القبضة الأمنية تحجِّم مشروع «داعش» في سيناء

«الشرق الأوسط» رصدت رحلة صعود التنظيمات الإرهابية... وُلدت عام 2003 وبلغت ذروة قوتها في 2015

قوات الجيش المصري تحكم قبضتها على جميع مداخل شبه جزيرة سيناء ({الشرق الأوسط})
قوات الجيش المصري تحكم قبضتها على جميع مداخل شبه جزيرة سيناء ({الشرق الأوسط})
TT

القبضة الأمنية تحجِّم مشروع «داعش» في سيناء

قوات الجيش المصري تحكم قبضتها على جميع مداخل شبه جزيرة سيناء ({الشرق الأوسط})
قوات الجيش المصري تحكم قبضتها على جميع مداخل شبه جزيرة سيناء ({الشرق الأوسط})

رغم تضييق أجهزة الأمن المصرية الخناق على العناصر «الإرهابية»، وقتل العشرات منها أسبوعياً، في محافظة شمال سيناء (300 كيلومتر شمال شرقي القاهرة)، وفقاً لما تذكره البيانات الصحافية للمتحدث العسكري، فإن تلك العناصر تستطيع التحرك والتخفي داخل مدينة العريش (عاصمة الإقليم) وخارجها، لتنفيذ عمليات مسلحة خاطفة، ما يؤدي إلى مقتل أفراد من قوات الجيش والشرطة والمدنيين. كما لم يمنع حظر التجوال المفروض بالمحافظة الساحلية وقوع العمليات الإرهابية المتكررة شكلاً ومضموناً. ورصدت «الشرق الأوسط» جهود السلطات المصرية في مكافحة الإرهاب في شمال سيناء، بجانب تسليط الضوء على مراحل تطور التنظيمات الإرهابية، وطرق تخفيها، وتحركاتها بين القرى والمدن، بجانب تقييم تجربة حرب القبائل السيناوية على تلك التنظيمات المتطرفة، والتي بدأت قبل عامين.
كان شبه جزيرة سيناء، خالٍ تماماً من التنظيمات المتشددة قبل عام 2003، بينما بلغت تلك التنظيمات ذروة قوتها بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من منصبه في 3 يوليو (تموز) عام 2013، حيث شهدت محافظة شمال سيناء مئات العمليات الدامية بعد هذا التاريخ، وتحولت المنطقة إلى بؤرة ساخنة مليئة بالأحداث.
وأخيراً قتلت العناصر الإرهابية 9 سائقين، بعد إحراق شاحناتهم، بسبب نقلهم مواد إسمنتية من مصنع الإسمنت التابع للقوات المسلحة، وهذا تطور خطير يعكس تمادي تلك التنظيمات في استهداف النشاط الاقتصادي والعمال والمدنيين بشمال سيناء.
وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة وقوع أكثر من 1165 عملية إرهابية، وفق دراسة حديثة قام بإعدادها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وأفادت الدراسة بأن عام 2015، شهد ذروة هذه العمليات، ووقع به أكبر نسبة من عدد العمليات المسلحة، خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى منه، فقد وقع في شهر يناير (كانون الثاني) 124 عملية إرهابية، ثم حدث انخفاض طفيف لتصل إلى 105 في شهر فبراير (شباط)، ثم بلغت ذروتها في مارس (آذار) بواقع 125 عملية، بينما انخفض عدد العمليات بشكل تدريجي، واستمر منحنى عدد عمليات العنف في التراجع خلال النصف الأول من عام 2016، ثم ارتفع معدل العمليات خلال الربع الأخير من العام نفسه، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية 104 عمليات.
ويسود محافظة شمال سيناء حالياً، هدوء نسبي وانخفاض ملحوظ في عدد العمليات الإرهابية مقارنةً بالسنوات الماضية، لكن الأجهزة الأمنية، وسكان الإقليم يستيقظون كل فترة على هجمات خاطفة ودامية، يسقط فيها عدد كبير من الجنود والضباط والمدنيين، كان أبرزها عملية السطو المسلح على فرع البنك الأهلي بوسط مدينة العريش، وقتل بعض أفراد الشرطة، وسرقة عدة ملايين من الجنيهات.
ثمة انتقادات وجّهها بعض خبراء الأمن المصريين، إلى الاستراتيجية الأمنية لمكافحة الإرهاب في سيناء، خصوصاً بعد تنفيذ عشرات العمليات بنفس الطريقة والتكتيك، دون الاستفادة من دروس العمليات السابقة والمتكررة. ورغم تعرض بعض الأكمنة الأمنية الثابتة لعشرات الهجمات مثل «حي المساعيد» و«كرم القواديس»، و«الريسة»، فإن استراتيجية التأمين لم تتغير حتى الآن، فضلاً عن استهداف الأكمنة المتحركة بنفس الطريقة، من خلال تفجير المعدات العسكرية الثقيلة بالعبوات الناسفة عن بُعد.
ومع أن معظم هذه الهجمات تعتمد على تنفيذ عمليات انتحارية بالسيارات المفخخة، بجانب زرع عبوات ناسفة وتفجيرها عن بُعد، فإن الإرهابيين يستهدفون عناصر الأمن المصرية في الأكمنة بالأسلحة الثقيلة، مثل «آر. بي. جي»، والقذائف الصاروخية، وحسب الخبراء الأمنيين والسياسيين، فإن تطوير آليات وتكتيكات المواجهة أصبح الخيار الوحيد الذي فرضه الواقع بجميع معطياته، للخروج من هذا المستنقع الذي كبّد شمال سيناء الكثير من الخسائر البشرية والمالية وحوّلها إلى محافظة طاردة للسكان يصعب العيش فيها.
قال العميد إيهاب يوسف، الخبير الأمني ورئيس جمعية صداقة الشرطة والشعب، لـ«الشرق الأوسط»: «في ضوء المعلومات المتاحة من الجهات الحكومية والبيانات الرسمية الصادرة عنها، نستطيع القول: إن أجهزة الأمن حققت نجاحات أمنية عدة، لكنها أقل من المتوقع والمستهدف خلال السنوات الأربع الأخيرة».
وأضاف يوسف قائلاً: «رغم مواجهة العناصر الإرهابية في شمال سيناء بمعدات عسكرية ثقيلة مثل الطائرات والدبابات والعربات المصفحة، فإن الرغبة أو القدرة على سد بعض الثغرات ليست كما يجب». واعتبر يوسف أن «تنفيذ عمليات إرهابية في جنوب سيناء عام 2006، في أثناء وجود (الدولة القوية)، مؤشر دقيق على وجود تنظيمات متشددة في المنطقة خلال السنوات العشرين الماضية، بعدما عادت للظهور بشكل قوى بعد جمعة الغضب عام 2011، لعدم نجاح الأجهزة الأمنية في القضاء عليها تماماً».
وأرجع الخبير الأمني تواصل العمليات الإرهابية في شمال سيناء حتى الآن، وقدرة العناصر المتشددة على التحرك وسط شوارع مدينة العريش بسهولة إلى «إلى فترة اختراق الحدود المصرية، شرقاً مع قطاع غزة، وغرباً مع ليبيا، حيث كانت تدفق الأسلحة من ليبيا عبر بحر الرمال العظيم، في الوقت الذي كانت تتسلل فيه بعض العناصر من قطاع غزة، واجتمعوا في شمال سيناء، مطمع تنظيم داعش الرئيسي في مصر».
وتابع يوسف: «وقائع وتفاصيل عملية البنك الأهلي، وسط مدينة العريش، تثبت أن العناصر الإرهابية في شمال سيناء على مستوى عالٍ من التدريب... خططوا ونفّذوا جيداً، لذلك يجب على الأجهزة الأمنية إعادة النظر في الخطة الموضوعة حالياً، ومراجعتها من أجل التصدي لتلك العناصر، وتنفيذ ضربات استباقية موجعة لهم».
وتسببت العمليات الإرهابية في تهجير عدد كبير من سكان منطقتي رفح المصرية والشيخ زويد، إلى مدينة العريش، بعد استهداف عدد كبير من المدنيين عمداً، وذبحهم في بيوتهم بادعاء التعاون مع القوات الأمنية، بجانب سقوط المدنيين خلال الاشتباكات، واختار السكان المهجّرون مدينة العريش، للإقامة بها بحثاً عن الأمان، وهو ما تحقق لعدة أشهر. لكن بانتقال الإرهابيين إلى العريش، والتمركز فيها أصبحت حياة المهجّرين مهددة مرة أخرى، حيث شهدت مناطق كثيرة بالمدينة وقوع عمليات كبيرة سقط على أثرها عدد كبير من شهداء الجيش والشرطة بجانب مدنيين، حيث تتعرض العمارات السكنية المجاورة للأكمنة الأمنية الثابتة والمتحركة لأضرار بالغة، جراء إطلاق الرصاص والقذائف من قبل العناصر المتشددة.
إبراهيم أحمد، 50 سنة، من مدينة الشيخ زويد، انتقل للعيش في حي المساعيد بمدينة العريش، بعد تردي الأوضاع الأمنية بمسقط رأسه، قبل 3 سنوات، حيث كانت تتمتع العريش بهدوء نسبي. يعلق إبراهيم على الحوادث الإرهابية داخل مدينة العريش قائلاً: «حادث اقتحام وسرقة فرع البنك الأهلي بالعريش استغرق 40 دقيقة فقط، قتلوا خلاله عدداً من أفراد الشرطة والمدنيين، وسرقوا خزينة البنك، وقدِم هؤلاء الإرهابيين إلى البنك في سيارات مدنية متنوعة، وزرعوا ألغاماً حول البنك، لمنع وصول دعم من قوات الشرطة».
وأضاف إبراهيم قائلاً: «عدد الإرهابيين كان يقترب من 30 إرهابياً، وبعد انتهاء سرقة البنك، سطوا على سيارات مواطنين عاديين، وركبوا فيها للتخفي في شوارع المدينة، وتركوها في شوارع مختلفة، ولاذوا بالفرار». وأكد إبراهيم أنهم يجيدون التخفي وسط المدنيين قبل وبعد تنفيذ العمليات، ويظهرون في الشوارع على أنهم أشخاص طبيعيون جداً، تصعب معرفتهم».
في نفس السياق لم يكتفِ تنظيم «بيت المقدس» بمواجهة قوات الجيش والشرطة، بطرق مفاجئة، وغير مباشرة، بل قام أيضاً باستهداف عشرات الأسر من الأقباط العزل بشمال سيناء. كما قام بتفجير عدد كبير من الكنائس بالقاهرة وطنطا والإسكندرية، وأجبر عشرات الأسر المسيحية على الهجرة من شمال سيناء، إلى مدينتي الإسماعيلية والقاهرة، عقب سلسلة من الاعتداءات، وعمليات القتل، والحرق، التي وُصفت بـ«البشعة والإجرامية»، أدت إلى مقتل أكثر من 10 مسيحيين، بينهم اثنان قُتلا حرقاً، والبعض الآخر قُتل ذبحاً بنفس طريقة «داعش» ليبيا وسوريا والعراق. ويعيش في شمال سيناء نحو 400 أسرة مسيحية، وفق تقديرات الكنيسة القبطية.
من جهته، قال الخبير الأمني خالد عكاشة: «إن سبب اختيار عناصر( داعش) شمال سيناء للتمركز به يرجع لبدايات عام 2003، بعد غزو العراق مباشرة، حيث تمددت التنظيمات الإرهابية في سيناء تماشياً مع تمددها في المنطقة، وقامت هذه التنظيمات بتفجيرات دهب وشرم الشيخ عام 2005، ولكن بعد ثورة يناير 2011 توسعت تلك التنظيمات، وساعدها في ذلك الدعم التقني واللوجيستي والفكري للتنظيمات السلفية المتاخمة لها في قطاع غزة، وانتشار تنظيمات أخرى رأت في شمال سيناء متسعاً وبيئة خصبة لها للتمدد مثل (جيش الإسلام، وجند الإسلام، ومجموعة ممتاز دغمش، ومجلس شورى المجاهدين)، وانتشرت فروع لتلك التنظيمات على أرض سيناء بعد وصول الإخوان للحكم، ولكن عقب عزل مرسي والإطاحة بالإخوان توحدت تلك التنظيمات تحت راية تنظيم أنصار بيت المقدس والذي بايع في النهاية (داعش) للحصول على الدعم المالي والعسكري للتنظيم».
وأضاف عكاشة في تصريحات صحافية قائلاً: «إن الطبيعة الديموغرافية لشمال سيناء سهّلت وجود وتمركز التنظيم بالمحافظة فهي مليئة بالسهول والوديان والدروب التي يسهل الاختفاء بها، كما أن أبناء سيناء المنضمين إلى التنظيم أكثر الناس إلماماً بها وبتفاصيلها وبطبيعتها، ويوفر هؤلاء حاضنة سكانية وملاذات آمنة وأغذية للعناصر الإرهابية».
وحسب خبراء الأمن والسياسيين فإن مواجهة الإرهاب تحتاج إلى مواجهة شاملة، وليست أمنية فقط، بجانب الاستعانة بوسائل حديثة، وليس بمعدات ثقيلة يسهل استهدافها، بجانب الحصول على معلومات استخباراتية مهمة، لضرب تلك التنظيمات بشكل استباقي.
أما من الداخل فقد شهدت التنظيمات الإرهابية عدداً من مراحل التطور والتغيير من حيث الاختلاف، والتماسك والتوحد والقوة والضعف، خلال السنوات الست الماضية، وفقاً لما قاله أحمد كامل البحيري، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي أضاف لـ«الشرق الأوسط»: «اتسمت الفترة الواقعة بين عامي 2011 و2013، بتنوع وتعدد التنظيمات في شمال سيناء، مثل (كتائب الفرقان، وأكناف بيت المقدس، وأنصار بيت المقدس، وجماعة التوحيد والجهاد، ومعتنقي فكر السلفية الجهادية)، وقامت تلك التنظيمات بتنفيذ عمليات مثل تفجير خط الغاز، ومذبحة رفح الأولى عام 2012، التي تبعها الهجوم على بوابة حدودية إسرائيلية. ووُصفت تلك الفترة بالفوضى الأمنية، بعد انهيار جهاز أمن الدولة المصري، والاعتماد في تأمين الجبهة الداخلية والخارجية على القوات المسلحة».
وأوضح البحيري أنه «في بداية عام 2012 تم الإعلان عن تشكيل تنظيمات (مجلس شورى المجاهدين)، و(التوحيد والجهاد)، و(أنصار بيت المقدس)، وتوحدت كل هذه التنظيمات في نهاية العام في تنظيم واحد قوي، هو تنظيم (أنصار بيت المقدس)، بعدما كانت 7 تنظيمات إرهابية على الأقل. واستطاع (بيت المقدس) استقطاب عدد من أهل سيناء، وقام بتنفيذ مذبحة رفح الثانية، التي سقط فيها 25 جندياً، بعدما وردت إليهم معلومات من بعض معاونيهم بمدينة العريش عن توجه الجنود إلى معسكرهم في رفح، وقيّدوهم، وأطلقوا عليهم الرصاص في الرأس على الطريق الدولي الساحلي».
ولفت إلى «أن نفس التنظيم قام بعمل مواءمة واتفاق مع جماعة الإخوان المسلمين، في أثناء توليها الحكم للإفراج عن جنود كانوا مخطوفين، ولم ينفّذ عمليات كبيرة خلال تلك الفترة، ووُصفت هذه المرحلة من مراحل تطور التنظيمات الإرهابية بمرحلة الهدوء».
المرحلة الثالثة للجماعات الإرهابية، اتسمت بالظهور القوي، وبدأت في أعقاب 30 يونيو (حزيران) 2013، بعد عزل محمد مرسي من منصبه، فقد أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس، عن مواجهة قوات الجيش والشرطة في سيناء وخارجها، واستطاع بالفعل تنفيذ تفجير مديريات أمن شمال سيناء، والقاهرة، والدقهلية، وحاول اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، واستهدف عدداً كبيراً من مقرات الشرطة. ووُصفت هذه المرحلة بمرحلة (القوة والنفوذ)، أو بـ«ربيع الإرهابيين في مصر»، وفقاً لما قاله البحيري.
وتابع الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حديثه عن تطور تلك التنظيمات في شمال سيناء قائلاً: «المرحلة الأخيرة من مراحل تطور التنظيمات الإرهابية في سيناء بدأت منذ أوائل عام 2014 واستمرت حتى الفترة الحالية، بعدما أعلن (بيت المقدس)، عن بيعة تنظيم داعش والولاء له. وعقب البيعة اتخذ تنظيم بيت المقدس أنماطاً وخصائص متنوعة في مواجهة قوات الأمن في شمال سيناء، حتى شهد انقساماً داخلياً ترتب عليه انسحاب هشام عشماوي (ضابط مصري سابق متهم بالإرهاب) لاختلافه مع قيادات التنظيم على بيعة (داعش)، وانتقل تماماً من سيناء إلى الصحراء الغربية وليبيا».
أما مرحلة «دعشنة» التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء، فيقول عنها البحيري: «بعد انسحاب عشماوي من تنظيم بيت المقدس، اعتمد التنظيم على عناصر سيناوية وأجنبية في تنفيذ عملياته، وشكّلت نسبة الأجانب به نحو 20 في المائة فقط، كان أغلبهم من الفلسطينيين من قطاع غزة». مشيراً إلى أن «التنظيم كان يعتنق قبل عام 2014 فكر مواجهة العدو البعيد (إسرائيل)، لكن (داعش) يعتمد استراتيجية مواجهة العدو القريب (الجيش، والشرطة، والصوفيين، والأقباط). وقام بتنفيذ عمليات ذبح بشعة لمدنيين أقباط، ومسلمين بتهمة التعاون مع قوات الأمن، بعد تنفيذ محاكمات ميدانية لهم، مثل التي كانت تجري في سوريا والعراق».
ورأى مراقبون أن يوم 11 أغسطس (آب) 2013، كان فرصة تاريخية للتخلص من مئات الإرهابيين من تنظيم «بيت المقدس» دفعة واحدة، في أثناء تشييع جنازة 4 منهم، لقوا مصرعهم إثر قصف جوي، حيث كانوا يتحركون في الشوارع والطرقات بشكل استعراضي رافعين أعلام التنظيم السوداء.
بينما أكد خبراء أمن وجماعات إسلامية، أن ذروة قوة تنظيم «ولاية سيناء» التابع لـ«داعش» كانت في عام 2015، عندما حاول التنظيم السيطرة على منطقتي رفح والشيخ زويد، بنفس الطريقة التي كان يسيطر بها على مناطق الموصل، والرقة، في العراق وسوريا، من خلال تنفيذ أكثر من 15 هجوماً متزامناً على أكمنة القوات المسلحة، لكن بسالة القوات المسلحة حالت دون ذلك، وتم سحقهم بالطائرات، وبذلك فشل مشروعهم السياسي في إقامة دولة لهم في سيناء، ما دفعهم إلى الانتقال إلى الخطة الثانية، وهي الخطة الأمنية (تنفيذ عمليات إرهابية متكررة)، لاستنزاف قوات الجيش والشرطة، وبث الفوضى والخوف.



البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
TT

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)

على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.

اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.

قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.

تحوّل «نتفليكس»

في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.

ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.

في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.

ثورة تجارة التجزئة

مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.

في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».

كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.

في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.

سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.

في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.

في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

نص بشري يكتبه روبوت

بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.

الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.

بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟