استنفار لمحاصرة تداعيات دخول لبنان في «منطقة الاضطراب»

عون يتشاور مع أركان الدولة... والسنيورة يؤكد عودة «قريبة» للحريري

استنفار لمحاصرة تداعيات دخول لبنان في «منطقة الاضطراب»
TT

استنفار لمحاصرة تداعيات دخول لبنان في «منطقة الاضطراب»

استنفار لمحاصرة تداعيات دخول لبنان في «منطقة الاضطراب»

تجنّدت الدولة اللبنانية بكل أركانها لمحاصرة تداعيات دخول لبنان في «منطقة الاضطراب» التي تركتها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، في مسعى للبحث عن حل «للحفاظ على الاستقرار»، وعن تسوية، رفعت أسهم تشكيل حكومة تكنوقراط تشرف على الانتخابات النيابية المقبلة، ما يعيد المشهد إلى المرحلة التي تلت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، في وقت قال فيه رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة إن الحريري عائد إلى لبنان، وهي «أولوية».
غير أن البحث في تسويات لا يزال مرهونا بسلوك استقالة الحريري القنوات الدستورية، التي تتمثل بقبول الرئيس للاستقالة، فيصدر مرسوم يكلف الحكومة بتصريف الأعمال، ويبدأ بدعوة الكتل البرلمانية إلى استشارات نيابية ملزمة تفضي إلى تسمية رئيس جديد للحكومة، وهو المطلب القانوني الذي أكد عليها رئيس البرلمان نبيه بري.
ورغم الحراك السياسي الذي سار على خطين، الأول في المشاورات مع أركان الدولة التي أطلقها الرئيس اللبناني ميشال عون، والثاني في «دار الفتوى» التي زارتها قيادات لبنانية والسفير الفرنسي في بيروت، بدا المشهد أمس أكثر تعقيداً في ظل تأكيد رئيس كتلة «المستقبل النيابية» الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة أن لا مرشح لرئاسة الحكومة غير الحريري، وعدم سلوك الحريري الآلية القانونية في استقالته، ما يعني أن الإجراءات والتسويات المحتملة، لا تزال قيد الانتظار.
من جهتها أعلنت كتلة «المستقبل» النيابية أنها تنتظر عودة الرئيس سعد الحريري، وقررت متابعة جلساتها المفتوحة، معربة عن أمنيتها بخروج لبنان من الأزمة التي يمر بها في هذه المرحلة، في غياب رئيس الحكومة.
وبعد اجتماع عقدته في «بيت الوسط» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وعرضت الأوضاع من مختلف جوانبها، أكدت الكتلة أنها تابعت استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس سعد الحريري أول من أمس، وكذلك اجتماع الرئيس الحريري أمس بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، متمنية خروج لبنان من الأزمة التي يمر بها في هذه المرحلة في غياب رئيس الحكومة.
ويفترض برئيس الحكومة إرسال كتاب الاستقالة إلى رئاسة الجمهورية التي تدونها في سجلاتها وتمنحها رقماً، وبناء على هذا الرقم يصدر رئيس الجمهورية مرسوم استقالة الحكومة، بحسب ما يؤكد الخبير الدستوري الدكتور أنطوان سعد لـ«الشرق الأوسط»، الذي أضاف: «لكن إذا طال الأمر قبل أن تصل الاستقالة مكتوبة، فإن رئيس الجمهورية يستطيع أن يستند إلى الخطاب المتلفز وإصدار مرسوم الاستقالة بناء عليه، كون الاستقالة هي حق دستوري لرئيس الحكومة».
ولا تنفي مصادر لبنانية مواكبة لمروحة المشاورات، أن لبنان «دخل منطقة الاضطراب» بعد عاصفة الاستقالة، وهو ما دفع كل أركان الدولة والقوى السياسية للاستنفار «لمحاصرة التداعيات وتثبيت الاستقرار والحفاظ على لبنان» في هذه المرحلة الدقيقة، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الحراك ينطلق من تحسّس خطورة الوضع المستجد، وضرورة البحث في سبل حماية لبنان.
وباشر الرئيس اللبناني ميشال عون لقاءات مع القيادات السياسية في قصر بعبدا، فالتقى الرئيس فؤاد السنيورة الذي أكد أن الحريري عائد إلى لبنان، مشددا على أن موقف الكتلة «دائماً هو إلى جانب الحريري وأنها ترشحه دائماً إلى رئاسة الحكومة». واعتبر السنيورة أن «مسألة عودة الحريري هي أولوية»، مشدداً على ضرورة التبصّر لدرء المخاطر التي يعيشها لبنان، وقال: «يجب احترام الطائف والدستور واستعادة الاحترام للشرعية العربية والقرارات الدولية». وكشف السنيورة أنه على تواصل مع الحريري، وأن آخر اتصال له معه كان مساء أول من أمس الاثنين.
كما التقى عون النائبة بهية الحريري، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والنائب سامي الجميل.
وضمن لقاءاته التشاورية، استقبل عون النائب غازي العريضي وتيمور جنبلاط نجل النائب وليد جنبلاط عن الحزب التقدمي الاشتراكي. وقال جنبلاط: «يبقى الحوار أساسا لتجاوز أي تحدٍ، ونحن هنا في زيارة للرئيس من أجل التأكيد على التزامنا بالتوصل إلى تسوية تحت سقف المؤسسات الدستورية».
من جهته، شدد الرئيس أمين الجميل على ضرورة التعاون من أجل الوصول إلى مخرج، وبخاصة بعد إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته. واعتبر الجميل بعد لقائه الرئيس ميشال عون أنه «كان أحد الفرقاء قد انتصر إقليمياً فهو لا يجب أن يكون على حساب لبنان»...
بدوره، أكد الرئيس السابق ميشال سليمان أنه متأكد من أن الأزمة التي يعيشها البلد بعد استقالة الرئيس سعد الحريري ستمر على خير. ورأى أنه إذا أصر الحريري على استقالته فإن الحكومة الحيادية أو تكنوقراط هي أفضل حل لتنظيم الانتخابات وإعادة التأكيد على إعلان بعبدا ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية.
من جهة ثانية، التقى رئيس البرلمان نبيه بري في مقر إقامته في عين التينة عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور موفداً من رئيس اللقاء النائب وليد جنبلاط، للبحث في آخر المستجدات السياسية في البلاد.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.