أوضاع المحتجزين في ليبيا تثير غضب المفوض السامي لحقوق الإنسان

رعد الحسين: لن نقف متفرجين على العبودية الحديثة والاغتصاب

TT

أوضاع المحتجزين في ليبيا تثير غضب المفوض السامي لحقوق الإنسان

لام زيد رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان، الاتحاد الأوروبي والسلطات الليبية «لتعاملهم اللاإنساني» مع المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، وعبر عن «امتعاضه إزاء الزيادة الحادة في عدد المحتجزين منهم في ظروف مروعة بمراكز الاحتجاز»، في وقت تمكنت فيه المفوضية من نقل مجموعة من اللاجئين الأفارقة من ليبيا إلى النيجر: «لحين النظر في طلبات إعادة توطينهم».
وقال الحسين في بيان أمس، نشره مكتب المفوض السامي على موقعه عبر «الإنترنت» إن «معاناة المهاجرين المحتجزين في ليبيا تثير سخط الضمير الإنساني»، مشيرا إلى أن «ما كان مروعاً في السابق أصبح حالياً وضعاً كارثياً».
من جانبه، أدان مسؤول في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، رفض ذكر اسمه، أي «اعتداء على المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا»، وطالب بـ«تجريم أي أفعال قد تنتهك حقوق الإنسان من خلال الاحتجاز التعسفي، وأعمال التعذيب التي يرتكبها البعض تحت مسميات مختلفة».
وأوضح المسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن «سبب ارتكاب بعض التجاوزات في حق المهاجرين غير الشرعيين، هو أن أماكن الاحتجاز لا تخضع للمراقبة، وبعض القائمين عليها تحكمهم الأهواء الشخصية، ظنا منهم أنهم بعيدون عن المساءلة».
ورأى المفوض السامي لحقوق الإنسان أن «نظام احتجاز المهاجرين في ليبيا أصابه الانهيار، ولا يمكن إصلاحه»، وأنه «لا يمكن إنقاذ حياتهم وضمان سلامتهم الجسدية سوى بإيجاد بدائل للاحتجاز تصون كرامتهم وتحميهم من التعرض للمزيد من الفظائع»، مستغرباً «سياسة الاتحاد الأوروبي في مساعدة خفر السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين في البحر المتوسط وإعادتهم مرة ثانية».
ووجه الحسين حديثه إلى المجتمع الدولي قائلا: «لا يمكن للمجتمع الدولي أن يواصل غض الطرف عن الفظائع التي تفوق التصور، التي يعاني منها المهاجرون في ليبيا، والتظاهر بأنه لا يمكن معالجة الوضع سوى من خلال تحسين ظروف الاحتجاز، والتدخلات المتزايدة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لم تكن مجدية حتى الآن في الحد من الانتهاكات التي يعاني منها المهاجرون».
وتابع المفوض السامي لحقوق الإنسان، موضحا أن «أعمال الرصد التي نقوم بها تظهر في الواقع تدهوراً سريعاً في أوضاعهم في ليبيا، وقد أصابت الصدمة المراقبين لما شاهدوه... فآلاف الرجال والنساء والأطفال الذين أصابهم الهزال والهلع مكدسون فوق بعضهم، ومحبوسون في مستودعات دون أن تتاح لهم إمكانية الحصول على أهم الضروريات الأساسية، وقد انتزعت منهم كرامتهم الإنسانية... وكثير منهم كانوا عرضة للاتجار والاختطاف والتعذيب والاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي والسخرة، والاستغلال والضرب العنيف والمجاعة، وغيرها من الفظائع خلال رحلاتهم عبر ليبيا، وتم ذلك غالباً على أيدي تجار البشر أو المهربين».
ووفقاً لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، فقد تم احتجاز 19900 شخص في مراكز خاضعة لسيطرتها في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في مقابل ما يزيد على 7000 شخص في منتصف سبتمبر (أيلول)، وذلك عندما احتجزت السلطات آلاف المهاجرين عقب اشتباكات مسلحة في صبراتة (غرب العاصمة طرابلس)، التي تعد مركزاً للتهريب والاتجار وتقع على بعد نحو 80 كيلومتراً غرب طرابلس.
وبحسب المفوض السامي لحقوق الإنسان فإن الاتحاد الأوروبي وإيطاليا يقدمان المساعدة إلى خفر السواحل الليبي لاعتراض زوارق المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط وداخل المياه الدولية، على الرغم من المخاوف التي أثارتها مجموعات حقوق الإنسان من أن ذلك من شأنه أن يحكم على المزيد من المهاجرين بالاحتجاز التعسفي لأجل غير مسمى، ويعرضهم للتعذيب والاغتصاب والسخرة والاستغلال والابتزاز. كما أن من يتم احتجازهم لا تتاح لهم إمكانية الطعن في قانونية احتجازهم، إضافة إلى انعدام إمكانية الحصول على المساعدة القانونية، وفقا للمفوض السامي.
وفي الفترة الممتدة من مطلع نوفمبر إلى السادس من الشهر ذاته، زار مراقبو حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة أربعة مراكز تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، وقابلوا المحتجزين الذين فروا من النزاع والاضطهاد والفقر المدقع من دولهم في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا. وتحدث رجل محتجز في مركز طريق المطار التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث يكتظ نحو ألفي مهاجر في مستودع يفتقر إلى مرافق صحية يمكن استخدامها، وقال لأحد موظفي الأمم المتحدة: «نحن مثل علبة الكبريت، لا نعرف النوم ونعاني من الأمراض، ونفتقر إلى الغذاء ولم نستحم منذ أشهر، سنموت جميعاً إذا لم يتم إنقاذنا من هذا المكان، هذا عذاب نفسي ومن أشد الصعوبات البقاء على قيد الحياة مع رائحة البراز والبول، وكثير منا (ملقون) على الأرض فاقدين للوعي».
وروى بعض الرجال والنساء والأطفال المحتجزين في المراكز التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية تعرضهم للضرب على أيدي الحراس، إذ قال مهاجر من الكاميرون للمراقبين «إنهم يضربوننا كل يوم، ويستخدمون العصي الكهربائية فقط لأننا نطلب الطعام أو العلاج، أو للحصول على معلومات بشأن ما سيحدث لنا». كما روت بعض النساء تعرضهن للاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي على أيدي المهربين والحراس، وقالت امرأة من ساحل العاج لموظفي الأمم المتحدة إنه خلال رحلتها «جاء مسلحون واختاروا ست نساء من بينهم أنا، وأخذونا واحدة تلو الأخرى، وعندما رفضت أول مرة تلقيت صفعة، وتم توجيه بندقية على رأسي، واغتصبني أربعة رجال في الخارج، وكنت في مراحل مبكرة من الحمل، وتعرضت لنزيف شديد، وأعتقد أنني فقدت الطفل جراء ذلك، ولم يتم عرضي على الطبيب إلى الآن».
وفي حالة أخرى، قالت امرأة أفريقية من جنوب الصحراء الكبرى: «لقد تم اقتيادي إلى مكان بعيد عن المركز التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، واغتصبت في أحد المنازل من قبل ثلاثة رجال، من بينهم حارس في هذا المركز».
ويحث مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السلطات الليبية على اتخاذ خطوات ملموسة للقضاء على انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات في المراكز الخاضعة لسيطرتها، وإقالة الأشخاص المشتبه بشكل معقول بارتكابهم انتهاكات، والتحقيق مع المسؤولين عنها ومقاضاة مرتكبيها، والإشارة بشكل معلن إلى أنه لن يتم التسامح مع هذه الانتهاكات بعد الآن. كما تدعو إلى عدم احتجاز المهاجرين، وإلى تحويل جميع المراكز إلى مراكز مفتوحة.
وختم المفوض السامي لحقوق الإنسان حديثه قائلا: «لا يمكننا أن نقف موقف المتفرج على العبودية الحديثة والاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي، والقتل غير القانوني باسم إدارة الهجرة، ومنع أشخاص يعتريهم اليأس والقنوط من الوصول إلى شواطئ أوروبا».
وسبق لويليام سبندلر، المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، القول إنه المفوضية تمكنت للمرة الأولى من إجلاء مجموعة من اللاجئين الأفارقة المعرضين للخطر من ليبيا إلى النيجر. فيما قال فنسنت كوشتيل، المفوض السامي الخاص للاجئين لمنطقة وسط حوض البحر المتوسط: «سوف يقيمون (اللاجئون) في أحد مقار الضيافة في نيامي حتى تنتهي إجراءات طلبات اللجوء الخاصة بهم».
يأتي ذلك فيما لا يزال مصير المهندسين الأربعة الأجانب، الذين اختطفوا في الثالث من سبتمبر الماضي، على أيدي مسلحين من موقع مشروع محطة كهرباء أوباري (جنوب البلاد) مجهولا، الأمر الذي تسبب في مغادرة فريق من العاملين بشركة «أنكا تكنيك» التركية البلاد، اعتراضا على عدم الإفراج عن زملائهم.
وكانت الشركة العامة للكهرباء قد قالت إن مجموعة مسلحة خطفت أربعة مهندسين، (3 أتراك وجنوب أفريقي) بعد وصولهم من مطار أوباري إلى موقع محطة الكهرباء الواقعة جنوب ليبيا. فيما قال مسؤول بالشركة العامة للكهرباء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تصلنا أي معلومات عن المخطوفين، لكن جهات أمنية قالت إنها اعتقلت 10 متهمين في الواقعة».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.