استقالة الحريري تضع الانتخابات النيابية في مهب الريح

تعليق العمل بموازنة 2018 وملفي النزوح السوري واستخراج النفط

TT

استقالة الحريري تضع الانتخابات النيابية في مهب الريح

أطفأت الاستقالة التي أعلنها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري نهاية الأسبوع الماضي كل المحركات التي كانت ناشطة على أكثر من مستوى بمحاولة لتفعيل عمل المؤسسات بعد أعوام من المراوحة نتيجة الفراغ الرئاسي وما رافقه من تعقيدات دستورية شتى كبّلت عمل الحكومة السابقة. وتعود حاليا هذه التعقيدات لتواكب المرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد والتي كان من المفترض أن يكون عنوانها الأساسي التحضير للانتخابات النيابية المرتقبة في شهر مايو (أيار) المقبل.
وتُجمع القوى السياسية الرئيسية على أن مصير هذه الانتخابات بات مجهولا تماما بعدما انتقلنا من خلاف على الآلية التطبيقية إلى أزمة سياسية تبدو مفتوحة تهدد كل الاستحقاقات المقبلة وكل الملفات العادية والطارئة على حد سواء.
ولعل أبرز الملفات التي ستتأثر بالأزمة المستجدة، ملف استخراج النفط والغاز والذي كان من المفترض أن يسلك أولى خطواته التنفيذية خلال أيام أو أسابيع كحد أقصى، بعد الاتفاق على أول عقد لتلزيم الغاز في البحر. وقد عبّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري كما وزير الخارجية جبران باسيل صراحة عن خيبتهما في الوصول إلى حائط مسدود في هذا الملف بعد سنوات من الانتظار.
ويعتبر النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» وليد خوري أن البلاد دخلت عمليا بعد الاستقالة في «نفق مظلم»، لافتاً إلى أن «هناك مشاريع أساسية ومهمة تم تعليق العمل بها ليضيّع لبنان مجدداً فرصاً كبيرة بعدما تأملنا أن تكون الوحدة الوطنية والعهد الجديد عنصرين أساسيين للتغيير المنشود والذي لمسناه في الإنجازات التي تحققت العام الماضي». ويصف خوري ما يحصل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«المؤلم والمؤسف»، قائلاً: «لا تفسير لدينا للاستقالة التي تعيدنا إلى مرحلة الانقسام الذي نرفضه».
ويشير خوري إلى إمكانية حصول انتخابات نيابية في كنف حكومة تصريف أعمال، «وإن كنا حتى الساعة لا نستشرف نية صافية بتحييد الانتخابات عن الأزمة المستجدة»، مضيفاً: «لكن ملف النفط لا يمكن أن يتقدم بغياب حكومة فاعلة، تماما كما ملف النازحين السوريين الذي لا يزال بالنسبة إلينا الخطر الأكبر المحدق بنا». ويعتبر خوري أن هذا الملف يريده البعض «سيفا مسلطا على رقاب اللبنانيين».
وعلى الرغم من دقة المرحلة والتعقيدات الشتى التي تلوح بالأفق، يرفض وزير الداخلية السابق زياد بارود الحسم بـ«تطيير الانتخابات»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنّه لا يزال من المبكر الحديث عن دخول الاستحقاق النيابي، المؤجل لثلاث مرات على التوالي منذ عام 2009، في دائرة الخطر. ويشير بارود إلى سببين رئيسيين يجعلانه نوعاً ما مطمئناً، «الأول هو أن الدستور واضح لجهة إمكانية أن تنظم حكومة تصريف الأعمال الانتخابات النيابية، والثاني هو أن المهل لا تزال غير داهمة، وبالتالي إذا تشكلت حكومة جديدة قبل نهاية العام ونالت الثقة سيكون هناك الوقت الكافي للاستعداد للانتخابات».
ويعتبر بارود أن قرار إجراء الانتخابات هو بالنهاية قرار سياسي، «فإذا تمسكت القوى السياسية بقرارها المعلن لجهة عدم تأجيل الانتخابات للمرة الرابعة على التوالي، فهي قادرة على إنجاز هذه الانتخابات بتقديم الدعم اللازم لوزارة الداخلية للقيام بمهامها». ويضيف: «لكن كل شيء يبقى في النهاية مرتبطاً بشكل الأزمة السياسية وحدتها، فهل يستطيع أي وزير داخلية خوض تحدي التحضير لانتخابات على وقع تشنج وانقسام سياسي حاد؟»
وإلى جانب ملف الانتخابات النيابية واستخراج النفط والغاز، كما ملف النازحين السوريين، فإن استقالة الحكومة تعلق تلقائياً العمل على إقرار موازنة عام 2018 والتي كان مجلس الوزراء يتحضر لمناقشتها بعد إقرار مجلس النواب قبل أسبوعين موازنة عام 2017 وتشديد القوى السياسية على وجوب التزام المهل بتقديم الموازنات. ويوضح بارود، في هذا الإطار، أن حكومة تصريف الأعمال «لن تكون قادرة لا شك على البت بهذا الملف، باعتبار أن عملها وانعقادها ينحصر بالشؤون الطارئة والاستثنائية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.