ميكافيلية بن لادن والتنسيق مع إيران وقطر في ليبيا

رحب بتدخل {الناتو} والغرب فيها... ورفضه في تحرير الكويت

بن لادن زعيم {القاعدة} الراحل
بن لادن زعيم {القاعدة} الراحل
TT

ميكافيلية بن لادن والتنسيق مع إيران وقطر في ليبيا

بن لادن زعيم {القاعدة} الراحل
بن لادن زعيم {القاعدة} الراحل

لم يرَ زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن في الانتفاضات العربية سنة 2011 ربيعاً ديمقراطياً شبابياً ولد روحاً في «فيسبوك» و«تويتر»، ولكن رآه فرصة سانحة وانفراجة كبيرة للمتطرفين خصوصاً، والإسلاميين عامة، ظهروا فيها ابتداء - من ليبيا - وتأخر قليلاً شأن مصر وتونس وسوريا واليمن.

بعث الزلزال الكبير للانتفاضات عام 2011 وتوالي سقوط الأنظمة، الأمل كبيراً لدى زعيم «القاعدة» الراحل، حتى طار به الرجل حلماً وخيالاً في أحاديثه لأسرته، كما تكشف يومياته المنشورة بخطه مؤخراً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فتسأله ابنته ويجيب عما بعد إقامة الدولة الإسلامية الموحدة بقيادته؟ وماذا سيفعل مع العالم الغربي إن استسلم وطلب الصلح؟ وهل سيقبل منهم هذا الاستسلام!!
في يومياته يجزم بن لادن أن زلزال الانتفاضات لن يقف عند مراكزه التي اندلع فيها، في تونس 27 ديسمبر (كانون الأول)، ثم مصر في 25 يناير (كانون الثاني)، ثم اليمن في 11 فبراير (شباط)، ثم ليبيا في 15 فبراير، ثم سوريا في 18 مارس (آذار)، بل ستتمدد تصدعاته لتشمل المنطقة كلها وسقوط أنظمتها جميعاً، وأن عليه وعلى «القاعدة» وفروعها، وخصوصاً «المقاتلة الليبية»، في هذه الحالة التحالف والتنسيق مع من يريدون سقوط هذه الأنظمة معها، وفي مقدمتها إيران وقطر، هكذا فسرت لنا اليوميات الأخيرة الرابط بين بن لادن و«القاعدة» من جهة، وبين إيران وقطر والإسلاميين الجهاديين والثورات العربية من جهة أخرى، في براغماتية ترى الخلافات العقدية والمذهبية والآيدولوجية بين «السلفية الجهادية» غير جوهرية ولا ضرورية، كما ذكر في موضع آخر.
انتفاضة ليبيا الفرصة الأكبر لابن لادن
كان بن لادن يتابع أخبار الثورة ضد القذافي بشغف كبير، ورأى فيها فرصة كبيرة له ولتنظيمه بالخصوص. وفي أولى صفحات يومياته كان الحديث عن ليبيا، حيث يكتب بن لادن: «الأمور متواصلة في ليبيا لكن يظهر أن القذافي يصله مدد، لأنه يقوم بعمليات لاستعادة الزاوية، واليوم ثمة هجوم على مصراتة، وأسقط المسلحون طائرتين، فوقع الطيارون أسرى»، وبعد قليل من الصفحات يقول: «بالنسبة إلى ليبيا، الرأي العام الدولي يزداد ضغطاً على القذافي باستثناء روسيا التي ترفض فرض أي ضغوط».
تفهم بن لادن جيداً الفرصة الممكنة في ليبيا، كونها الثورة الوحيدة التي قادها المتشددون، ووجدت فيها «القاعدة»، ممثلة في عناصر «الجماعة المقاتلة»، ورأى في تكرار القذافي فزاعة «القاعدة» والمتطرفين حقيقة اغتبط بها، وأن «القاعدة» حقيقة ترعب العالم حتى الصين، كما نقل عن المدعو لويس عطية، مما يؤكد الأمل الذي كان يحدوه أن تكون الانفراجة التي ساقها الله وبشرت بها المنامات له سابقاً.
فهم بن لادن أن القذافي خصم أسهل، خصوصاً أنه لا يمتلك ورقة الطائفية كبشار الأسد، أو ورقة القبائل والولاءات مثل على عبد الله صالح، وأنه لا يوجد جيش، بل كتائب من المرتزقة وغير الليبيين، فلا توجد دولة أو نظام بالمعنى الحقيقي مما يبشر بسهولة الإسقاط، وخصوصاً بعد تصاعد الضغط والرفض، ثم التدخل الدولي ضد وحشيته.
من التناقض أن بن لادن كان سعيداً باستهداف «الناتو» والغرب لنظام معمر القذافي، وهو ما لم يرفضه في يومياته - على غير العادة المعروفة عنه - في «رفض الاستعانة على مُتجبر بكافر» كما كان يكرر، وهو ما نراه على العكس تماماً مما كان منه في حرب تحرير الكويت سنة 1990 أو غيرها، مما ينم عن براغماتية وذرائعية مستترة في خطاب زعيم «القاعدة»، كان يخفيها دائماً، لم تكشفها إلا يومياته وأحاديثه الأسرية.
كانت رؤيته صحيحة بخصوص فرص المتطرفين في ثورة ليبيا بالخصوص، فمنذ البداية كان واضحاً دور عناصر «الجماعة المقاتلة»، رغم توقيعها المصالحة، وتسطيرها المراجعات مع سيف الإسلام القذافي بوساطة على الصلابي، وتقديمها اعتذارها للنظام والشعب الليبي عام 2009. وبدأت حلقات التحول مع اعتقال فتحي تربل محامي مذبحة أبو سليم (التي راح ضحيتها 1200 قتيل) في 15 فبراير التي كان عناصر «المقاتلة» وغيرهم من المتشددين ضحاياها، وانفجرت في الشرق الليبي سريعاً تحمل السلاح مما اغتنمته من كتائب القذافي ومخازنه.
كان بن لادن واعياً بكل ذلك، ففي دفتر يومياته المنشور مؤخراً ضمن الوثائق، يلح على دور أكبر في ليبيا، وعلى التنسيق مع كل من يؤثر في الحراك الليبي، من الداعية القطري يوسف القرضاوي، إلى دور قناة «الجزيرة» التي رآها كما ذكر «حاملة لواء الثورات» من تونس إلى مصر إلى غيرها، مطالباً بالتنسيق معها وصياغة خطاب لا يزعج الناس يبث خلالها، فقد كان موقف «القاعدة» على ما يبدو، وموقف سائر التنظيمات المتشددة، هو عدم التعكير على صفو الثورات ووعودها المدنية والديمقراطية والشعبية، عبر المزيد من الصبر ثم القفز بعد ذلك عليها، أو ما يمكن أن نصفه باستراتيجية اندماج ثم «قفز وسرقة لهذه الثورات» بعيداً عن كثير من قواها الفاعلة فيها، وبعيداً عن وعودها المعلنة، ولكن «داعش» التي ظهرت بعد مقتله بسنتين كانت أكثر حسماً ووضوحاً، وإن التقوا في النهاية في الغايات نفسها.
من المدهوني عروة إلى أبو أنس الليبي
يقول بن لادن في يومياته ما نصه أن الانتفاضة «قد فتحت الباب أمام الجهاديين»، وهو يتفهم تخوفات القذافي وما كان يقوله عن فزاعة الإرهاب القادم، التي كان يوجهها وأسرته للغرب فيقول: «هذا هو السبب في أن القذافي وولده يقولان إن المتطرفين سوف يأتون من طريق البحر، الذي سوف يكون منطقة عمليات لتنظيم القاعدة، سوف تتحول ليبيا إلى صومال البحر الأبيض المتوسط».
وكما سبق أن ذكرنا، كان وجود المتطرفين وعناصر «القاعدة» و«المقاتلة» في الثورة ضد القذافي منذ البداية، وهو ما أكدته وثائق بن لادن الأخيرة والعديد من الوثائق السابقة أيضاً، منها ما تم العثور عليه في بيت أسامة بن لادن بعد اجتياحه في مايو (أيار) 2011، وخصوصاً ما كان من رسائل بينه وبين القيادي الليبي المقرب إليه عطية الله الليبي (واسمه الكودي في الوثائق كلها محمود) وبين أسامة بن لادن، حول تطورات الأحداث في ليبيا التي تابعها بشغف، واحتلت الجزء الأكبر من مذكراته وأحاديثه الأسرية، ومنها رسالة مؤرخة بتاريخ 5 جمادى الأولى 1432 هجرية الموافق لـ9 أبريل (نيسان) 2011، ورد من أسامة بن لادن في 22 جمادى الأولى 1432 الموافق لـ26 أبريل 2011 قبل وفاة كليهما بقليل، حيث يأتي فيها تأكيد على دور عبد المنعم مختار المدهوني (ولد سنة 1971 وقتل في مارس سنة 2011) ويكنى بأبي مالك، وعروة الليبي الذي أسس «كتيبة عمر المختار» في بنغازي في فبراير 2011، بعد أن تيسر له السفرُ من إيران إلى ليبيا قبل الثورة بشهر واحد مشاركاً فيها، وتواصل مع بعض عناصر «الجماعة المقاتلة» ليقوم بمهامه هناك، ويتواصل مع عطية الله الليبي نفسه الذي قال عنه في بداية الأحداث: «ونتوقع أن يكون له دور في ليبيا»، وأنه على اتصال وثيق بالقيادي الكبير في تنظيم القاعدة أبو أنس الليبي واسمه الحقيقي نزيه الرقيعي.
تتجلى أهمية ليبيا في رسالة عطية الله الليبي إلى بن لادن التي يقول له فيها عن فرصة «القاعدة» الكبيرة فيها: «بالنسبة لليبيا على وجه الخصوص، فآخر ما جاءنا من الإخوة في ليبيا أنهم بدأوا يرتبون أمورهم، وأن لهم نشاطاً ودوراً هناك والحمد لله. إخوة (الجماعة المقاتلة) الخارجون من السجن وغيرهم وفي الشرق الليبي (بنغازي ودرنة والبيضاء وما قاربها). هناك صحوة إسلامية (جهادية) من زمان ينتظرون مثل هذه الفرصة، ونظن أنه عن قريب سيبدأ يظهر نشاط الإخوة وأسماؤهم وتسجيلاتهم».
بن لادن مع إيران وقطر والقرضاوي
يبدو بن لادن في وثائقه الجديدة براغماتياً، متجاوزاً لقيوده الآيدولوجية التي فرضها على الآخرين، في الولاء والبراء، وفي رفض أي تعاون أو تنسيق مع من يميعون الحقائق الإسلامية، مثل «الإخوان» والقرضاوي كما ذكر أيضاً في يومياته، لكنه يتنازل عن كل ذلك بغية الوصول لأهداف جماعته عبر إسقاط الأنظمة التي يعاديها من الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي إلى الولايات المتحدة والغرب، ولذا كان ترحيبه وتحالفه وتعاونه ودعوته للتنسيق مع أطراف عديدة من «الإخوان» للقرضاوي إلى قطر وقناتها الفضائية إلى إيران ملاذ جماعته الآمن، وممر مقاتليها المستمر لمختلف البلاد والصراعات.
حضرت هذه الدوافع لديه، واتضحت في الحالة الليبية الأكثر أهمية لديه كما وضحنا، فعبر إيران كان دخول كل من نزيه الرقيعي المعروف بأبي أنس الليبي ونزيه الرقيعي المعروف بأبي مالك الليبي إلى ليبيا، وكان تواصل مساعده عطية الله معهما وهما على الأراضي الإيرانية، وهو ما يؤكد تاريخ العلاقة الممتدة قبل عقود من التحالف المشبوه بين «القاعدة» وإيران.
وعبر قطر وقناة «الجزيرة» وصوت رجل الدين يوسف القرضاوي التي تستهدف ما يستهدفه من إسقاط الأنظمة، ورأت في الانتفاضات أو الثورات العربية فرصاً للإسلاميين، وربيعاً إسلاموياً وليس ديمقراطياً كما كانت تراه القوى الشبابية والمدنية الأخرى، يحرص بن لادن في يومياته والوثائق المنشورة مؤخراً على التنسيق، وعلى توظيف هذه الأدوار الذي يدرك بدرجة كبيرة تماهيها وتطابقها مع ما يريد من أهداف، وإن اختلفت الأساليب والتوجهات.
وإلا فماذا أدل على ثقة نظام بن لادن في إمارة قطر من استئمانها على ابنه حمزة، وأنه يراها المكان الأنسب له؟ وهو يعده خليفة له ويراه أمله الذي يراهن عليه في المستقبل، كما ذكر في يومياته.
وماذا أدل على ثقة بن لادن في دور قناة «الجزيرة» التحريضي والمفيد لإسقاط الأنظمة من إقراره بأنها لو دخلت مع «القاعدة» في خلاف، فلن يكون في صالح «القاعدة»، رغم أنه في مواضع كثيرة من نفس اليوميات يؤكد أن «القاعدة» تشكل هاجساً وخطراً على العالم أجمع، ويهتف الجميع من الولايات المتحدة إلى القذافي إلى الصين بالخوف منها! رغم أننا نرى ما قاله زعيم «القاعدة» عن دور قناة «الجزيرة» ليس خوفاً أو خلافاً محتملاً بين الطرفين، ولكنه حث وتوجيه لزملائه على التوظيف المتبادل بينهما، والتقاء أهدافهما، في تغيير وإسقاط الأنظمة.
ولا شك أن زعيم «القاعدة» الراحل كان يعرف الدور القطري الكبير المعادي للعقيد الليبي السابق، بناء على خلافات شخصية بين الطرفين، ورغبة قطر في إسقاطه واستمرار زلزال الانتفاضات العربية وصولاً للخليج بدءاً من البحرين المجاورة، التي لا يرى بن لادن في براغماتية غريبة أيضاً حرجاً من دخول إيران على خطها، أو تغيير مذهبها حال نجاحها، كما يذكر في يومياته.
إن يوميات ومذكراته بن لادن الخاصة التي تبلغ 228 صفحة، المنشورة في الأول من نوفمبر الحالي، تكشف عن جانب خطير من شخصية زعيم «القاعدة» ومؤسسها وهو براغماتيته ومكيافيلية تتجاوز ما كان يربي عليه عناصر شبكته من الولاء والبراء والتكفير للمخالف وغيره من الخطاب النظري والعدائي ضد «الإخوان» وضد قطر أو ضد النظام الإيراني والولي الفقيه عبر بعض أتباعه شأن «كتائب عبد الله عزام» والحكايمة والزرقاوي وغيرهم من منظري «السلفية الجهادية» وقادة فروعها، فهو أمر كان للعموم، أما الخصوص فهو البحث عن إمكانية التنسيق والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة.
من هنا كان التقدير الشديد من قبل زعيم «القاعدة» الراحل لإمارة قطر وحكومتها ودورها، ولقناة «الجزيرة» الفضائية التابعة لها، وكذلك للنظام الإيراني وجماعة «الإخوان»، والتحريض الديني والشعبي في الثورات، طالما كل هذا يفيد ويستفيد منه في الآن نفسه حرباً على العدو القريب من الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة، أو حرباً على الولايات المتحدة والغرب.



مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».