قصيدة الهايكو اليابانية التعبير الفني عن فلسفة الزن

TT

قصيدة الهايكو اليابانية التعبير الفني عن فلسفة الزن

شهد أسلوب قصيدة الهايكو الذي تطور في اليابان منذ أواخر القرن التاسع عشر انتشاراً عالمياً واسعاً، على الرغم من ارتباطه العميق ببوذية الزَّن التي نقِلت إلى اليابان من الصين خلال القرن الثاني عشر، على يد عدد من الرهبان والفنانين والحرفيين الصينيين. وهذا الأسلوب في كتابة الشعر التزم بالمبدأ الأساس للزن، والمتمثل بالارتباط باللحظة وإسقاط التفكير بالماضي أو المستقبل، لكن هذا الارتباط يختلف عن تقليد «التأمل» MEDITATION السائد اليوم، الذي يقوم على مبدأ منع العقل من التفكير لفترة زمنية قصيرة. فبالنسبة لبوذية الزَّن، أصبح الارتباط باللحظة الحاضرة يقابله ذوبان بعالم الطبيعة، بالرصد الكامل للحظة التي تتفاعل فيها الغيوم والطيور والمطر والنباتات وشلالات الماء والشمس والنجوم وغيرها، ونقلها بسبعة عشر مقطعاً صوتياً تتوزع على ثلاثة خطوط بنسبة 5. 7. 5. وكما يراها مؤسسو الهايكو الكبار فهي تكثيف في أقصى مداه، من دون وجود روابط بينها، وهذا ما يتيح للمتلقي أن يملأ تلك الفراغات بتوظيف مخيلته الخاصة. هذا الشكل الفني الجديد للقصيدة كان امتداداً لأساليب شعرية أخرى انتشرت في اليابان منذ انتقال بوذية الزن إلى اليابان.
فالعنصر الأساس لشاعر الهايكو هو التدرب على عيش اللحظة بالذوبان الكلي فيما حوله من عناصر الطبيعة، ثم يصبح النظم الشعري عملية شديدة التلقائية تشبه حالة الشعراء المتصوفة في نظمهم للشعر بعد الوصول إلى حالة من الثمالة الروحية في الانصهار بالحق.
وعلى الرغم من الاهتمام العالمي الواسع ببوذية الزّن، فإن فهم أسسها يتضح فيما أنتجته من فنون كأشعار الهايكو والرسم والبستنة والحكايات الرمزية، أكثر من الدراسات النظرية عنها. وإذا كان منشأ الزَّن هو الصين، حيث تفاعل منتجان ثقافيان كبيران أحدهما هندي والآخر صيني، الأول هو البوذية الذي انتقلت إلى الصين في القرن الثالث قبل الميلاد، والثاني هو الطاوية. ومن خلال تفاعلهما تحررت البوذية من رؤيتها السوداوية للعالم لتحل نقيضها في محلها. فإذا كانت البوذية تسعى إلى تحرير الإنسان من دائرة الكارما: الخلق المتكرر عبر التناسخ، وتكرار دورة الشيخوخة والمرض والموت وعدم القدرة على العيش مع من نحب، عن طريق التخلي عن إغراءات الحياة ومباهجها التي تراها البوذية مجرد وهم، والتركيز على السعي لتحقيق النرفانا التي تعني التحرر من ربقة تكرار الكارما والانطفاء في النار الكبرى: الإله. ومن هنا جاء التأمل واليوغا الهادفان إلى تحرير العقل من ربقة الانشغال الذهني المتواصل بالعالم الخارجي عبر التدرب على قطع سلسلة التفكير به، وعيش لحظة الحاضر خالية من الارتباط بالماضي أو بالمستقبل. لكن بوذية الزن حققت قفزة كبيرة حين دعت إلى أن يعيش المرء في كل لحظة كارما ونرفانا معا، فهو في كل لحظة يولد وفي كل لحظة ينطفئ، والطريق إلى تحقيقه يأتي عبر الذوبان في الطبيعة من خلال الفنون، سواء في الموسيقى أو الرسم أو الشعر وغيره. وجاء انتقال مذهب الزن إلى اليابان في القرن الثاني عشر من الصين، ليعطي دفعة كبيرة لتطوره في مجالات حياتية عدة، صاغت في الأخير طرائق التفكير والإبداع في اليابان. ومن أبرز تمثلاته قصيدة الهايكو والحديقة اليابانية والرسم وتقاليد إعداد الشاي وغيرها. إنه الاستغراق باللحظة لا بشكل سلبي بل بشكل إيجابي عبر التفاعل الكامل مع عناصر الطبيعة المحيطة بالمرء.
نماذج من أشعار الهايكو اليابانية مترجمة عن الإنجليزية:

شاعر مجهول:
الأوز البري لا يسعى إلى عكس صورته على الماء
والماء لا عقل له
كي يستلم صورته.
***
الشاعر باشو:
أنت تشعل النار،
وأنا سأريك شيئاً جميلاً:
كرة كبيرة من الثلج!
***
كم يبعث على الإعجاب
ذلك الذي لا يفكر بأن «الحياة سريعة الزوال»
حين يرى البرق!
***
الشاعر غوشيكو:
الليلة الطويلة؛
صوت الماء
يقول ما أفكر به.
***
النجوم على البركة:
مرة أخرى مطر الشتاء
يقلقل الماء.
***
على غصن شجرة متداعٍ
حط غراب،
مساءَ يوم خريفي.
***
مع نسيم المساء
يقفز الماء على
ساقَي مالك الحزين.
***
الشاعر موريتايك:
زهرة متساقطة
عائدة إلى الغصن
فراشة.
***
الشاعر رايكونن:
اللِّص
ترك وراءه -
القمر عند النافذة.
***
صوت جَلْيِ
القِدْر يمتزج
بأصوات ضفادع الأشجار.
***
الريح تجلب
قدراً كافياً من الورق
لإشعال نار.

الشاعر أيسا عن موت طفله:
عالم قطرة الندى هذا
قد يكون مجرد قطرة ندى
مع ذلك - مع ذلك -
***
البحر يعتم؛
أصوات البط البري
بيضاء واهية
***
في الضباب السميك،
ما الذي يصرخ
ما بين الهضبة والقارب؟
القبّرة:
سقط صوتها وحيداً،
تاركة لا شيءَ وراءها.
***
سَلَمون مرقّط يقفز:
غيوم تتحرك
على قاع الجدول.

قصائد تصف العزلة
(سابي):
عزلة الشتاء
في حوض ماء المطر
تمشي طيور السنونو
***
نُدَف الثلج تتساقط؛
دون توقف،
عزلة لا محدودة.



مجدي يعقوب والذكاء الاصطناعي في متحف الكاريكاتير المصري

الذكاء الاصطناعي في معرض بمتحف الكاريكاتير (إدارة المتحف)
الذكاء الاصطناعي في معرض بمتحف الكاريكاتير (إدارة المتحف)
TT

مجدي يعقوب والذكاء الاصطناعي في متحف الكاريكاتير المصري

الذكاء الاصطناعي في معرض بمتحف الكاريكاتير (إدارة المتحف)
الذكاء الاصطناعي في معرض بمتحف الكاريكاتير (إدارة المتحف)

اختتم متحف الكاريكاتير بقرية تونس في الفيوم (100 كيلو جنوب القاهرة) المسابقة السنوية الدولية الرابعة للكاريكاتير، تحت عنوان: «كاريكاتونس»، الجمعة، بحضور نخبة من فناني الكاريكاتير وعدد من سفراء الدول المشاركة.

وتضمنت المسابقة ما يقرب من 655 عملاً فنيّاً لنحو 283 فناناً من 56 دولة عربية وأجنبية، واختُيرت الأعمال الفائزة من قِبَل لجنة تحكيم، ضمّت الفنانة الإماراتية آﻣﻨﺔ اﻟﺤﻤﺎدي، والفنان الصيني ﻓﺎن ﻟﯿﻨﺘﺎو، والفنانة البولندية إﯾﺰاﺑﯿﻼ ﻛﻮاﻟﺴﻜﺎ-ﻓﯿﺘﺸﻮرك، والفنان البلجيكي لوك ديسكماخر، بجانب الفنان التشكيلي محمد عبلة، مؤسس متحف الكاريكاتير ومركز الفيوم للفنون.

متحف الكاريكاتير بالفيوم (إدارة المتحف)

وأوضح مدير مركز الفيوم للفنون، الفنان إبراهيم محمد عبلة، أن «مسابقة (كاريكاتونس) تقام سنوياً بعد اختيار موضوع معين ليرسمه الفنانون، وقد اخترنا هذا العام موضوع الذكاء الاصطناعي وفن البورتريه».

ولفت إلى أن «اختيار اسم المسابقة (كاريكاتونس) استوحي من وجود مركز الفيوم للفنون في قرية تونس التي تتميز بالطابع السياحي والمقومات البيئية والجمالية المختلفة، وقد تزامنت إقامة مسابقة هذا العام مع مهرجان الفيوم الدولي الأول لأفلام البيئة والمناخ، وقد شاركنا بعرض بعض الأفلام من برنامج المهرجان يومي 27 و28 نوفمبر (تشرين الثاني) بالمركز».

المعرض تضمن بورتريهات لجراح القلب المصري مجدي يعقوب (إدارة المتحف)

وقال عبلة لـ«الشرق الأوسط»: «إن مسابقة هذا العام تضم أكثر من 270 فناناً، يمثلون أكثر من 50 دولة، وفاز بجائزة لجنة التحكيم في فرع الكاريكاتير الفنان البلجيكي ﻟﻮك ﻓﯿﺮﻧﯿﻤﯿﻦ، وحصل الفنان السعودي أمين الحبّارة على جائزة اختيار الجمهور، وفى فرع البورتريه الساخر فاز بجائزة لجنة التحكيم عن بورتريه مجدي يعقوب، الفنان واﻟﺘﺮ ﺗﻮﺳﻜانو من ﺑﯿﺮو، أما جائزة اختيار الجمهور فذهبت للفنان الإيراني ﺟﻠﯿﻞ ﺻﺎﺑﺮي».

وأشار عبلة إلى تخصيص مسابقة هذا العام لأفضل كاريكاتير مصري، قام بتحكيمها الفنانون وليد قانوش وعمرو سليم وماهر دانيال. وفاز الفنان شريف عرفة، بجاﺋﺰة ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ ﻷﻓﻀﻞ ﻛﺎرﯾﻜﺎﺗﯿﺮ ﻣﺼﺮي، وحصلت مروة إبراهيم على ﺟﺎﺋﺰة ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ﻷﻓﻀﻞ بورتريه كاريكاتيري.

وأضاف أن «الختام هذا العام شهد حضور 9 سفراء، من بينهم السفير البلجيكي الذي ألقى كلمة عن العلاقات الثقافية المصرية البلجيكية، وتسلَّم الجائزة الأولى للمسابقة نيابة عن الفنان البلجيكي».

وأنشئ متحف الكاريكاتير عام 2009، ويضم أكثر من 500 عمل أصلي، بعضها يزيد عمرها على 100 سنة، تحكي تاريخ الكاريكاتير المصري، من خلال رموز هذا الفن وكبار فنانيه ورواده.

بورتريه الدكتور مجدي يعقوب في مسابقة الكاريكاتير (إدارة المتحف)

وتضمنت الاحتفالية تكريم الجمعية المصرية للكاريكاتير، والفنانين سمير عبد الغني، وفوزي مرسي الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه المسابقة حدث سنوي مهم، وقد سعدت بتكريمي، وقد جرى تأجيله العام الماضي بسبب أحداث غزة، واحتفى هذا العام بشخصية عظيمة؛ هي السير مجدي يعقوب».

وأضاف أن «متحف الكاريكاتير يُعدّ منارة ثقافية وفنية، وجاء هذا المعرض والمسابقة في توقيت يشهد خلاله فن الكاريكاتير بعض التهميش أو تقليص مساحاته في الصحف أو المواقع الإخبارية، فهذا المعرض والمسابقة يُبرزان هذا الفن إلى جانب فعاليات الجمعية المصرية للكاريكاتير، التي تتناول مختلف الموضوعات المرتبطة بالحياة اليومية».