أول آيفون، الذي طرحته «آبل» عام 2007، وأطلق الشرارة الأولى لثورة في عالم الهواتف الجوالة، كان آخر هاتف ذكي اختبرته. في ذلك الوقت، لم أر أن الجهاز يستحق الإطراء، إلى حدّ أنني أعدته واستعدت مالي بعد أسبوعين، مع أنني كنت قد انتظرت دوري في صف طويل أمام متجر «آبل» في سان فرانسيسكو، ودفعت 540 دولاراً عند شرائه.
آنذاك، عرفت أن الآيفون هاتف قوي، إذ إن الجميع، من ستيف جوبز (أحد مؤسسي آبل) وصولاً إلى المارة على الطرقات، حدثوني طويلاً عن عظمته. ولكنه كان وسيلة لتبذير النقود أيضاً، ولا يستحق دفع 500 دولار لاستخدامه لسنة واحدة.
هاتف «بيكسل 2»
بعد عشر سنوات، ها أنا اليوم بصدد تجربة هاتف «بيكسل 2»، أحدث وأقوى إصدارات غوغل من الهواتف الذكية، الذي خرج إلى الأسواق في 19 أكتوبر (تشرين الأول). ورأيي به هو نفسه الذي أعطيته يوم اختبرت الآيفون الأول: إذ إن الأشخاص الذين يرغبون بامتلاك أحدث وأفضل الهواتف الذكية لن يشعروا بالخيبة إن اشتروا «بيكسل 2»، ولكنه بالنسبة لكثير منا يتطلب إنفاق ثروة... لأن سعره يبدأ من 649 دولارًا.
لقد تمكنت «غوغل» من تحقيق نجاح منقطع النظير في إقناع الناس بأنهم يجب أن يفضلوا الهواتف التي تعمل بنظام أندرويد، نظامها الخاص لتشغيل الهواتف الذكية، الذي يسيطر على حصة كبيرة من السوق تفوق حصة آبل، إلا أن نجاح غوغل في تصميم هواتفها وبيعها كان أقل بكثير.
وهذا النجاح الطفيف ليس بسبب قلة المحاولات، إذ إن حملة الترويج التي نظمتها الشركة لأول هاتف «بيكسل» بلغت ذروة جديدة في الخريف الماضي. وحسب تقارير النقاد الذين يعتبرون أكثر اطلاعاً وتجربة، وأقل تشاؤماً مني، حقق «بيكسل» تفوقاً على الآيفون، في موقف اعتبرته بعض دوائر المجال انتهاكاً للثوابت.
والآن، صدر «بيكسل 2». وبعد اختبار الجهاز الجديد لنحو أسبوع، وجدت أنني أفضله على الآيفون، وهذا ربما لأنني دائماً ما أقتني هواتف تعمل بنظام الأندرويد. فالأندرويد هو النظام الذي اعتدت استخدامه، وكل بياناتي الرقمية مخزنة في غوغل، على الرغم من أن ابنتي تعتبرني أخرقاً لأنني لم أشترِ الآيفون.
مقارنة بأجهزة أخرى من أندرويد، يعتبر «بيكسل 2 إكس إل»، الموديل الذي اختبرته والإصدار الأكبر حجماً من جهازين أعلنت عنهما الشركة، تقدماً كبيراً. أنا شخصياً استخدم هاتف «سامسونغ غالاكسي إس 7»، الذي اعتبر أفضل الهواتف العاملة بنظام أندرويد في السوق حين صدر قبل عام.
- خصائص جيدة
ما أحببته في الهاتف أن الزر القارئ لبصمة الإصبع في «بيكسل 2 إكس إل»، الذي يقفل الهاتف بشكل فوري، يقع في خلفية الجهاز، أي ليس بعيداً عن المكان الذي تقع عليه أصابعنا على الهواتف عادة. كما أحببت فكرة تواصل الهاتف مع عدد صغير من التطبيقات الأساسية، بدل بحر التطبيقات الذي تتضمنه هواتف سامسونغ عادة.
من ناحية أخرى، استغرق شحن «بيكسل» الجديد وقتاً قصيراً، إذ إنه يمنح المستهلك ساعات من خدمة البطارية بعد وصله لدقائق قليلة فقط بالكهرباء. وحسب «غوغل»، فإن الهاتف مضاد للمياه، كما أنه مصمم بشاشة كبيرة (بمقاس 6.2 بوصة)، إلا أنها ليست ضخمة بحيث تمنع المستهلك من حمل الجهاز بيد واحدة. وأعجبت أيضاً بأنني وفي المرات القليلة التي شاهدت فيها مقاطع فيديو طويلة على يوتيوب، امتدت الصورة على كامل شاشة الهاتف.
ولكن هل تختلف جميع المواصفات التي ذكرتها في هذا الهاتف عن تلك الموجودة في هواتف مهمة أخرى؟ ليس كثيراً، و«غوغل» تعي هذا الأمر، حتى أن السعر المرتفع الذي طرح به «بيكسل 2 إكس إل»، الذي بلغ 849 دولاراً، يقارب أسعار هواتف منافسة أخرى.
وفي صناعتها لـ«بيكسل» الجديد، ركزت الشركة على مساعد غوغل (منافس «سيري» من أندرويد)، وخدمات أخرى تعتمد بشكل كبير على ما يعرف بالذكاء الصناعي. ومن بين هذه الخدمات «غوغل لانس»، التي تتعرف بشكل فوري على المعالم والكتب والأفلام وغيرها من الأشياء، بعد أن يلتقط المستهلك صورة لها، إلى جانب خدمة أخرى مشابهة تستطيع التعرف وبشكل أوتوماتيكي على الأغاني الصادرة عن جهاز راديو أو تلفزيون قريب.
- مساعد ذكي
هذه كانت دون شك أهم وأكثر المواصفات تأثيراً في الهاتف الجديد، التي أظهرت كيف أن آخر التطورات التقنية في التعلم الآلي باتت تصنع الأجهزة والسيارات والروبوتات، ويمكنها القراءة والتحليل والاستجابة لمحيط المستهلك بطرق لم تكن ممكنة قبلاً. وبفضل الأعمال التي يقوم بها مختبر «ديب مايند» للذكاء الصناعي في بريطانيا، الذي استحوذت عليه «غوغل» عام 2014، بات بإمكان مساعد «غوغل» اليوم أن يتحدث بصوت يشبه صوت البشر. أما ابنتي ذات الأعوام الثلاثة عشر، فقد اعتبرت أن هذا الأمر عادياً، وأن التقدم طفيف.
ويختصر ما ورد أعلاه جميع الخدمات التي يقدمها «بيكسل 2» الجديد؛ قد يكون الكثير منها مثيراً للاهتمام على الصعيد التقني، وبعضها مهم ومفيد، ولكنها لم تساهم في تقدمه كثيراً عن الوضع القائم حالياً في عالم الهواتف الذكية.
وفرت «غوغل لانس» بضع دقائق من المرح لابنتي ذات السنوات التسع خلال العطلة الأسبوعية، ولكنها ليست خدمة يمكن استخدامها بشكل منتظم (كما أنها أخطأت في تعريف صورة التقطتها في غرفة نومي لمبنى «فلاتيرون» في نيويورك، وعرفتها على أنها صورة للمبنى «إمباير ستايت»).
وتجدر الإشارة إلى أن الخدمة التي تعرّف الأغاني تمتع المستهلك أكثر، وتمنحه فائدة أكبر، ولكنها لن تشكل إلا جزءاً طفيفاً من حياتنا اليومية، هذا غير أنها أخطأت وخلطت بين أغنيتين مختلفتين.
ولكن يجب القول إن مساعد «غوغل» كان الأفضل من كل المساعدين المتوفرين حالياً، وتفوق بسهولة على «سيري» و«أليكسا» من «أمازون»، حتى أن ابنتي الصغيرة أحبته جداً.
ولكنه، شأنه شأن المساعدين الآخرين، لا يمكنه التعامل سوى مع بضع مهمات بسيطة، كالبحث عن الصفحات الإلكترونية، والإجابة عن بعض الأسئلة. فحين سألت المساعد ما إذا كان مبلغ 824 دولاراً كثيراً بالنسبة لهاتف ذكي، عرض لي مقطع فيديو على «يوتيوب» يظهر مبلغاً من النقود.
وفي غالبية الحالات، ينجح المساعد في سماع ما يقوله المستهلك، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يفهم ويجيب بشكل مرضٍ تماماً، أي علينا انتظار المزيد من التقدم.
وتتباهى شركة «غوغل» بأن مساعدها الذكي يتيح للمستهلك تحويله إلى وضع يسمح بطباعة السؤال بدل طرحه شفهياً. ولكن كما قالت زوجتي، هذه الخدمات المساعدة مفيدة فقط لأنها تتيح للمستخدم إتمام مهام بسيطة، كإرسال رسالة نصية أو ضبط المنبه دون طباعة. فعندما أريد العمل طباعة، يمكنني ببساطة أن أزور «غوغل.كوم».
وبعد بضعة أيام، أعترف أنني اعتدت قليلاً على «بيكسل 2 إكس إل»، فقد نجح الهاتف، مساء السبت، في التعرف إلى كل أغنية تم تشغيلها خلال العشاء، حتى تلك التي تعود للثمانينات.
ولكن رغم ذلك، لم أفكر حتى الساعة في دفع 849 دولاراً على الهاتف الجديد. وتجدر الإشارة إلى أن الإصدار الأصغر حجماً من «بيكسل» يبدأ سعره من 649 دولار، وقد أفكر في شرائه، حين يحين وقت تبديل هاتفي.
- خدمة «نيويورك تايمز»