لوي سي كي.. لقاء الكوميديا بالحكمة

ارتبط بالحياة اليومية البسيطة المباشرة للطبقة الأوسع من الناس

لوي سي كي
لوي سي كي
TT

لوي سي كي.. لقاء الكوميديا بالحكمة

لوي سي كي
لوي سي كي

من العلامات الفارقة في الساحة الفنية الأميركية أعمال «ستاند آب» كوميدي، ومن العلامات الفارقة داخل هذا اللون الفني أعمال الكوميديان لوي سي كي. أعمال «ستاند آب كوميدي» فارقة لعدة اعتبارات من أهمها أنها تتحرك في المنطقة الأكثر حساسية اجتماعيا وسياسيا. بمعنى أنه في الكوميديا الواقفة نعثر على ملامسة قريبة للخطوط الحمراء في المجتمع. في أميركا وتحت حماية حق التعبير المضمون في الدستور يبقى على الكوميديان إجراء حساباته الخاصة للمناطق الحساسة التي يريد ملامستها كوميديا. البعض يختار القضايا السياسية والدينية محورا أساسيا لنقوداته وملاحظاته كما نجد عند بل مار مثلا. البعض الآخر يرتكز على قضايا العرق والتمييز العرقي مثل كريس روك. قضايا المرأة والحراك النسوي لها، أيضا حضورها الكوميدي عند كثيرين منهم على سبيل المثال إيميلي هيلر. بالنسبة لشخصيتنا لهذا الأسبوع لوي سي كي فإن حياته الخاصة هي موضوعه الكوميدي.
لا تحتاج أن تقرأ عن حياة لوي لتعرف تفاصيلها. فقط تابع أعماله الكوميدية فهي موضوع تلك الأعمال الأساسي. ولد لوي في المكسيك لأب مكسيكي وأم أميركية. في السابعة سينتقل لأميركا لينفصل بعد ذلك والداه ويعيش هو مع أمه باقي طفولته. ولديه الآن ابنتان يتحدث عنهما باستمرار في كل أعماله. وهو متعدد الهويات، إذ يعمل مخرجا وممثلا وكاتبا ولكن يمكن القول إن أعماله الأساسية تتحرك في قالبين لمضمون واحد: المشاركات المباشرة على المسرح أمام الجمهور ومسلسله الشهير «لوي» الذي يعرض حاليا في جزئه الرابع. في هذا السياق، أي في المشهد الكوميدي لحياته الخاصة شدت انتباهي عدة قضايا يمكن التعبير عنها بلقاء الحكمة بالكوميديا. الكوميديان بالضرورة ذكي باعتباره يعمل على التقاط المشاهد والأحداث التي تثير شعور الإنسان بالمفارقة والسخرية وأحيانا العبث. لكن ما يجعل الكوميديان حكيما أيضا، هو أن يقدم كوميدياه في مشهد أوسع أو سياق أكبر له معنى وقيمة. الحكمة هنا هي الرباط الدقيق الذي ينسج فيه الكوميديان أعماله الكوميدية ليقدم مشهدا أكبر أو معنى أشمل خلف كل هذا. حكمة لوي تبدو لي في سياقين جوهريين: تفكره في حياته الخاصة وارتباطه الوثيق بالحياة اليومية البسيطة والمباشرة للطبقة الأوسع من الناس.
كما ذكرت في المقدمة، فإن حياة لوي هي الموضوع الأساس في أعماله الكوميدية. حياته كأب أعزب لابنتين وكمطلق لا يزال يصارع الفترة الانتقالية بين العزوبية والزواج. كذلك حياته بصفته كوميديانا يصارع شروط السوق ومتطلباتها الخاصة التي يجب أن تتحرك داخلها لتحصل على فرصة الظهور والشهرة. التفاصيل الدقيقة الصغيرة هي لب تفكير لوي في كل هذه القضايا. الحكمة في طرح لوي أن التفاصيل التي يتعرض لها وتبدو كوميدية هي ذاتها التفاصيل التي تعبر عن تعاسة كثير منا. بمعنى أن المشهد ذاته هو من جهة كوميدي ومن جهة أخرى مأساوي. هذه الحالة نمر بها أحيانا حين نواجه ظروفا صعبة ومؤلمة، ولكننا في مرحلة ما وبعد تجربة مع تلك الظروف نصل إلى القدرة أن ننظر لتلك المشاهد بنظرة مختلفة ساخرة ومتجاوزة. ما يفعله لوي هو أنه يختصر ذلك المشهد في عبارات بسيطة. أي أن تجربته مع طفلاته ومع طلاقه تُعرض لنا في مرحلة المعاناة والألم إلى مرحلة السخرية بسرعة هائلة. لذا تبدو التجربة موضوع الكوميديا واسعة وغنية ومسلية في ذات الوقت.
عموما لا يبدو أنه من السهل أن يرى الإنسان حياته الخاصة من منظور كوميدي. أشعر أن هذه الرؤية تحتاج لكثير من الأمان والثقة. الموقف الأول والبديهي برأيي هو أن الحياة جد وبالذات حياة الفرد الخاصة. الانتقال من هذا المشهد إلى مشهد آخر كوميدي عن الأحداث ذاتها يعني تغييرا هائلا في موقف الإنسان من المشهد. في المشهد الجاد أنت جزء من العملية وفاعل أساسي فيها. في المقابل، في المشهد الكوميدي أنت متفرج على المشهد ومتابع له من نقطة مغايرة، لدرجة أن يكون المؤلم مسليا ويدعو للضحك. في لوي دفعة قوية باتجاه أن نرى الأمور بمنظار مختلف. ربما ما يتعسنا قد يضحكنا لو نظرنا له بعين مغايرة.
المشهد الثاني، الذي يشير للقاء الحكمة بالكوميديا في أعمال لوي هو تواصله المستمر مع الجماهير في المسارح الشعبية في الأحياء الفقيرة. في لقائه الأخير مع إذاعة «إن بي آر» فوجئت المذيعة حين ذكر لها لوي أنه ورغم شهرته الهائلة لا يزال يؤدي وصلات كوميدية في مسارح شعبية في أحياء مختلفة من نيويورك قد لا يوجد فيها إلا عشرات المتابعين.
هذا التواصل المباشر مع الجمهور يجري أيضا من خلال الإنترنت، حيث يضع لوي بشكل قانوني عدد كبير من أعماله الكوميدية على الـ«يوتيوب» ليشاهدها الجمهور بالمجان. كذلك على موقعه الشخصي يضع لوي عددا من أعماله السينمائية بأسعار رمزية ربما خوفا من تأثير شركات الإنتاج على محتوى أعماله. هذا المستوى من التواصل يتوافق مع مضمون أعمال لوي، فهي في النهاية متصلة بشكل مباشر ونقدي بحياة غالبية الناس من الطبقات الوسطى والأدنى من الوسطى. في لقائه على الـ«إن بي آر» كشف لوي عن تجربة غير جيدة له في نيويورك مع جمهور من الأثرياء. لقد انتقد ثراءهم الفاحش، ولكنه فقد التواصل معهم بعد ذلك مباشرة. ما يجري خلف كواليس في المسارح الشعبية بين الكوميديين وبينهم وبين المنظمين أيضا جزء من المشهد الكبير الذي يعرضه لوي. هذا الاهتمام من لوي فيه جانب إنساني رقيق يجعل من متابعته ممتعة ومحفوفة بمعان أخلاقية تجعل لما يقدمه معنى إضافيا للمتعة والترفيه عالية المستوى.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».