ليبيا: تصاعد الغموض حول هوية منفذي الغارات على درنة

أميركا تلاحق مطلوبين آخرين في مصراتة

مهاجرون أنقذتهم البحرية الليبية خلال اقتيادهم أمس إلى قاعدة عسكرية في طرابلس (رويترز)
مهاجرون أنقذتهم البحرية الليبية خلال اقتيادهم أمس إلى قاعدة عسكرية في طرابلس (رويترز)
TT

ليبيا: تصاعد الغموض حول هوية منفذي الغارات على درنة

مهاجرون أنقذتهم البحرية الليبية خلال اقتيادهم أمس إلى قاعدة عسكرية في طرابلس (رويترز)
مهاجرون أنقذتهم البحرية الليبية خلال اقتيادهم أمس إلى قاعدة عسكرية في طرابلس (رويترز)

تصاعد، أمس، الغموض حول الجهة المسؤولة عن الغارات الجوية التي تعرضت لها مدينة درنة الليبية قبل يومين، وهو ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 15 مدنيا، بينهم 12 من النساء والأطفال وإصابة عدد آخر بجروح، وهي الغارات التي أدانتها كل من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وقدمت تعازيها إلى أسر الضحايا.
ونفت مصر والجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، أي علاقة بهذه الغارات، إذ قال الناطق باسم الجيش الليبي إن ما حدث كان نتيجة عمل إرهابي نفذه إرهابيون في المدينة، دون أن يكشف مزيدا من التفاصيل. بينما قال مصدر عسكري مصري إن مصر ليست مسؤولة عن الضربة الجوية، كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا نددت فيه بالضربات الجوية التي قالت إنها قتلت مدنيين أبرياء.
ودعت فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في بيان مشترك أصدرته أمس إلى «تمكين المساعدات الإنسانية من الدخول الفوري لمساعدة المصابين، ومنع المزيد من المعاناة في درنة»، التي تبعد بنحو 265 كيلومترا غرب الحدود المصرية، ويسيطر عليها تحالف من متشددين ومعارضين يعرف باسم «مجلس شورى مجاهدي درنة». كما ندد البيان بما وصفه بـ«القتل المروّع من دون محاكمة» لـ36 رجلا في مدينة الأبيار، الذين تم اكتشاف جثثهم خلال الأسبوع الماضي.
وطبقا للبيان، فإن الدول الأربع «تراقب عن كثب الصراع الدائر في ليبيا»، مشددا على أنه يجب التحقيق بشكل كامل مع الأشخاص المشتبه في ارتكابهم عمليات الإعدام دون محاكمة، أو التعذيب، أو إصدارهم أوامر لارتكاب تلك الأعمال، أو عدم منع وقوعها ومن جميع الأطراف.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، إننا «نقف إلى جانب عائلات الضحايا، ونُعرِب عن تضامننا مع سكان المدينة». وأضاف في بيان نشره الموقع الإلكتروني الرسمي للخارجية الإيطالية: «نرجو أن تتمكن المنظمات الإنسانية من الدخول إليها بسرعة، كي تتوفّر الإسعافات للجرحى، ويصبح بالإمكان إدخال المساعدات الضرورية للتخفيف من حدّة الألم الذي يعاني منه المواطنون».
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد أدانت «الهجمات الجوية التي شُنت على أحد أحياء درنة ليلة الاثنين الماضي». ودعت إلى «إيصال المساعدات الإنسانية بصورة فورية ودون أي عوائق، ورفع القيود المفروضة على التنقل، لا سيما بالنسبة للمحتاجين إلى العلاج الطبي»، وأكدت مجددا أن القانون الإنساني الدولي يحظر الهجمات المباشرة أو العشوائية ضد المدنيين، وقالت إنها تذكّر جميع الأطراف بالتزاماتهم بحماية المدنيين.
ويفرض الجيش الوطني، الذي يقوده المشير خليفة حفتر المتمركز في الشرق، حصارا على المدينة منذ فترة طويلة، ويستهدفها بضربات جوية بين الحين والآخر. وقال أحد السكان إن الضربات الجوية استمرت لنحو ساعة، واستهدفت حي الظهر الحمر في جنوب درنة ومنطقة الفتايح الجبلية، التي تبعد نحو 20 كيلومترا عن المدينة.
وحصل تنظيم داعش على موطئ قدم له في درنة نهاية عام 2014، لكن مجلس شورى مجاهدي درنة تمكن من طرده في العام التالي.
إلى ذلك حسم العميد محمد الغصري، المتحدث باسم وزارة الدفاع بحكومة فائز السراج، المدعومة من الأمم المتحدة في العاصمة الليبية طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، هوية مصطفى الإمام، الذي اعتقلته مؤخرا القوات الأميركية، لاتهامه بالتورط في هجوم أسفر عن مقتل السفير الأميركي في بنغازي عام 2012، وقال الغصري الذي يشغل أيضا منصب الناطق الرسمي باسم قوات عملية «البنيان المرصوص»، التي تشنها قوات موالية لحكومة السراج في سرت، في تصريحات خاصة، إن الإمام مواطن ليبي الجنسية، وليس سوريا كما زعمت مصادر أخرى، مضيفا أن «الإمام تم اعتقاله في ضواحي مصراتة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية داخل المدينة، وأنه كان في زيارة لمصراتة منذ فترة بسيطة، حيث اعتاد أن يدخل ويخرج من المدنية، التي تقع على بعد 190 كيلومترا شرق طرابلس للتخفي عن الأنظار... وترجع أصوله إلى مدينة الخمس، وقد ولد وتربى في مدينة بنغازي (شرق البلاد)».
وكشف مسؤول عسكري آخر رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود مطلوبين آخرين للعدالة الأميركية داخل مصراتة، لكنه رفض الإفصاح عن مزيد من التفاصيل. وقال إن «الإمام لم يكن ملاحقا بمفرده، وثمة آخرون تتم متابعتهم، ولا نريد الكشف عن أي معلومات حتى لا يتمكنوا من الهرب».
وقال مسؤولون عسكريون متمركزون في شرق البلاد، إن عمر الإمام يتراوح بين 35 و40 عاما، وإنه كان يقيم في منطقة الليثي ببنغازي التي شهدت اقتتالا عنيفا في معركة للسيطرة على بنغازي منذ عام 2014. كما كان يتردد على مسجد الأوزاعي الذي كان يرتاده أحمد أبو ختالة، الذي يشتبه في أنه زعيم الشبكة، وقد احتجزته القوات الأميركية عام 2014، ورفع الادعاء الأميركي دعوى قضائية عليه هذا الشهر.
ونشرت وكالة الأنباء الليبية، الموالية للجيش الوطني، صورة قالت إنها صورة الإمام وهو يقف أمام ثكنة عسكرية تابعة لجماعة مسلحة في بنغازي، قبل أن تسيطر عليها قوات الجيش، وقالت إن القوات الأميركية ألقت القبض عليه في مدينة مصراتة غرب البلاد.
وكان هجوم بنغازي، الذي قتل فيه السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرون، محور عدد من جلسات الكونغرس الأميركي، وانتقد مشرعون جمهوريون أسلوب تعامل وزيرة الخارجية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون مع الهجوم.
إلى ذلك، تحدثت مصادر أمنية عما وصفته بتحشيد عسكري لميليشيات مسلحة غرب العاصمة طرابلس، حيث تحاول حكومة السراج بسط سيطرتها على المدينة منذ العام الماضي دون جدوى.
وتعاني ليبيا صراعات منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، وسيطر الإسلاميون على مناطق، في حين أسفر القتال بين الفصائل المتناحرة عن فراغ أمني.



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.