الدين العام الحكومي العالمي يصل إلى 135 تريليون دولار

مسارات النمو الاقتصادي الدولي تتعثر في جبال الديون

الدين العام الحكومي العالمي يصل إلى 135 تريليون دولار
TT

الدين العام الحكومي العالمي يصل إلى 135 تريليون دولار

الدين العام الحكومي العالمي يصل إلى 135 تريليون دولار

أجمعت تقارير عدد من وكالات التصنيف الائتماني على أن الدين العام العالمي سيستقر في عام 2018 تقريباً عند المستوى نفسه الذي يبلغه هذا العام 2017، لكن وكالة «موديز» تشير إلى ضخامة هذا الدين قياساً بالعام الذي اندلعت فيه الأزمة المالية العالمية في 2008. وتؤكد الوكالة أن نسبة الدين الحكومي السيادي العالمي إلى إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي تبلغ الآن 75 في المائة، مقارنة مع نسبة 57 في المائة قبل 10 سنوات.
أما وكالة «فيتش» فتتوقع لعام 2018 ألا تتغير فيه كثيراً تصنيفات الديون السيادية سواء صعوداً أو هبوطاً كما حصل في عامي 2016 و2017. مع الإشارة إلى أن النظرة السلبية حالياً لا تشمل إلا 16 في المائة من الدول المصنفة، مقابل 26 في المائة العام الماضي، وهذا يعني أن العام المقبل لن يشهد كثيراً من إعادات النظر باتجاه خفض التصنيفات الائتمانية، خصوصا أن 75 في المائة من تلك التصنيفات بنظرة مستقرة حالياً.
وكانت وكالات التصنيف أجرت في 2016 والنصف الأول من العام الحالي، 26 خفضاً لدول في الشرق الأوسط وأفريقيا، مقابل رفع تصنيف دولة واحدة في هذه المنطقة. وفي أوروبا وروسيا 11 خفضاً، مقابل رفع تصنيف 10 دول في الفترة نفسها. وفي آسيا 6 تخفيضات مقابل رفع واحد، وفي أميركا اللاتينية 13 خفضاً مقابل رفع 6 تصنيفات.
وتشير الوكالات في تقاريرها الحديثة إلى أن المناخ الاقتصادي لكثير من الدول بدأ يشهد ازدهاراً ولو بدرجات متفاوتة. وتتوقع «موديز» نمواً نسبته 3 في المائة على المستوى الدولي في عام 2018. وهذا المعدل سيسمح للحكومات ببعض الوقت الإضافي للمضي قدماً في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة منها. وتضيف وكالة «فيتش» إلى النمو عوامل إيجابية أخرى تراها ماثلة في حركة تطور التجارة العالمية واستقرار أسعار المواد الأولية.
في المقابل، لا تهمل وكالات التصنيف ذكر بعض المخاطر، التي على رأسها العوامل الجيوسياسية؛ لا سيما المخاطر الآتية من تهديدات كوريا الشمالية، بالإضافة إلى بعض اضطرابات منطقة الشرق الأوسط، وصعود النزعات الشعبوية في أوروبا، كما أن السياسات الحمائية التي فتح بابها الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد تؤثر أيضاً في تصنيفات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
إلى ذلك، تضيف وكالات التصنيف تحدياً لا يقل أهمية، وهو نهاية عصر «المال المجاني» أو «شبه المجاني»، بعدما أعلنت البنوك المركزية الكبيرة بداية تطبيع سياساتها النقدية وإلغاء أو تخفيف التدخل عبر برامج التيسير الكمي. وقد تكون لذلك ارتدادات في أسواق الدين العالمية إذا تواكب مع رفع الفوائد؛ فمع نهاية تلك المحفزات قد يتعرض النمو الاقتصادي العالمي لامتحان أيضاً.
وفي التفاصيل، تضع وكالات التصنيف عدداً من الدول في قوائم «هشة»، كما فعلت «ستاندارد آند بورز» في تقاريرها عن دول مثل قطر وتركيا والأرجنتين وباكستان. فتركيا تقلق وكالات التصنيف بسبب تقلبات أو انخفاض سعر صرف الليرة، التي تنتج تضخماً بمستويات عالية، بحسب وكالة «فيتش» التي تشير إلى حاجات تركيا الهائلة من التمويل الخارجي البالغة مائتي مليار دولار، وتساوي 190 في المائة من احتياطات الصرف الأجنبي في البلاد حالياً، وهذا يخلق ارتهاناً أو ارتباطاً كبيراً بالخارج قد يتحول إلى أزمة. وفي قطر وضع هش أيضاً بعدما تباطأ النمو وارتفع التضخم واتجهت رساميل للخروج من البلاد، كما تؤكد «موديز».
في الجهة الأخرى، تشير «ستاندارد آند بورز» إلى دول أوضاعها أفضل بكثير؛ مثل المملكة العربية السعودية التي أعادت تموضعها النقدي والمالي بعد هبوط أسعار النفط وشرعت في إصلاحات هيكلية في موازاة لجوئها إلى الاستدانة من الأسواق الدولية اعتباراً من العام الماضي. أما «موديز» فتشيد بما تفعله المملكة لجهة تنويع إيرادات الموازنة، لا سيما إعلان بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة مطلع 2018. وهناك إشادات أخرى من وكالات تصنيف بشأن إجراءات مكافحة الفساد وتسريع اتخاذ القرارات الاقتصادية الإصلاحية.
وبالعودة إلى المناخ العالمي، تؤكد تقارير الوكالات أنه بعد 10 سنوات على اندلاع الأزمة التي هددت العالم بركود خطير، فالاقتصاد العالمي اليوم في وضع أفضل بكثير. فالنمو يتحرك قدماً؛ لا بل يتسارع، وهو مؤكد في اقتصادات دول «مجموعة العشرين» بلا استثناء، وبشمولية هي الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة، وأسعار النفط معتدلة والفائدة منخفضة، وغاب الحديث عن حروب العملات، ولا شبح انكماش في الأفق. لكن مؤشر الدين العام مقلق بعدما استدانت الدول كثيراً وبإفراط أحياناً للإنفاق على المحفزات، كما أن الشركات استدانت أكثر؛ مستفيدة من انخفاض الفوائد، وكذلك فعلت الأسر لزيادة استهلاكها، لذا تراكمت الديون على نحو مثير.
ويقدر صندوق النقد الدولي قيمة جبل الديون العامة بنحو 135 تريليون دولار، ويدق الصندوق ناقوس الخطر محذراً من «اصطدام باخرة النمو الاقتصادي بجبل جليد الديون»، علما بأن مستويات الديون ليست نفسها في معظم الدول، فنسبتها إلى ناتج الدول المتقدمة حالياً 105 في المائة، مقابل 50 في المائة في الدول الناشئة، لكن الاتجاه، وفقاً لمعظم التوقعات، يشير إلى انخفاض تلك النسبة في الدول المتقدمة من الآن حتى 2022 مقابل ارتفاعها في الدول الناشئة، التي فيها من هو مهدد بالإفلاس أو إعلان التعثر عن السداد؛ مثل فنزويلا والكونغو وموزمبيق، على سبيل المثال لا الحصر.
لكن ما حصل مع اليونان يشير أيضا إلى أن الدول المتقدمة ليست بمنأى عن التعثر في سداد ديونها هي الأخرى، لذا تحذر الوكالات من ديون تركيا على هذا الصعيد، كما تذكر في تقاريرها أن الصين تفاقم دينها العام بفعل الإنفاق المفرط على برامج التحفيز «فيما يشبه الهروب إلى الأمام» بحسب تعبير لإحدى وكالات التصنيف، التي تضيف: «لا يسع العالم التعويل كثيرا على النمو في ظل ديون ضخمة، فالعبء ثقيل حتى لو لم يكن خطراً الآن، لأن الدول تستفيد من فوائض سيولة في النظام المالي العالمي، لكن العالم يتغير؛ فالبنوك المركزية الكبيرة تنهي مرحلة الفوائد الصفرية وتوقف شراء الأصول والسندات، وتلك البنوك تعرف قبل غيرها - وأكثر من غيرها - أن فتائل الأزمات تشعلها الديون دائما وأبدا».



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).