قضية الاستنساخ الفكري والتاريخي

محاولات ممنهجة لفرض أنماط التغيير الاجتماعي والسياسي

صموئيل هنتنغتون - روديارد كبلينغ
صموئيل هنتنغتون - روديارد كبلينغ
TT

قضية الاستنساخ الفكري والتاريخي

صموئيل هنتنغتون - روديارد كبلينغ
صموئيل هنتنغتون - روديارد كبلينغ

بعد مرور خمس وعشرين سنة على انهيار الاتحاد السوفياتي، في تقديري إننا لا نزال حتى اليوم نعاني من حالة عجرفة فكرية من قبل بعض المفكرين الغربيين، مرتبطة بما يمكن تسميته بحتمية التجربة الغربية، من خلال تناثر الهياكل الفكرية القائمة على محورية، بل وضرورة تصدير بعض محطات هذه التجربة للبلدان الأخرى، خصوصاً الشرق الأوسط. وواقع الأمر أن هذا التوجه بدأ بمفاهيم «نهاية التاريخ» التي طرحها فرانسيس فوكوياما من خلال قناعته بالكمال الإنساني المتمثل في التجربة الفكرية والسياسية الأوروبية، ومن بعده الأنشودة العبثية لهنتنغتون المسماة بصراع الحضارات التي وئدت عملياً وعلمياً، ولكننا لا نزال نعاني من ذريتها الفكرية إلى اليوم، فلقد ولَّدت هذه الأطروحات أفكاراً وتوجهات سياسية وفكرية، بل وعملية خطيرة في مناسبات عديدة، كالتي ناقشناها خلال المقالين السابقين حول حاجة الوطن العربي إلى حركة تنوير متشابهة الفكر والسلوك للتي عاشها الغرب أو أوروبا اعتباراً من القرن السابع عشر وحتى اليوم. ظلت القذائف الفكرية تنهال علينا لوصفات الخلاص الفكري والسياسي، الذي أسميه اليوم صراحة بمحاولة لاستنساخ الهياكل التاريخية والفكرية الغربية، وتطبيقها علينا، كما لو أن التجارب الإنسانية هياكل مجهزة قابلة للتركيب أو التطبيق الفوري والمباشر على الدول التي تعاني مشاكل مرتبطة بالتطور السياسي والفكري والحضاري.
حقيقة الأمر أن قضية السعي للاستنساخ الثقافي والفكري لتجارب الآخرين، التي يُطلقها البعض من ربوتهم الثقافية المصنوعة ذاتياً تخرج من نفس الربوة التي أطلق منها الشاعر كبلينغ في نهاية القرن التاسع عشر دعوته لما سماه بـ«عبء الرجل الأبيض» أي المهمة الإنسانية، أو حتى الإلهية، لفرض التحضر على الشعوب غير الغربية في العالم، التي تواكبت مع أوج عصر الإمبريالية والاستعمار؛ وبعض الدعوات التي نسمعها اليوم ما هي إلا امتداد لهذا الفكر بعد تهذيبه بطبيعة الحال، فلم يعد المطلوب فرض التحضر، ولكننا في المرحلة أو المراحل التالية من وجهة نظرهم لنقل التجربة الغربية والالتزام بمفرداتها والهياكل الناتجة عنها. ف
منذ نهاية الحرب الباردة بدأنا نستمع لمحاولات ممنهجة لفرض أنماط التغيير الاجتماعي والفكري والسياسي على أسس هذه التجارب، فوجب علينا الاستمساك بها وتطبيقها بلا تردد على أنها الحتمية الإنسانية والتاريخية، بينما كان نجاحها في حقيقة الأمر نتاجاً للتفاعل الداخلي للتجربة التاريخية الغربية، ولعلي قد أثرت هذا الأمر خلال مقالة لي في صحيفتنا الغراء حول سعي بعض المفكرين لتطبيق تجربة «اتفاقية وستفاليا» عام 1648، التي أنهت الحروب السياسية والدينية في أوروبا على الشرق الأوسط كنوع من الحل السياسي للمشاكل التي تعاني منها هذه المنطقة، وتقديري أن هذا الأمر سيؤدي حتماً لتشرذم مفهوم الدولة واحتراق الشعوب بنيران الحروب والفوضى، كذلك فإنني أصر على إعادة التحذير الشديد من محاولة استنساخ الحلول الغربية فيما يتعلق بالتجربة الكاثوليكية في التاريخ الأوروبي، والسعي لتطبيق نتائجها على الشرق الأوسط، فالإسلام السني في الشرق الأوسط تجربته تختلف تماماً عن التجربة الدينية الغربية، ومن ثم فإن محاولة صياغة مفهوم مبني على الأولى، وتصديره للثانية يعد خطيئة فكرية، وفي كل الأحوال فإن هذه الأطروحات الغربية قد يكون مصدرها، إما نتاجاً للعقل الباطن الغربي، أو لأهداف سياسية غير واضحة، وفي الحالتين فإننا في حاجة ماسة ومستمرة للتذكير بخطورة مثل هذه الأطروحات حماية لأوطاننا وإنسانيتنا وتجاربنا المختلفة.
حقيقة الأمر أنني من مؤيدي التعلم من تجارب الآخرين، فلا شيء يحيا في العدم ولا تجربة فكرية أو سياسية أصبحت بمعزل عن التجارب التاريخية والثقافية والسياسية للآخرين، خصوصاً أن التاريخ الأوروبي غني للغاية، ويعد مثالاً هاماً يمكن الاستناد إليه لاستشفاف الأفكار والتعلم من تجاربه، بل إنني لا أستبعد عناصر من التهجين الفكري أو تعريب عناصر بعض التجارب الغربية في بعض المناحي، ولا أرى في ذلك ضرراً على الإطلاق، بل إفادة عظيمة لشعوبنا ومنطقتنا، ولكن تحفظي مرتبط صراحة بالسعي لفرض «نماذج سابقة التجهيز» على الشرق الأوسط دون مراعاة لظروف المنطقة المختلفة تحت مسميات الحداثة والتقدم، فقضية الاستنساخ التي أشير إليها هنا هي في واقع الأمر قضية غاية في الخطورة، وتحتاج منا لتناول موضوعي، لا سيما بعد تأثر بعض العناصر لدينا، الذين يرون فيه الخلاص السياسي والفكري والاجتماعي، بل والحضاري لمجتمعاتنا، وهنا أستعين بمقولة شكسبير الشهيرة «بأننا نقترف جريمة قتل لمعالجة جرح»، فليس كل دواء قابلاً للتفاعل مع كل مرض، ومن ثم فليست كل تجربة ناجحة واجبة التطبيق على المجتمعات الأخرى، بل إن النجاح مع البعض قد يعني الفشل الكامل مع البعض الآخر لاختلاف العوامل المؤدية للنجاح والمرتبطة بالتجربة الخاصة بشعوب الشرق الأوسط سياسيا وديموغرافياً وثقافياً واجتماعياً الخ... وهو ما يدعوني بصراحة وبوضوح للدعوة لأهمية التمحص والتفكر قبل قبول أو رفض أي مفاهيم أو أطروحات تحت ستار الحتمية التاريخية الغربية.



قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)
سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)
TT

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)
سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية لمدة ثلاث سنوات، يخضع خلالها القصر التاريخي لعملية تجديد ضخمة بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني. وسيجري استقبال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في القصر عندما يزور المملكة المتحدة الشهر المقبل، لكن بعد ذلك ستجري استضافة جميع الزيارات الرسمية الأخرى في قلعة «وندسور» حتى عام 2027.

وكانت أعمال التجديد قد بدأت في عام 2017، مع التركيز على استبدال الأسلاك والأنابيب القديمة التي لم تُحدَّث منذ خمسينات القرن الماضي، والتي كانت من الممكن أن تتسبّب في «حرائق كارثية أو تدفقات شديدة للمياه».

جدير بالذكر أن الأعمال المستمرة في القصر أدّت إلى نقل المكتب الخاص بعاهل بريطانيا الملك تشارلز الثالث في الجناح الشمالي الذي تجري إعادة تجديده على نفقته الشخصية، إلى الجناح البلجيكي في الطابق الأرضي من الجناح الغربي للقصر الذي يطل على الحديقة. وكانت المساحة التي كان الملك يشغلها سابقاً في الجناح الشمالي تُستخدَم من قِبل الملكة الراحلة إليزابيث الثانية بوصفها سكناً خاصاً، أما مساحته الجديدة الآن فتشمل «غرفة أورليان» التي وُلِد فيها الملك في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948.

وفي تصريح لصحيفة «التايمز» البريطانية، قال أحد أصدقاء الملك: «هو دائماً مدرك لأهمية التاريخ، وقرار أن يكون مقره في (غرفة أورليان) لم يكن ليُتخذ بسهولة، لكنه سيستمتع الآن بأداء مهامه بوصفه ملكاً في الغرفة التي وُلد فيها».

كما أنه يجري قطع العشرات من أشجار الكرز والبتولا الفضية في حدائق القصر، للسماح بدخول مزيد من الضوء الطبيعي وتشجيع تجدّد نمو النباتات الأخرى.