مسعود بارزاني... مؤسس نواة الدولة الكردية ومنهيها

مسعود بارزاني أصبح من البيشمركة وله من العمر 14 عاماً
مسعود بارزاني أصبح من البيشمركة وله من العمر 14 عاماً
TT

مسعود بارزاني... مؤسس نواة الدولة الكردية ومنهيها

مسعود بارزاني أصبح من البيشمركة وله من العمر 14 عاماً
مسعود بارزاني أصبح من البيشمركة وله من العمر 14 عاماً

كان الرئيس مسعود بارزاني، الذي أعلن أمس تنحيه عن السلطة، مؤسس إقليم الحكم الذاتي لكردستان العراق، لكنه أيضاً، في نظر منتقديه، المسؤول الأول عن سقوط حلم الدولة بمغامرته الخطيرة في إجراء استفتاء حول استقلال الإقليم.
لم يتخيل بارزاني أنه سيصل إلى اليوم الذي سيخسر فيه ما بدأ ببنائه قبل 26 عاماً. وحسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أصبح هذا المقاتل الذي بدأ نضاله مذ كان عمره 14 عاماً، مرتدياً زي البيشمركة التقليدي، «أيقونة» في عيون شعب يسعى إلى دولة، بحسب ما يقول تييري أوبيرليه في صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية.
ينحدر ابن الحادية والسبعين عاماً من عائلة لطالما قاتلت من أجل استقلال الأكراد، وهو ابن مصطفى بارزاني، الزعيم التاريخي للحركة الوطنية الكردية في العراق.
لم ينس مسعود بارزاني أبداً أنه ولد في «جمهورية كردستان الأولى» في مدينة مهاباد الإيرانية، التي استمرت عاماً واحداً فقط قبل أن تنهيها القوات الإيرانية. وفي العام 1978، نجح في خلافة والده كرئيس للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس في العام 1946. ولكن في العام 1975، برز له جلال طالباني، مؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ليصبح منافسه اللدود لعقود.
في خضم الحرب الإيرانية العراقية (1980 - 1988)، تعاون الحزبان مع إيران، لكن الثمن كان غالياً. شن صدام حسين «حملة الأنفال» ضد الأكراد العراقيين، فهجر عشرات الآلاف منهم، وقصف حلبجة بالسلاح الكيماوي، ما أسفر عن خمسة آلاف قتيل في العام 1988.
وبعد هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الأولى (1990)، انتفض الأكراد مرة جديدة، ولكن الأمور انقلبت ضدهم مجدداً. وبعد ذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 688 الذي يحظر على القوات الجوية العراقية التحليق فوق خط العرض 36، مطالباً بإنهاء القمع ضد الأكراد.
تلك كانت اللحظة التي ينتظرها مسعود بارزاني. فشكل كياناً مستقلاً تقاسم فيه السلطة مع الاتحاد الوطني الكردستاني. بيد أن التنافس بين الزعيمين، بارزاني وطالباني، تحول إلى حرب أهلية بين العامين 1994 و1996. وبعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 قام الأكراد بتوحيد إدارتهم.
وعرف عن بارزاني أنه سياسي عنيد ومراوغ ومغامر إلى أبعد الحدود. وآخر تلك المغامرات كان تصميمه على إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، رغم معارضة بغداد ودول المنطقة والعالم. غضب بغداد ترجمته الحكومة الاتحادية تقدماً عسكرياً باتجاه الإقليم، مستعيدة غالبية المناطق المتنازع عليها مع أربيل، وخصوصاً محافظة كركوك الغنية بالنفط.
بعد فوزه في الانتخابات غير المباشرة في العام 2005، أعيد انتخاب بارزاني مرة أخرى في العام 2009 بنحو 70 في المائة من الأصوات في أول انتخابات عامة، ليبدأ ولاية جديدة من أربع سنوات. وبعد انقضاء المدة، مدد البرلمان الكردستاني ولاية بارزاني لعامين.
لكن مع بداية الأسبوع الحالي، قرر البرلمان تأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، وتجميد عمل هيئة رئاسة الإقليم. وصدر قرار تجميد الأنشطة الرئاسية لبارزاني بسبب عدم تمديد برلمان الإقليم ولايته الرئاسية مجدداً بشكل قانوني، الأمر الذي ينهي صلاحياته الرئاسية. ابن البيشمركة الذي قاتل نظام صدام حسين، لم يقاتل اليوم. وبدأت حدود الإقليم التي توسعت في أعقاب تقدم القوات الكردية خلال قتالها تنظيم داعش بالانحسار مجدداً إلى الخط الأزرق الذي تم تحديده في العام 2003. حينها، كان يسعى بارزاني إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، طرد المتطرفين والتمدد جغرافياً في إطار حلم إنشاء الدولة.
هيمن بارزاني بشكل كبير على زواريب السياسة في الإقليم، وسعى إلى أن تكون لعائلته اليد الطولى في المناصب. ومنهم ابن شقيقه نيجيرفان بارزاني الذي يتولى رئاسة الحكومة. كما أن مسرور، نجل مسعود، رئيس مجلس الأمن القومي في كردستان، وله كلمة الفصل في أجهزة الاستخبارات الكردية.
كان بارزاني الرئيس الأول والوحيد للأكراد حتى اليوم، لكنه وقع في فخ رهانه على الاستقلال. ويشير دبلوماسي غربي إلى أنه حين طلب من بارزاني تأجيل مشروع الاستفتاء، أجابه رئيس الإقليم «لا أستطيع، لدي فرصة لن تأتي مرة أخرى. بغداد لا تزال ضعيفة لكنها تزداد قوة، وبعدها سيفوت الأوان». وأضاف: «لا أستطيع التراجع وأعتقد أن الدول التي تنصحني بعدم إجراء الاستفتاء ستدعمني بعد ذلك». وكان ذلك الخطأ الكبير.
ويقول المحلل السياسي كيرك سويل، ناشر مجلة «إنسايد إيراكي بوليتيكس»، إن رهان بارزاني لم يكن إلا «استناداً إلى دائرة ضيقة من المستشارين».
أما بالنسبة إلى المحلل المختص بالشؤون الكردية، موتلو سيفير أوغلو، فإن بارزاني وضع الأكراد في موقف صعب، بعدما «أخطأ في قراءة الموقف وتفسير الرسائل»، ما جعله وحزبه معزولين داخل العراق وخارجه.



زعيم الحوثيين «سعيد» بالمواجهة مع إسرائيل... ويتعهد باستمرار التصعيد

الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
TT

زعيم الحوثيين «سعيد» بالمواجهة مع إسرائيل... ويتعهد باستمرار التصعيد

الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، الأحد، ومهاجمة سفينة في البحر الأحمر دون أضرار، وفيما عبّر زعيمها عبد الملك الحوثي عن سعادته بالمواجهة المباشرة مع تل أبيب، استمر الحريق الضخم الناجم عن الغارات الإسرائيلية على مستودعات الوقود في ميناء الحديدة ساعات طويلة، وارتفع عدد القتلى إلى 6 مع إصابة نحو 90 جريحاً.

كان الجيش الإسرائيلي استهدف، السبت، مستودعات الوقود في ميناء مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين ومحطة الكهرباء، غداة انفجار مسيّرة استهدفت تل أبيب وأدت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.

ولقي الهجوم الإسرائيلي إدانةً من الحكومة اليمنية مع تحذير إسرائيل والحوثيين من تحويل اليمن إلى ساحة حرب، في حين هددت الجماعة الموالية لإيران بالرد على القصف وتبنت إطلاق عدة صواريخ، الأحد، باتجاه إيلات، ومهاجمة سفينة شحن في البحر الأحمر.

وأكد الجيش الإسرائيلي اعتراض دفاعاته صاروخ أرض - أرض أُطلق من اليمن، وقال إن نظام الدفاع الصاروخي «آرو 3» أسقط الصاروخ قبل عبوره إلى أراضي إسرائيل. ونقلت «رويترز» أنه «قبل الاعتراض، دوّت صفارات الإنذار في إيلات، مما دفع السكان إلى المسارعة إلى المخابئ».

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية يحيى سريع، في بيان متلفز، إن «جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية، وقصفت أهدافاً مهمة في إيلات جنوب فلسطين المحتلة بعدد من الصواريخ الباليستية»، كما استهدفت، حسب ادعاء سريع، سفينة «بومبا» الأميركية في البحرِ الأحمرِ بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وهو الهجوم الذي لم تؤكده وكالات الأمن البحري.

وفي حين اعترفت الجماعة بتلقيها، الأحد، غارتين استهدفتا مواقع لها في منطقة بحيص التابعة لمديرية ميدي في محافظة حجة (شمال غرب)، كان الجيش الأميركي أعلن الأحد أن قواته نجحت في تدمير طائرة حوثية من دون طيار فوق البحر الأحمر، لكنه لم يتبن المشاركة في الهجمات الإسرائيلية على ثاني أكبر الموانئ اليمنية الخاضع للجماعة الانقلابية.

وحسب شهود في مدينة الحديدة، ما زالت الحرائق مستمرة، الأحد، لعدم توافر الإمكانات لإطفائها، إذ يتوقع استمرارها أياماً أخرى، وسط معلومات عن تعرض 20 خزان وقود للحريق من بين أكثر من 80 خزاناً، وفق مصادر اقتصادية يمنية.

أحد المصابين جراء الغارات الإسرائيلية على أهداف حوثية في ميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

وأفادت وسائل الإعلام الحوثية، نقلاً عن مصادر طبية، بأن الضربات على ميناء الحديدة أدت إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 90 آخرين، وسط المخاوف من تكرار الهجمات الإسرائيلية إذا ما تواصلت الهجمات الحوثية المميتة باتجاه تل أبيب.

وانتهز التجار الموالون للجماعة الحوثية في صنعاء والحديدة وغيرها من المدن الضربات على خزانات الوقود، وقاموا بإغلاق محطات التعبئة والتسبب في أزمة خانقة، إذ عادة ما يقومون بمثل هذا السلوك لرفع الأسعار وبيع المشتقات النفطية والغاز في السوق السوداء.

مرحلة تصعيد خامسة

عبّر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطبة الأحد عن سعادة جماعته بالمواجهة المباشرة مع إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، وتوعد باستمرار التصعيد البحري ضد السفن ومهاجمة إسرائيل، وأعلن أن الهجوم بالطائرة المسيرة على تل أبيب، الجمعة الماضي، هو بداية المرحلة الخامسة من التصعيد.

ونفى الحوثي أن تكون المسيرة التي أدت إلى مقتل شخص وإصابة نحو أربعة آخرين، أُطلقت من مكان آخر غير مناطق سيطرة جماعته في اليمن، كما زعم أن جماعته التي قامت بتصنيعها وإطلاقها.

وهوّن زعيم الجماعة الانقلابية في اليمن من أهمية الضربة الإسرائيلية على ميناء الحديدة، وقال إن جماعته ستواصل عملياتها، وإن أي ضربات أخرى لن يكون لها أي تأثير على قدراتها العسكرية، مشدداً على أن الجماعة لن «تتراجع عن موقفها».

وتبنت الجماعة الحوثية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي العديد من الهجمات ضد إسرائيل، دون أي تأثير يُذكر، باستثناء هجوم المسيّرة الأخير على تل أبيب، كما تبنت مهاجمة أكثر من 170 سفينة في البحرين الأحمر والعربي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وأقرت الجماعة بتلقي أكثر من 570 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، وسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً، جراء الضربات التي تشنها واشنطن تحت ما سمته تحالف «حارس الازدهار».

وأصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 30 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استُهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

إدانة حكومية وقلق أممي

أدان مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية بأشد العبارات القصف الإسرائيلي على الحديدة وعده «عدواناً وانتهاكاً» للسيادة اليمنية، و«مخالفة صريحة لكافة القوانين والأعراف الدولية».

وحمّل المصدر اليمني المسؤول، إسرائيل، المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات جراء غاراتها الجوية، بما في ذلك تعميق الأزمة الإنسانية التي فاقمها الحوثيون بهجماتهم الإرهابية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، فضلاً عن تقوية موقف هذه الميليشيات، وسردياتها الدعائية المضللة.

ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)

وجدد المصدر الحكومي تحذيره الحوثيين من استمرار رهن مصير اليمنيين والزج بهم في معارك الجماعة العبثية خدمة لمصالح النظام الإيراني ومشروعه التوسعي في المنطقة.

كما حذر المصدر النظام الإيراني وإسرائيل من محاولة تحويل الأراضي اليمنية عبر «الحوثيين المارقين» إلى ساحة لحروبهما العبثية، ومشاريعهما التخريبية في المنطقة.

وإذ جددت الحكومة اليمنية موقفها الداعم للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة، أكدت أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام في اليمن هو دعم الحكومة لاستكمال بسط نفوذها على كامل ترابها الوطني، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، خصوصاً القرار 2216.

دخان كثيف جراء احتراق مستودعات الوقود في ميناء الحديدة إثر ضربة إسرائيلية (رويترز)

في غضون ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في مذكرة للصحافيين، إنه يشعر بقلق بالغ إزاء التقارير الواردة حول الغارات الجوية الإسرائيلية التي وقعت في محيط ميناء الحديدة في اليمن رداً على الهجمات الحوثية السابقة على إسرائيل.

وتحدث غوتيريش عن وقوع أضرار كبيرة في البنية التحتية المدنية، داعياً جميع المعنيين إلى تجنب الهجمات التي قد تلحق الضرر بالمدنيين وبالبنية التحتية المدنية، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

يُشار إلى أن تصعيد الحوثيين تسبب في إصابة مساعي السلام اليمني، التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بالجمود؛ إذ تسود المخاوف من انهيار التهدئة الهشّة المستمرة منذ عامين، وعودة القتال على نطاق أوسع.