكاردينال أنطونيوس خريش والبطريرك الكاردينال نصر الله صفير». واعتبر أن «الدعوة لزيارة المملكة من خادم الحرمين الشريفين، هي تأكيد على إرادة مواصلة هذه العلاقة الطيبة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية».
وعلّقت مصادر كنسية على إعلان الراعي تأييده لأسباب استقالة الحريري فقالت لـ«الشرق الأوسط»: «من منا لا يؤيد أسباب الاستقالة، وأبرزها تدخل قسم من اللبنانيين بشؤون الدول العربية وبالتحديد في سوريا واليمن؟ من منا لا يريد العودة للتمسك بسياسة النأي بالنفس والحياد لتجنيب بلدنا الدخول في البركان الملتهب حولنا؟».
واعتبرت المصادر أن البطريرك «عبّر عما يختلج في قلوب القسم الأكبر من اللبنانيين، وهو لم يأخذ طرفاً مع هذا الفريق أو ذاك، باعتبار أن ما يسعى إليه المصلحة الوطنية العليا».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.