أنقرة تدرس طلب نيجيرفان بارزاني لقاء إردوغان

TT

أنقرة تدرس طلب نيجيرفان بارزاني لقاء إردوغان

أعلنت أنقرة أنها ستدرس طلبا تقدم به رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، للقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مؤكدة في الوقت نفسه أن على إدارة الإقليم إلغاء نتائج استفتاء الانفصال الذي أجرته في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في مؤتمر صحافي، أمس، تعليقا على طلب نيجيرفان بارزاني لقاء إردوغان، إن «الطلب سيتم تقييمه وتقديمه للرئيس». وأضاف أن «الجميع ينتظر من إدارة إقليم كردستان أن تعتبر الاستفتاء ملغى، وأن تواصل طريقها على هذا الأساس».
وعبر كالين عن ارتياح بلاده لتسليم الحكومة العراقية إدارة بوابة «إبراهيم الخليل» الحدودية المقابلة لبوابة «خابور» على الجانب التركي. وقال: «هذا أمر مرضٍ... تركيا لن تغلق البوابة بعد أن أصبحت خاضعة لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد». وأعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أول من أمس، سيطرة قوات تركية وعراقية على المعبر الحدودي. لكن أربيل شككت في ذلك.
وحول ما يتعلق بمدينة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، أشار كالين إلى أن تركيا «تعلق أهمية كبيرة على تأسيس هيكل إداري جديد في المدينة يحتضن جميع المكونات العرقية»، مشددا على «خصوصية العلاقة التي تربط بين تركيا وتركمان العراق». وأضاف أن «تلك العلاقة الخاصة تجلت في استقبال الرئيس لجنة التنسيق الخاصة بتركمان العراق في القصر الرئاسي في أنقرة» الأحد الماضي. وأوضح أن إردوغان «تناول مع أعضاء لجنة التنسيق أوضاع التركمان ووضع مدينة كركوك في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة والتي انتهت بسيطرة القوات العراقية على المدينة».
في سياق متصل، دعت الحكومة العراقية تركيا إلى المشاركة في إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب ضد تنظيم داعش. وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية، إن وزير التجارة العراقي بالوكالة سلمان الجميلي دعا خلال لقاء مع السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، أمس، أنقرة إلى «الإسهام في عمليات إعادة الإعمار للمناطق المتضررة من جراء الحرب، خصوصا في مجال تأهيل البنى التحتية وبناء المستشفيات والمدارس وفتح آفاق الاستثمار أمام الشركات التركية». وذكر الجميلي أن «جميع المنافذ الحدودية في كل أنحاء العراق، ستكون خاضعة لسيطرة الحكومة الاتحادية، وهذا الأمر يوفر مزيدا من المرونة أمام التجارة مع دول الجوار». وأعلنت الحكومة العراقية في مايو (أيار) الماضي، حاجتها إلى نحو مائة مليار دولار لإعادة إعمار المناطق المحررة من سيطرة «داعش» في شمال البلاد وغربها. وقال السفير التركي في بغداد إن بلاده «ستكون داعمة وبقوة للعراق في مختلف المجالات، ومنها مجال إعادة إعمار المناطق المحررة، من خلال ما ستقدمه من منح أو من خلال دخول الشركات التركية للاستثمار في البلاد».
ولفت إلى أن أنقرة ترغب في التنسيق مع الجانب العراقي «لتسهيل مهمة مرور البضائع التركية عبر الأرضي العراقية، متوجهة جنوبا إلى دول الخليج العربي». وأبدى استعداد بلاده للإسهام في إعادة تأهيل معبر «فيشخابور» الواقع إلى الغرب من معبر خابور (إبراهيم الخليل)، «لإدراكها أن هذا المعبر سيكون عاملا مساعدا في زيادة حجم التبادل التجاري».
وتعتزم أنقرة وبغداد فتح منفذ بري بينهما في منطقة فيشخابور الواقعة في المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسوريا، ليُضاف إلى المنفذ الوحيد القائم، وهو إبراهيم الخليل الذي يسمى من الجانب التركي «خابور».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.