إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة (الحلقة 2): «الإخوان».. من طهران إلى القاهرة وبالعكس

استغلتهم الدول الاستعمارية مبكرا في لعب أدوار سياسية توافق مصالحها

إيرانيون بساحة مسجد فاطمة الزهراء بقم في طريقهم إلى أداء الصلاة
إيرانيون بساحة مسجد فاطمة الزهراء بقم في طريقهم إلى أداء الصلاة
TT
20

إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة (الحلقة 2): «الإخوان».. من طهران إلى القاهرة وبالعكس

إيرانيون بساحة مسجد فاطمة الزهراء بقم في طريقهم إلى أداء الصلاة
إيرانيون بساحة مسجد فاطمة الزهراء بقم في طريقهم إلى أداء الصلاة

في عشرينات القرن الماضي، وجدت تركيا وإيران ومصر - الأمم الثلاث التي كانت لقرون عدة، بيئة خصبة لإنتاج الجدل والتمرد الإسلاميين، بما في ذلك الترويج للعديد من البدع - نفسها تمضي في مسارات تفضي إلى المجهول.
ففي تركيا، أي ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية، حاولت القيادة الجديدة وضع أكبر مسافة ممكنة بين الدولة والإسلام؛ حين تأسس النظام الكمالي على مفهوم العلمانية، الذي يعني - وفقا للتفسير التركي - أن تهيمن الدولة على الدين، ومن ثم فقد أصبح الدين هو ما تقره الدولة في الجمهورية التركية الجديدة.
وفي إيران، لم تكن الدولة البهلوية تشعر بالقدر نفسه من الالتزام بالعلمانية الذي كانت تشعر به الدولة التركية. لكنها حاولت بناء نظام لا يتجاوز فيه الإسلام كونه دينا وجزءا من حقيقة أكبر وأكثر تعقيدا. وأكدت الدولة الجديدة، على «مجد» إيران ما قبل الإسلام، وروجت للوطنية الجديدة التي تعتمد على «الهوية الآرية» لإيران، بدلا من صلتها بالدين العربي.

كانت مصر تمر بأزمة أكثر عمقا فيما يتعلق بدور الدين في المجتمع؛ ولم يلق المؤرخون القدر الكافي من الانتباه للدور الذي لعبته الآيديولوجيات الغربية، سواء في معسكر اليسار أو اليمين الليبرالي، في إعادة تشكيل الروح السياسية المصرية الجديدة في العقود الأولى من القرن العشرين. ومع ذلك، سوف يكشف إلقاء نظرة أكثر قربا على المشهد النخبوي في مصر، في تلك الفترة، تنوعا سياسيا وآيديولوجيا هائلا، حيث كان لكل من القومية العربية، والعروبة، والوطنية المصرية، والاشتراكية، والشيوعية، والفاشية، والتيار الليبرالي المحافظ، جماهيرها الانتخابية. والمثير للانتباه، وكان واضحا، هو أن الدين بالنسبة للنخب المصرية، كان يبدو وكأنه شأن من شؤون الماضي، ومجموعة من المعتقدات العاجزة عن تقديم إجابات للتحديات التي تواجهها أمة تعيش تحت الهيمنة الأجنبية.
وإذا ما نظر البعض للمشهد السياسي في تلك البلدان الإسلامية المحورية، في بداية العشرينات من القرن الماضي، ربما يستنتج أن الإسلام، كقوة سياسية، كان يتراجع تاريخيا. لكن مثل تلك التحليلات يعتمد على خطأ أساسي؛ حيث اتخذ الإسلام في الدول الثلاث، رد فعل دفاعيا من خلال تنظيم صفوفه والسعي للحصول على دور جديد. ففي تركيا، انسحب الإسلام إلى أخويات صوفية، عادة ما كان يجري تنظيمها في جماعات سرية أو حركات دينية اجتماعية شعبوية، اعتادت تقديم نفسها باعتبارها جمعيات خيرية (وتعد الحركة التي يقودها حاليا فتح الله غولن أحد النماذج على ذلك).
وفي إيران، ونظرا لأن النسخة الإيرانية من الإسلام، الشيعية، كانت لديها دائما، تنظيماتها الخاصة، كان بإمكان رجال الدين الانسحاب إلى المساحة التي خلقوها لأنفسهم على مدار قرون طويلة؛ حيث انتقل آيات الله ببساطة إلى النجف، التي نشأت حديثا في العراق للتخلص من الضغوط التي كان الشاه يفرضها عليهم في طهران. وكما كان الحال في تركيا، شهدت الأخويات الصوفية ازدهارا خاصا في المدن الكبرى. وأثبتت الحشود الهائلة من الحجاج التي كانت تزور الأضرحة الشيعية «المقدسة» في «مشهد» و«قم»، أن الدين لا يمكن إقصاؤه ببساطة من الحياة الإيرانية.
وفي مصر، حاول الأزهر، الاحتفاظ بدور خاص لنفسه ولكن غياب طبقة رجال دين منظمة ذات قواعد شعبية، كما كان الحال في إيران، ترك فراغا ملأته، لاحقا، جماعة الإخوان المسلمين. كما كانت مصر تفتقر للحركات الصوفية القوية التي ازدهرت في تركيا وإيران. ومع ذلك، كان للإسلام السياسي ميزة أساسية في مصر؛ وهي حركات النهضة الحديثة التي ركزت على إجراء إصلاحات دينية في القرن التاسع عشر.

* رجل من الشرق

* كان الشخص الرئيس الذي يقع في قلب ذلك الجدل هو جمال الدين الأفغاني، وهو ناشط سياسي إيراني كان يحلم بإنشاء دولة عصرية قوية على النموذج الأوروبي بقيادة «ديكتاتور تنويري».
ولد الأفغاني في أسعد آباد، غرب طهران. في البداية كتب جمال الدين، الذي لم يزر أفغانستان أبدا، سيرته الذاتية كأفغاني، وأطلق على نفسه اسم الأفغاني لإخفاء عقيدته الشيعية أثناء عمله في البلدان التي يهيمن عليها السنة مثل الإمبراطورية العثمانية ومصر. وإحقاقا للحق، لم يزعم جمال الدين أبدا أنه سني مسلم، ولكنه كان يمارس التقية. وتزعم بعض المصادر أن القيادات الشيعية في «قم»، أرسلت جمال الدين إلى إسطنبول ثم إلى القاهرة في عام 1871، لفحص إمكانية نشر المذهب الشيعي في الإمبراطورية العثمانية، فيما زعم آخرون أن جمال الدين أرسل في مهمة لمواجهة النفوذ المتنامي للحركة الإسلامية المحافظة التي يتزعمها محمد عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية.
وأكد محمد محيط الطباطبائي، وهو أحد كاتبي السيرة الذاتية لجمال الدين، ذلك جزئيا، حين قال: «لم يحصل جمال الدين أبدا على تدريب أو إقرار بكونه رجل دين، وكان يقدم نفسه إلى المرجع بـ(قم) باعتباره مبلغا. ولكن على أية حال، هناك شكوك حول تكليفه بأية مهام خاصة من قبل آيات الله، حيث كان جمال الدين أقرب إلى كونه رجل سياسة، وكان أكثر اعتدادا بذاته من أن يتلقى الأوامر من أحد». كما يذكر الكاتب أيضا، أن جمال الدين خلال سفرياته إلى الإمبراطورية العثمانية، ولاحقا إلى فرنسا وبريطانيا، كان متأثرا، إلى حد كبير، بالأفكار الغربية الليبرالية. ويضيف الطباطبائي: «لقد كان هدفه هو جلب المسلمين إلى العالم المعاصر». ويقول: «لقد أراد أن ينشئ المسلمون دولا على الغرار الأوروبي فيما يحافظون على إيمانهم».
ويمكن تعزيز ذلك التحليل، عندما نضع في اعتبارنا علاقة جمال الدين بعدد من السياسيين الإصلاحيين الإيرانيين، خاصة ميرا ملكم خان، والأمير منوشهر ميرزا. ولاحقا، ذكر اسم جمال الدين أيضا في واقعة اغتيال ناصر الدين شاه قاجار، ملك إيران، على يد ميرزا رضا كيرماني في مايو (أيار) 1896. ومن المؤكد أيضا، أن جمال الدين كان من أوائل مؤسسي المحافل الماسونية في مصر وتركيا وإيران. ويؤكد كاتب سيرة جمال الدين، أن أفكاره لعبت دورا محوريا في الحث على الثورة الدستورية في إيران في عام 1905. وبمعني آخر، فإن جمال الدين، أو السيد جمال، كما يحب المصريون أن يطلقوا عليه، كان ينظر للدين كأداة في خدمة السياسة وليس العكس.
وسوف تصبح بعد ذلك فكرة الإسلام كأداة سياسية، مكونا حيويا للإسلام الحديث بأشكاله المختلفة – بداية من الإخوان المسلمين والخمينية وصولا إلى «القاعدة».
ومن جهة أخرى، تضمن المشهد السياسي في عشرينات القرن الماضي، في العالم الإسلامي، الدراما الموازية للنزاع بين القوى الأوروبية. فقد كانت القوة المهيمنة في المنطقة هي بريطانيا العظمى، ولكنها كانت تواجه تحديا متناميا من النظام السوفياتي في روسيا بآيديولوجيته الشيوعية الراديكالية المناهضة للإمبريالية والساعية إلى تحقيق العدالة للأمم الفقيرة. كما شهد أواخر العشرينات أيضا، بزوغ تحدي آيديولوجيا جديد للهيمنة البريطانية، وهو الفاشية التي نشأت، في البداية، في شكلها المخفف، على يد بنيتو موسوليني في إيطاليا في الثلاثينات وما بعدها، ثم في نسخة أكثر حدة على يد أدولف هتلر في ألمانيا. وسرعان ما اكتسبت الفاشية، بنسخها المختلفة، جمهورا خاصا بها في قلب العالم الإسلامي خاصة في تركيا وإيران ومصر.
وفي مواجهة آيديولوجيتين راديكاليتين؛ الفاشية والشيوعية، لم يكن بوسع البريطانيين الاعتماد على الديمقراطية الليبرالية التي تبدو أكثر اتساقا مع المنطق من المشاعر.
ونظرا لأن الديمقراطية الليبرالية تعتمد على مفهوم أن تحيا وتدع الآخرين يحيون، فإنها تصبح مثيرة للشكوك بالنسبة لمن تتمركز عقيدتهم حول مفهوم «إما أن تقتل أو تقتل»، خاصة فيما يتعلق بالدين أو القومية القمعية.

* الدين كسلاح سياسي

* لقد ظهرت فكرة استخدام الإسلام كسلاح في النزاعات والحروب ضد القوى الأوروبية، لأول مرة، في القرن الثامن عشر، عندما غزا نابليون بونابارت مصر. فخلال تلك الفترة، أشاع الجنرال الفرنسي أنه اعتنق الإسلام، وأنه يسعى «لتحرير» المسلمين الرازحين تحت حكم «الكفار»، قاصدا البريطانيين. ولاحقا، استخدمت بريطانيا أساليب مشابهة ترددت أصداؤها في العديد من الروايات، بما في ذلك رواية بنيامين دزرائيلي «كوننيجسباي». وخلال الحرب العالمية الأولى، انتشرت شائعات، بأن قيصر ألمانيا اعتنق الإسلام. ورد البريطانيون على تلك الشائعة، بنشر أخرى تفيد بأن شخصية إسلامية مقدسة كانت تختبئ لقرون عدة، على وشك العودة وقيادة الجيوش الإسلامية في حربها ضد الألمان. وأصبحت تلك الفانتازيا هي محور رواية جون بوشان الباهرة «غرينامنتل» التي نشرت في عام 1916. ولاحقا، عندما حاول الكولونيل توماس إدوارد لورانس تبني تلك الرواية في العالم الحقيقي، استحوذ ما أطلق عليه «الانتفاضة العربية» على الخيال البريطاني.
وبعد ذلك، ظهرت فائدة جديدة لفكرة «غرينامانتل» في أواخر العشرينات، عندما واجهت الشركة الأنجلوفرنسية التي تمتلك قناة السويس، أزمات متكررة من قبل العاملين المصريين المتأثرين بالشيوعية و/ أو القومية العربية. وكانت إحدى طرق مواجهة تلك الآيديولوجيات «غير الإلهية» من الشيوعية والقومية، هي الاستعانة بالديانات ذات الشعبية الواسعة التي كانت في تلك الحالة هي الإسلام. ومن ثم، فعندما أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، سارعت الشركة بالإعلان عن اهتمامها بتلك الحركة. كما كان استخدام مصطلح «الإخوان» مطمئنا، إذ إنه كان يشبه المصطلحات الماسونية التي يقوم أعضاؤها بحلف قسم الولاء، وينظرون لبعضهم البعض باعتبارهم «إخوة».
ويصر بعض منتقدي جماعة الإخوان المسلمين، على أن الحركة كانت من اختراع الاستعمار البريطاني من بدايتها. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قوية على مثل تلك المزاعم، فإن المؤكد أن شركة القنال وحركة البنا الجديدة، كان لديهما العديد من المصالح المشتركة. وأن الشركة دعمت الجماعة، على الأقل، في المراحل الأولية لنشأتها في الإسماعيلية. وتبرز حقيقة وقوف الجماعة، بعد ذلك، ضد بريطانيا حقيقتين:
أولا، أن الإخوان المسلمين أصبحوا في موقف قوي بما يكفي لأن يجعلهم غير محتاجين للدعم الأنجلوفرنسي.
ثانيا، بعدما أسست الحركة شبكة خاصة بها من الدعم، أصبح بإمكانها وضع الأجندة الخاصة بها. وفي الوقت نفسه، كان التهديد الذي مثله الشيوعيون والجماعات الفاشية بالنسبة للقنال قد تراجع، ولم يعد للظهور في المشهد مرة أخرى، إلا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ورفع الضباط الأحرار راية القومية العربية.
مما لا شك فيه، أن استخدام القوى الغربية العظمى للدين كأداة لسياستها الإمبريالية ليس خفيا؛ فمن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك، الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للجماعات الإسلامية الراديكالية في أفغانستان كجزء من النزاع الأوسع ضد الإمبراطورية السوفياتية.
وخلال الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، واجهت بريطانيا تهديدا مماثلا في إيران. ففي مصر، هدد الشيوعيون والقوميون المصالح البريطانية في القنال. وفي إيران، جاء التهديد من الجماعات نفسها لشركة البترول الأنجلوإيرانية، التي كانت تمارس احتكارا كاملا لإنتاج البترول الإيراني ومبيعاته. وعندما اندلعت الحرب الأوروبية الكبرى في 1939، كان الإيرانيون موالين للألمان إلى حد كبير. وكان هناك نحو 4000 عميل ألماني يشار إليهم باعتبارهم «خبراء فنيين» يعملون في إيران، وهم من أشاع أن هتلر تشيع، وأن اسمه الجديد هو «حيدر»، وهو أحد الألقاب التي تطلق على علي بن أبي طالب، أول أئمة الشيعة.
وجرى تفسير الصليب المعقوف، رمز الحزب النازي، باعتباره «صليبا مكسورا»، ومن ثم دليلا على أن «حيدر» حطم الرمز الذي كان «الكفار» بمقتضاه يحاربون الإسلام. وقد أبدى بعض الملالي، خاصة أبو القاسم كاشاني، تعاطفا مع النازيين نظرا لكراهيتهم للبريطانيين. فيما كان البعض الآخر، مثل آية الله العظمى محمد حسين بروجردي، يؤمن بأن بريطانيا وألمانيا النازية يمثلان «السيئ»، و«الأسوأ» ومن ثم فإنه كان حريصا على الوقوف إلى جانب أهون الشرين. كما كانت هناك حالة واسعة من التعاطف مع الألمان بين صفوف الجيش الإيراني، حيث كانت الآيديولوجية الآرية تشير إلى أن الألمان والإيرانيين ينتمون إلى العائلة الثقافية العرقية المعروفة باسم العائلة الهندوأوروبية نفسها. وكان أقوى رجلين في الجيش، وهما العمداء زاهدي والشاه بختي، من الموالين الأقوياء لألمانيا.
ومع ذلك فإن المثير للدهشة، هو أن العديد من جماعات النازية الإيرانية أخفقت في جذب الجماهير. فقد كانت إحدى الجماعات التي كان يتزعمها محمد نخشاب، تتكون من عشرات النشطاء، فيما لم يتمكن حزب العمال الاشتراكي المعروف باسم «سومكا»، الذي كان بقيادة داود مونشي زاده أبدا، من أن يصبح تنظيما على مستوى البلاد. ومن جهة أخرى، جذبت نسخة أقل حدة من النظرية الآرية، روج لها حزب «بان إيرانيست»، نسبة من الجماهير ولكن لفترة محدودة.
وعلى النقيض، انجذب عدد كبير من الإيرانيين، على نحو مثير للدهشة، للآيديولوجيات اليسارية، خاصة نسخة الاتحاد السوفياتي من الشيوعية، حيث أصبح حزب توده الإيراني، الذي أنشئ في أعقاب الغزو السوفياتي لإيران في عام 1941، حركة شعبية حقيقية. وفي مرحلة ما، كان الحزب والتنظيمات التابعة له ينشر نحو 11 صحيفة يومية ويهيمن على المشهد النخبوي الإيراني. وفي ذروة نشاطه، كان يزعم أن لديه نحو 50 ألفا من حاملي بطاقات العضوية.
وبحلول عام 1944، أصبح واضحا، أن دول المحور بقيادة ألمانيا سوف تخسر الحرب، وهو ما يعني نهاية التهديد الذي تمثله النازية بالنسبة للمصالح البريطانية في إيران. ومع ذلك، ظل التهديد الشيوعي، الذي كان الاتحاد السوفياتي يعززه، قائما. فقد كانت كل من بريطانيا وروسيا تتصارعان على الهيمنة في إيران منذ القرن التاسع عشر، وقد توقف هذا النزاع لفترة قصيرة أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، عندما اضطرتا للتحالف معا. ومع اقتراب انتهاء الحرب، كان من المؤكد أن روسيا سوف تسعى، مرة أخرى، لتحقيق حلمها في الوصول إلى «المياه الدافئة»، من خلال الهيمنة إن لم يكن ضم الدولة الإيرانية الضعيفة. هل كانت هناك قوى إيرانية يمكنها مقاومة مثل تلك النتيجة؟
حتى قبل انتهاء الحرب، طرح السفير البريطاني، السير ريدر بولارد، المعروف بمعاداته الشديدة لإيران، والمؤرخة آن لامبتون ذلك السؤال. وكان كلاهما مقتنعا بأن الاعتماد على القومية الإيرانية أمر شبه مستحيل. فقد كانت نسختهم الآرية، التي كان مفكرون من أمثال کاظم‌ زاده ایرانشهر، يعبرون عنها، معادية تماما لبريطانيا، وتميل للثأر التاريخي. وفي نسختها الأقل حدة، والتي كان يمثلها أشخاص مثل الشاعر الشهير، محمد تقي بهار، كانت تميل للانحياز إلى السوفيات في مواجهة الإمبريالية البريطانية.
ولم يكن كل من بولارد ولامبتون مخطئين في النظر إلى الشيوعية باعتبارها تهديدا خطيرا للنفوذ البريطاني في إيران. فقد كان حزب توده يلقى رواجا بين طوائف المجتمع المدني الإيراني كافة. وكان العديد من المثقفين إما أعضاء فعليين فيه أو متعاطفين معه. والأهم من ذلك، هو أن تودة كان يجذب حتى قطاعا من رجال الدين الشيعة، بما في ذلك بعض الملالي ذوو الشعبية، مثل مصطفى لنكوراني وعلي أكبر البرقعي. وفي عام 1945، فاز حزب توده بمكانة أعلى، بعدما شارك في الحكومة الائتلافية بثلاثة وزراء. وكانت لامبتون تؤمن بأن الإيرانيين لن يتمكنوا من تطوير آيديولوجيا قومية قادرة على مقاومة تحديات الشيوعية، والحفاظ على مصالح بريطانيا، وأن أي شكل من أشكال القومية الإيرانية العلمانية، سوف يصبح مناهضا لبريطانيا. وكان الخيار الوحيد الباقي، هو ترويج «الحل الإسلامي» لإيران. وأصبح ذلك موضوع البحث الذي نشرته لامبتون بعد انتهاء الحرب. في هذا البحث، طورت فكرة حكم السلطة الدينية، وهو المفهوم الموجود في الشيعية تحت عنوان «ولاية الفقيه»، ولكنه يفتقر للدلالة السياسية. وتحدثت عن وضع الأفراد المعرضين للخطر، مثل الأرامل والأيتام، تحت رعاية رجل دين محل ثقة ليحميهم من أي شخص يحاول استغلال وضعهم. وعلى الرغم من أن لامبتون كانت أول شخص يحاول ترجمة تطبيق «ولاية الفقيه» إلى مصطلحات سياسية، طور الإخوان المسلمون في مصر، أيضا، معتقداتهم السياسية إلى حكومة دينية.
فهل يمكن جمع التجربتين المصرية والإيرانية معا وتطوير آيديولوجيا إسلامية جديدة قادرة على مواجهة تحديات العلمانية من خلال آيديولوجيا مناهضة للإمبريالية؟
حاول شاب طموح من أصفهان، تقديم إجابة على هذا السؤال، وهو مجتبى مير لوحي، الذي سيصبح مؤسس النسخة الإيرانية من الإخوان المسلمين ثم بعد ذلك بعقود، الأب الروحي للجمهورية الإسلامية التي أسسها آية الله روح الله الخميني.



«الحرب نائمة فلا توقظوها»... نصفُ قرنٍ على «نيسان» لبنان

0 seconds of 11 minutes, 10 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
11:10
11:10
 
TT
20

«الحرب نائمة فلا توقظوها»... نصفُ قرنٍ على «نيسان» لبنان

«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)
«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)

انقضى نصف قرنٍ على ما قيل إنها الشرارة الأولى للحرب الأهلية في لبنان، حادثة «بوسطة عين الرمّانة». يحلو للبعض الظن أن القلوب ما عادت ملآنة، فيما يخشى البعض الآخر من أن تكون «الحرب نائمة تحت الوسائد». لكن المؤكّد أن البوسطة التي أُطلق عليها الرصاص في 13 أبريل (نيسان) 1975 استحالت صدأً.

«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)
«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)

ظهيرة ذلك الأحد المشمس، تعرّضت حافلة تقلّ مجموعة من منظّمة التحرير الفلسطينية لإطلاق نار من عناصر حزب الكتائب في منطقة عين الرمّانة ذات الغالبية المسيحية. سقط 27 شخصاً من أصل 30 كانوا يستقلّون الحافلة. وكان قد سبق ذلك وفي اليوم والمكان نفسَيهما، إطلاق نار استهدف مرافقي مؤسس حزب الكتائب بيار الجميّل، مما أدّى إلى مقتل عددٍ منهم. وحُكي أنّ الهدف الأساسيّ كان اغتيال الجميّل نفسه.

حتى اليوم، ما زالت الآراء والمعلومات متضاربة بين الطرفين بشأن خلفيات الحادثة ونتائجها. غير أنّ التاريخ الحديث يعتبرها النقطة المفصليّة التي أطلقت صفّارة الحرب في لبنان، وكل ما تلاها من دويّ وحطام ودماء.

في الذكرى الخمسين لـ«13 نيسان»، تعود «الشرق الأوسط» إلى ذلك اليوم الدامي، فتستضيف مجموعةً ممّن شهدوا عليه. بعضهم وقف على جبهة القتال، ومنهم من حاول إخماد النار، ومنهم مَن وثَّق بعينَيه وذاكرته وندوبِه.

أين كنت في ذلك اليوم، وما كان تمَوضعك السياسيّ؟ وهل تعلَّم اللبنانيون درس الحرب الأهلية؟ سؤالان طرحناهما على ضيوفنا الشهود والآتين من عوالم السياسة، والثقافة، والتعليم، والحقوق، والإعلام.

ياسمين (نانو) جمهوري – مقاتلة سابقة ومسؤولة حالية في حزب الكتائب

تتذكّر ياسمين جمهوري ذلك اليوم بوضوح. «كنّا متّجهين إلى المطار لإيصال والدي الذي كان مسافراً، وفي الطريق لاحظنا انتشاراً عسكرياً فلسطينياً». كانت رئيسة قسم بعبدا الكتائبيّ، والمعروفة بـ«نانو»، في الـ13 آنذاك. رغم سنّها الصغير، كانت قد انتسبت للحزب المسيحيّ، «بما أنّ الانتماء الكتائبي في بيتنا يسري في العروق أباً عن جدّ، وأماً عن جدّة».

ياسمين «نانو» جمهوري بالزيّ العسكري في مطلع الثمانينيات (أرشيف جمهوري)
ياسمين «نانو» جمهوري بالزيّ العسكري في مطلع الثمانينيات (أرشيف جمهوري)

عادت العائلة من المطار إلى البيت حيث سمعت خبر استهداف «البوسطة» عبر الراديو. تروي جمهوري: «لم أتفاجأ كثيراً لأننا كنا نلاحظ تحركات مريبة في المنطقة. لكن لم أفهم شيئاً كفتاة في الـ13 من عمري». كل ما تعرفه أنها وخلال أيام، حملت البندقية هي وفتيات أخريات ووقفن لحراسة مراكز الحزب، «فيما الشباب يقاتلون على الجبهات».

خضعت «نانو» لتدريبات عسكرية وشاركت في معركة كفرشيما، ثم تمركزت على المدفعيّة في الـ19 من عمرها خلال معركة زحلة. حدث ذلك بالتزامن مع تخصصها في إدارة الأعمال المعلوماتيّة في الجامعة اليسوعية. «كنّا الجبهة المساندة للشباب في منطقة عيون السيمان، نحضّر ملابسهم وطعامهم ونقوم بالحراسة ليلاً». وتضيف جمهوري: «كل ما قمت به كان انطلاقاً من إيماني بلبنان وتجذّري بأرضه. لم أندم يوماً، وإذا اقتضى الأمر فسأحمل السلاح من جديد». لكنها في المقابل تؤكّد أنها من الجيل الذي تعلّم دروس الحرب، «أما بعض القادة السياسيين فلم يفعل».

«ما زلت أبكي كلما ذكرت اسم رفيقي منير الذي استُشهد عندما كنا في الـ14 من العمر» - ياسمين جمهوري
«ما زلت أبكي كلما ذكرت اسم رفيقي منير الذي استُشهد عندما كنا في الـ14 من العمر» - ياسمين جمهوري

أسعد الشفتري - مسؤول أمني سابق في حزبَي الكتائب والقوات ونائب رئيس جمعية «محاربون من أجل السلام»

في 13 أبريل 1975، كان أسعد الشفتري طالب هندسة في الـ20 من عمره يجلس إلى مائدة الغداء مع أهله في بيتهم في بيروت. «رنّ جرس الهاتف وجاء صوت الرفيق في حزب الكتائب سليم صادر لينبئني بما حصل». توجّه الشفتري فوراً إلى مركز الحزب، وبدأت رحلة تجهيز شبكة التواصل والتنصّت الخاصة بالحزب. يروي مستذكراً: «بعد الحادثة، انطلقت إلى منطقة فرن الشباك المحاذية لعين الرمانة، حيث ركّبت أول جهاز لا سلكي على سطح أحد المباني.»

أسعد الشفتري بالزيّ الحربي وفي لقطة مع الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميّل (أرشيف الشفتري)
أسعد الشفتري بالزيّ الحربي وفي لقطة مع الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميّل (أرشيف الشفتري)

كانت تلك من بين أولى المهمات، التي تلاها ما هو أصعب وأكثر تعقيداً، إذ أصبح الشفتري أحد الرؤوس الأمنية في حزب الكتائب، ولاحقاً في القوات اللبنانية. أسأله عن أفظع ما رأى خلال تلك المرحلة فيجيب: «كانت مجموعة من مقاتلي حزب الكتائب متّجهة إلى إحدى مناطق التماس في بيروت. جهّزتهم بالأدوات اللاسلكية للتواصل معنا، ثم لمحت الموت في عيون اثنين منهم. هذان الشابان لم يعودا أبداً من المهمة. شعرت بذنبٍ ما زال يرافقني حتى اللحظة».

يحاول الشفتري محو هذا الذنب «بتأسيس حياة أفضل للأجيال اللاحقة كي لا يخوضوا هذه الحروب»، وفق تعبيره. يبوح بأنه «نادم على ارتكابات كثيرة»، لكنه راضٍ عن واقعه الجديد: «أنا الآن متسامح، ولديّ قناعة بأنّ العنف لا يؤدّي إلى حلول». برأيه، فإنّ «اللبنانيين لم يتعلموا الدرس لأن السلطة لم تؤسس لعدالة انتقالية تأخذنا من الحرب إلى السلام».

يكرّس أسعد الشفتري وقته منذ ربع قرن لإعادة بناء السلام من خلال ورش تدريبية ومحاضرات
يكرّس أسعد الشفتري وقته منذ ربع قرن لإعادة بناء السلام من خلال ورش تدريبية ومحاضرات

زياد صعب - مقاتل سابق في الحزب الشيوعي ورئيس جمعية «محاربون من أجل السلام»

لم يُسمع أزيز رصاص عين الرمانة في منطقة برج حمّود، حيث كان يمضي زياد صعب ظهيرة الأحد على سطح منزله. كان على العنصر الشاب في الحزب الشيوعي أن ينتظر زيارة رفيقٍ له حتى يخبره بما حدث. يروي لـ«الشرق الأوسط»: «كنت في الـ16 ومتعطشاً للقتال. وفور سماعي الخبر سألت متى ننطلق». يتابع صعب: «جمعت الشباب وذهبنا إلى أحد المنازل القريبة، وجهّزنا السلاح المخبأً هناك».

كانت لديه ثقة قائد ميدانيّ، بينما مَن في سنّه جالسون إلى مقاعد الدراسة. «لم تكن هناك مدرسة ثانوية في منطقتنا. ظننّا أن العلم ممنوع علينا، ولم نجد سوى العنف بديلاً عن العلم كوسيلة للتغيير. وعندما فُتحت لنا مدرسة وصرت مسؤولاً عن شؤون الطلاب، كانت الحرب قد اندلعت فانتقل التلاميذ من الصفوف إلى الجبهات».

زياد صعب على الجبهة في منطقة الرميلة (أرشيفه الخاص)
زياد صعب على الجبهة في منطقة الرميلة (أرشيفه الخاص)

ما زال مشهد «الجثة الأولى» عالقاً في ذاكرته: «حدث ذلك في يونيو (حزيران) 1975. كان صديقاً من عمري... اختفى قبل أيام، وذهبت للبحث عنه في منطقة سن الفيل فوجدته جثة ملقاة أرضاً، بعد أن تعرّضت للتعذيب والتشويه».

يندم على 15 سنة أمضاها محارباً، ويتأسف على لبنانيين تعلموا الدرس لكنهم لا يقومون بأي فعلٍ من أجل التغيير. أما هو فيحاول التعويض من خلال جمعية «محاربون من أجل السلام». أسسها إلى جانب محاربين قدامى من الأحزاب التي كانت متناحرة خلال الحرب. جمع زياد صعب أعداء الجبهات فباتوا رفاق السِلم.

أسس زياد صعب مع عدد من المحاربين القدامى جمعية «محاربون من أجل السلام»
أسس زياد صعب مع عدد من المحاربين القدامى جمعية «محاربون من أجل السلام»

فؤاد السنيورة - الرئيس السابق للحكومة اللبنانية

في 13 أبريل 1975 كان فؤاد السنيورة في بيته في صيدا، ولم يعلم بالحادثة التي وقعت ظهراً سوى في المساء. «كان حدثاً جللاً خصوصاً أنه كان قتلاً متعمداً»، يقول الرئيس السابق للحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: «لكننا لم نتصور أن تنجرف الأمور بعده إلى ما هو أدهى بكثير».

لطالما كان هوى السنيورة عروبياً، لكنه في تلك الآونة لم يكن منضوياً تحت لواء أي حزب: «كنت قد انسحبت من حركة القوميين العرب في منتصف الستينيات». تفرّغ للأنشطة الثقافية والتدريس. وفي أحد أيام خريف 1975، وفيما كان يقود سيارته برفقة زميله الأستاذ الجامعيّ د. حسن صعب من شارع بلِس إلى منطقة القنطاري، حصل ما لن ينساه مدى العمر.

الرئيس فؤاد السنيورة يتلو الفاتحة على ضريح الرئيس رفيق الحريري (موقعه الرسمي)
الرئيس فؤاد السنيورة يتلو الفاتحة على ضريح الرئيس رفيق الحريري (موقعه الرسمي)

يروي السنيورة: «كانت نافذة السيارة مفتوحة فسمعت صوتاً ينادي: وقّف... وقّف. تبيّن أن هناك حاجزاً لمسلّحين من حزب الكتائب. خرج من خلف «الدشمة» شخص ملثّم ومسلّح وقال: «يا دكتور حسن كنت رح قوّسكن لو ما عرفتك... أنت استاذي بالجامعة. الله معكن». تركت تلك الحادثة أثراً كبيراً في نفسه، خصوصاً أنها «كانت مؤشّراً إلى انضمام جيل كامل من الشباب للحرب الأهلية».

اليوم، وبعد 50 عاماً على تلك اللحظة، يرى السنيورة أن «ثمة لبنانيين استخلصوا العِبَر من الحرب ومنهم مَن لم يفعل». لكن المؤكّد في نظره، هو أنّ «المجتمع اللبناني ما عاد راغباً في خوض حروبٍ أهلية بعد الآن، والدليل احتضانه بعضاً لبعض خلال العدوان الإسرائيلي الأخير».

السنيورة في مظاهرة 14 مارس 2005 (موقعه الرسمي)
السنيورة في مظاهرة 14 مارس 2005 (موقعه الرسمي)

أكرم شهيّب - قياديّ في الحزب التقدّمي الاشتراكي، نائب حالي ووزير سابق

لم يكن أكرم شهيّب قد انتسب بعد إلى الحزب التقدّمي الاشتراكي، يوم وردَ إلى دارة أهله في عاليه نبأ بوسطة عين الرمانة. كان الشاب منخرطاً في مجال التعليم بعد أن استكمل دراسته في جامعة القاهرة، غير أنّ الهوى السياسيّ في البيت كان اشتراكياً، و«كمال جنبلاط القامة الوطنية والمرجع».

يخبر شهيّب أن الخبر لم يفاجئه كثيراً حينها، «لأنّي كنتُ في جوّ الاستنفار النفسي الحاصل في معظم المناطق اللبنانية». يتابع: «صحيح أن بوسطة عين الرمانة كانت الشرارة الأولى، لكن لو لم تندلع في عين الرمانة لاندلعت في مكان آخر. الأوضاع الإقليمية والمحلية كانت ستفرض الحرب عاجلاً أم آجلاً».

النائب والوزير السابق أكرم شهيّب (أرشيفه الخاص)
النائب والوزير السابق أكرم شهيّب (أرشيفه الخاص)

من السنوات الدامية تلك، أكثر ما يؤلم أكرم شهيّب «رفاقٌ أصيبوا في الحرب وما زالوا على الكرسي المتحرك حتى اليوم. الظلم الذي تعرضوا له يحزّ في نفسي. هذا مشهد من الحاضر يذكّرنا يومياً بمأساة الماضي».

لا يندم الرجل، الذي خاض الحرب والسِلم إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط، على شيء قام به. «كنت أسعى في مراحل للدفاع عن النفس، هذا كان دوري وكنت مثل الجميع أعتبر أنني كنت على حق والآخر على خطأ».

يعتبر شهيّب أنّ «مصالحة الجبل» عام 2000، والتي بادر إليها وليد جنبلاط والبطريرك صفير «وضعت اللبنة الأساسية لتضميد الجراح». يبدو مطمئناً إلى أن اللبنانيين تعلّموا الدرس، لكنّ «غليان المنطقة» يقلقه لأنه «ينذر بما هو أصعب».

شهيّب برفقة وليد جنبلاط في مطلع الثمانينيات (أرشيفه الخاص)
شهيّب برفقة وليد جنبلاط في مطلع الثمانينيات (أرشيفه الخاص)

إلياس عطا الله - قيادي سابق في الحزب الشيوعي، أمين سر حركة اليسار الديمقراطي ونائب سابق

عقب حادثة بوسطة عين الرمانة، لم يكن الياس عطا الله يتوقّع أنّ «تتدهور الأمور إلى هذا الحدّ وأن تكون تلك مقدّمة لحرب أهلية». يخبر «الشرق الأوسط» أنه كان حينها في الـ28 من عمره ورئيس فرع كلية التربية في الجامعة اللبنانية في اتحاد الشباب الديمقراطي.

«في أحد الأيام، وفيما كنت متّجهاً سيراً على الأقدام إلى الجامعة سمعت قصفاً للطيران، وكنت في نقطة قريبة من المدينة الرياضية. بالنسبة لي، كان هذا المشهد بداية الحرب في لبنان»، يروي إلياس عطا الله.

إلياس عطا الله متوسطاً إحدى المظاهرات في بيروت في السبعينيات (أرشيفه الخاص)
إلياس عطا الله متوسطاً إحدى المظاهرات في بيروت في السبعينيات (أرشيفه الخاص)

أمّا الصورة التي لا تُمحى من مخيّلته فسُجّلت في نهاية 1975: «كنت في مهمة حزبية في منطقة حيّ السلّم عندما رأيت كتبَ مكتبة جامعتي مرميّةً في الوحل أرضاً... سُرقت من الجامعة ورُميت مع كراسٍ وصحون محطّمة». يتابع عطا الله: «لا شيء آلمَني بقدر ما فعل هذا المشهد، خصوصاً أنني شاركت في تجهيز جزء من تلك المكتبة».

مع أنه لم يحارب ولم يطلق النار وفق ما يؤكّد، بل كان منسّق عمليات جبهة المقاومة الوطنية، غير أنّ إلياس عطا الله «نادم على التكيّف مع الحرب، وعلى مساري فيها». يضيف متأسفاً: «ذاك لم يكن أنا، بل شخص آخر». وبعد، هو يستبعد أن تكون الحرب قد انتهت في أذهان اللبنانيين، «لا سيّما أن الوعي الجماعي معتاد على الفساد والكسل».

إلياس عطا الله والكاتب إلياس خوري يوم اغتيال الصحافي سمير قصير (أ.ف.ب)
إلياس عطا الله والكاتب إلياس خوري يوم اغتيال الصحافي سمير قصير (أ.ف.ب)

رشيد درباس - وزير سابق ونقيب المحامين في طرابلس سابقاً

في الحقبة التي شهدت اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كان ابنُ طرابلس الوزير السابق رشيد درباس يجاهر بهواه الفلسطيني وبانتمائه للحركة الوطنية اللبنانية.

كان في بغداد يوم 13 أبريل 1975 مشاركاً في مؤتمر اتحاد المحامين العرب. ولدى عودته بعد أيام سالكاً الطريق البحري بالتاكسي من مرفأ بيروت إلى عاصمة الشمال، لم يلحظ ما يقلقه أو ينبئه بتدهور الأوضاع.

تولّى رشيد درباس وزارة الشؤون الاجتماعية ما بين 2014 و2016 (موقع رئاسة الحكومة اللبنانية)
تولّى رشيد درباس وزارة الشؤون الاجتماعية ما بين 2014 و2016 (موقع رئاسة الحكومة اللبنانية)

لكن ما لم يكن في الحسبان حصل، وامتدّ النزيف إلى طرابلس حيث اختبر درباس الحرب على طريقته. هو الفلسطينيّ العروبيّ الهوى سرعان ما أصابه الخذلان. يبوح لـ«الشرق الأوسط»: «أندم لأنني انغمست إلى أذنيّ، ليس قتالاً، إنما التصاقاً بالحركة الوطنية والقيادات الفلسطينية. أصابتني اليقظة يوم حوصر مرفأ طرابلس من الزوارق السورية، فتبيّن لي أن المقاومة الوطنية ليست خطاً واحداً كما كنت أظنّ، وأنّ الجيش السوري بات رديفاً للقوى اليمينية التي كنا نحارب»، يتابع: «لديّ الشجاعة اليوم لأقول إنني لم أكن متبصّراً».

رشيد درباس مصافحاً وليد جنبلاط (أرشيفه الخاص)
رشيد درباس مصافحاً وليد جنبلاط (أرشيفه الخاص)

اختبر درباس محاولات القتل والخطف، مما اضطرّه إلى السفر إلى قبرص عام 1977 والابتعاد عن عائلته؛ «لم أشارك في جنازة أبي الذي توفّي في غيابي وما زال هذا الجرح في قلبي. طعنتني كذلك خسارة عدد كبير من الأصدقاء شهداءَ في تلك الحرب».

وفق درباس، فإنّ «اللبنانيين تعلموا الدرس لكن القوى السياسية لم تتخلص من ارتباطاتها الخارجية».

مي كحّالة - صحافية وأول مستشارة إعلامية لرئاسة الجمهورية اللبنانية

كانت مي كحّالة تمضي ذاك الأحد المشمس مع عائلتها في بيتهم الجبليّ. «سمعنا بأنّ أمراً ما حدث في عين الرمانة، فعدنا أدراجنا إلى منزلنا في سن الفيل شرقي بيروت. شاهدنا على طريق العودة وعلى مقربة من المنزل حواجز فلسطينية. لكن ليس سوى مساءً حتى عرفنا التفاصيل عبر إذاعة مونتي كارلو، ولم ننم في تلك الليلة من أزيز الرصاص».

تخبر الإعلامية والمستشارة الإعلامية السابقة لرئاسة الجمهورية: «ربيت في بيت لا انتماء سياسياً لديه، لذا لم أستوعب ما يجري، إلى أن بدأت القوى الفلسطينية المحيطة بالبيت تتحرّك. أقفلت طرقات كثيرة وصار التنقّل صعباً. عشت قلقاً كبيراً لكني كنت أعتقد دائماً أنها مرحلة وستمرّ».

مي كحالة أول مستشارة إعلامية لرئاسة الجمهورية برفقة الرئيس الراحل إلياس الهراوي (أرشيفها الخاص)
مي كحالة أول مستشارة إعلامية لرئاسة الجمهورية برفقة الرئيس الراحل إلياس الهراوي (أرشيفها الخاص)

من البيت المسالم مباشرةً إلى الميدان، انتقلت كحّالة مراسلةً حربيّة لصحيفة «النهار»؛ «كان الاتّكال على الصحافيات الإناث أكثر في تلك المهمات حينذاك، بما أنّ الذكور كانوا عرضةً للخطف والقتل على الهوية. خاطرتُ كثيراً، وأكبر مخاطرة كانت محاولة العبور إلى الجنوب لتغطية الاجتياح الإسرائيلي. هناك، علقنا بين نار القنص الإسرائيلي والجهات التي كانت تردّ عليه».

أما أفظع مشهد فهكذا سجّلته ذاكرتها: «كنت أعبر من منطقة المتحف باتجاه المحكمة العسكرية حيث تنتظرني سيارة من الجريدة. رأيتُ جندياً مختبئاً خلف دبّابته ويومئ لي من البعيد بأن أركض. ركضت فوجدت جثة أرضاً وتجمّدت بدل أن أهرب من القنص. ما زلت أذكر وجه الرجل المقتول حتى الآن...».

تأسف كحّالة لأن اللبنانيين لم يتعلموا الدرس، «فهم ما زالوا يتقاتلون ثم يعودون للعيش معاً».

«لم يتعلّم اللبنانيون درس الحرب لأنهم ما زالوا يتقاتلون ثم يعودون للعيش معاً» - مي كحّالة
«لم يتعلّم اللبنانيون درس الحرب لأنهم ما زالوا يتقاتلون ثم يعودون للعيش معاً» - مي كحّالة

عبد الحليم كركلّا - المؤسّس والمدير الفني لمسرح كركلّا

تركت «الشرارة الأولى» للحرب الأهلية ندوباً عميقة في جسد فرقة «كركلّا» للرقص. يروي مؤسّس المسرح العريق، عبد الحليم كركلّا، لـ«الشرق الأوسط» كيف انهمر الرصاص على سيارات الراقصين أثناء عودتهم من افتتاح مسرحية «غرائب العجائب وعجائب الغرائب» في 13 أبريل 1975.

«13 نيسان» 1975 افتتاح مسرحية «غرائب العجائب وعجائب الغرائب» في قصر الأونيسكو في بيروت (أرشيف مسرح كركلّا)
«13 نيسان» 1975 افتتاح مسرحية «غرائب العجائب وعجائب الغرائب» في قصر الأونيسكو في بيروت (أرشيف مسرح كركلّا)

بغصّةٍ ما زالت ترافقه حتى اليوم، يقول كركلّا: «طال الرصاص عدداً من الراقصين مما أدّى إلى إصابة نجمة الفرقة أميرة ماجد بالشلل، كما اخترقت رصاصة جسد ملكة جمال لبنان مارسيل حرّو التي كانت معنا».

لكن التحدّي الأكبر بالنسبة إلى كركلّا كان «الحفاظ على تركيبة الفرقة كي لا تتفرّق كما تفرّق لبنان، خصوصاً أنّها تعكس صورة الوطن المتنوّع». يتابع: «صرنا نهرب من الأماكن الخطرة إلى الأماكن الآمنة. من بيروت إلى جونية». لم يتوقف المسرح خلال الحرب اللبنانية لا في الداخل ولا في الخارج. «وعندما بدأت القذائف تطال مركزنا في جونية، انتقلنا إلى طرابلس. ومن طرابلس إلى بعلبك حيث تابعت الفرقة تدريباتها. ثم من بعلبك إلى الشوف بدعوة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط».

عبد الحليم كركلّا ووليد جنبلاط في قصر المختارة (أرشيف مسرح كركلّا)
عبد الحليم كركلّا ووليد جنبلاط في قصر المختارة (أرشيف مسرح كركلّا)

أما أفظع مشهد عالق في ذاكرة كركلّا، فهو انهمار القنابل والقذائف حول سيارات الفرقة، خلال انتقالها «من المكان الذي كنا نظنه آمناً إلى مكان أكثر أماناً»، وفق تعبيره. هو الذي استطاع الحفاظ على الفرقة وعروضها حتى في أعتى أيام الحرب، يرجو أن «يكون اللبنانيون قد تعلموا الدرس لأنهم يحبون الازدهار والثقافة والحرية».

«أفظع مشاهد الحرب كان انهمار القنابل والقذائف حول الفرقة خلال تنقّلاتها» عبد الحليم كركلّا
«أفظع مشاهد الحرب كان انهمار القنابل والقذائف حول الفرقة خلال تنقّلاتها» عبد الحليم كركلّا

عصام خليفة - مؤرّخ وباحث أكاديمي وأستاذ جامعي وناشط نقابي

«بوسطة» من نوعٍ آخر استقلّها عصام خليفة في 13 أبريل 1975، فأستاذ التاريخ في ثانوية البترون كان يرافق طلّابه في رحلة إلى البقاع والليطاني. «في طريق العودة، عبرنا صيدا وبيروت من دون أن ندري بما حدث. وصلنا مساءً لنجد الأهالي متجمهرين ينتظرون أولادهم بقلق، وهناك اكتشفنا ما حدث. كان الجو محتقناً فلم أتفاجأ كثيراً بالخبر».

كان خليفة قد أسس «حركة الوعي» التي نشأت من قلب الجامعة اللبنانية. يشرح: «كنا مع عدالة القضية الفلسطينية لكن رفضنا التدخل الفلسطيني بالشأن اللبناني، خصوصاً التمدد العسكري على حساب السيادة. كنا متمايزين عن اليسار واليمين اللبنانيَين».

أفظع ما شاهد وما زال محفوراً في ذاكرته حصل فيما كان يدرّس في بيروت: «كنت عائداً إلى شقّتي بعد الدوام، حاولت فتح الباب فلم أفلح. فتحت الباب امرأة تحمل بندقية وسألتني: (من أنت). أنا الذي لم أحمل السلاح يوماً، أجبتها بأني صاحب الشقة فقالت: (إذا عدت إلى هنا ستموت)».

يتابع خليفة: «في تلك الآونة، حاولنا من خلال مجموعات وحركات ثقافية تغييرية أن نجمع الناس من كل الأطراف لتتحاور ضد الحرب والعنف. نظمنا تظاهرات نقابية وثقافية وحاولنا إزالة السواتر الفاصلة بين «شرقية» و«غربية». ناضلت من أجل السلام لذلك لا أندم على شيء. لكن لو تعلّم اللبنانيون الدرس من الحرب لما راهنوا على الخارج حتى الآن».

المؤرّخ والباحث الأكاديمي د. عصام خليفة (إكس)
المؤرّخ والباحث الأكاديمي د. عصام خليفة (إكس)

علويّة صبح - كاتبة وصحافية لبنانية

تخبر الروائية والصحافية اللبنانية علويّة صبح أنها في 13 أبريل 1975، كانت في منزل ذويها في منطقة السبتيّة شرقي بيروت. كانت حينها طالبةً جامعيّة يساريّة الهوى، تتخصص في الأدبَين العربي والإنجليزي. «كنت أؤمن بالعلمنة وبنظام مدني، وافترضت أن الحزب الشيوعي والحركة الوطنية هدفهما ذلك. لكن لاحقاً تملّكتني خيبة وانزويت وابتعدت».

لم تكن تعرف حينها أنّ خيبات الحرب ليست عقائديّة فحسب، بل قد تتحوّل في أي لحظة إلى صدماتٍ ترافق المرء مدى العمر. تقول إنها لا تزال تكتب عن الحرب كي تمحوها من ذاكرتها الشخصية.

بطاقة الانتساب إلى الجامعة اللبنانية الخاصة بعلويّة صبح (أرشيفها الخاص)
بطاقة الانتساب إلى الجامعة اللبنانية الخاصة بعلويّة صبح (أرشيفها الخاص)

ما لم تستطع محوه حتى اللحظة هو هذا المشهد: «سمعتُ نداءاتٍ في منطقة برج حمّود، حيث كنّا قد انتقلنا، تطلب المساعدة في نقل جثث ضحايا مدنيّين إلى المسجد». تبرّعت علويّة صبح لأداء المهمة، فملأت المقاعد الخلفيّة وسطح سيارتها بالجثث ونقلتهم. «كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها جثة. توهّمت الشجاعة وعندما وصلت إلى البيت أخبرت الحكاية لأهلي بفخر وكأنني بطلة، لكن الكوابيس التي أصابتني تلك الليلة دفعتني إلى الصراخ وأنا نائمة. وما زال هذا المشهد القاسي يلازمني منذ ذلك الحين».

أما أكثر ما يؤلمها اليوم فهو أن أبناء بلدها لم يتعلّموا الدرس، بل احترفوا صناعة الطائفية. تتساءل: كيف يُشفى المجتمع من ندوبه إن لم يقُم أي زعيم بنقدٍ ذاتيّ وظلّ متمسكاً بأنه على صواب وسواه على خطأ؟

«نقلت جثث مدنيين في سيارتي وما زال المشهد يرافقني إلى اليوم» - علويّة صبح
«نقلت جثث مدنيين في سيارتي وما زال المشهد يرافقني إلى اليوم» - علويّة صبح

ندى عبد الصمد - إعلامية لبنانية

يوم تعرّضت «البوسطة» لإطلاق الرصاص، كانت ندى عبد الصمد في الـ10 من العمر. تروي لـ«الشرق الأوسط»: «شعرت بأن أمراً كبيراً حدث لأنّ معارف أهلي بدأوا بالتوافد إلى منزلنا في بيروت. كان والدي منتسباً إلى الحزب الشيوعي، أما والدتي فمنخرطة في لجنة حقوق المرأة في الحزب».

يكرّ شريط الذكريات في رأس الإعلامية اللبنانية: «طريق الذهاب والعودة من وإلى المدرسة تحت القصف. نشوء التنظيمات المسلحة الصغيرة بعد حرب الفنادق، وتَمركُز بعضها تحت بيتنا. أذكر كيف كانوا يشتبكون... مثل «الصاعقة»، و«أبو كوسا» وغيرهما ممّن كان تمويلهم فلسطينياً».

أما أبشع المشاهد فسُجّل يوم السبت الأسود في 6 ديسمبر (كانون الأول) 1975: «رافقت والدي إلى مركز عمله في شركة الكهرباء. وفي الطريق إلى هناك من جهة المرفأ رأينا جثتين، بالتزامن مع بداية المجازر على الهوية...».

الإعلامية اللبنانية ندى عبد الصمد
الإعلامية اللبنانية ندى عبد الصمد

في اعتقاد ندى عبد الصمد، مهّدت حرب الـ75 الدرب لفرزٍ مذهبيّ، «فاتخذت الأحزاب طابعاً طائفياً بعد أن كانت مختلطة ومتنوعة». انطلاقاً من ذلك، فهي ليست مطمئنّة إلى أنّ اللبنانيين تعلّموا درس الحرب، بل تذهب إلى حدّ القول: «أعتقد أنهم قد يكررونها لكن بأشكال ثانية، لا سيّما أنّ لبنان بتركيبته الطائفية يؤسس لحروب مذهبية بسبب المحاصصة القائمة». وتتابع ندى عبد الصمد: «المشكلة هي في أننا ما زلنا ننتج الأشخاص أنفسهم والأنظمة ذاتها».

باترك باز - مصوّر صحفي

«كنت في الـ11 من عمري. أذكر أننا في الأيام التالية للحادثة، وأنا عائد إلى البيت في باص المدرسة، رأيت انتشاراً مسلّحاً في منطقة فرن الشباك المحاذية لعين الرمانة. ما زلت أرى أمام عينيّ أقنعة المسلّحين وهي تغطّي وجوههم». هكذا يتذكّر باتريك باز الأيام التي تلت حادثة عين الرمّانة.

مع الوقت، أراد أن يصبح مثل هؤلاء المسلّحين. يوضح: «كانوا المرجع القوي الوحيد، وكأطفال رغبنا في تقليدهم». لاحقاً، عندما اتّسع وجود مسلّحي الكتائب وصار تحت بيت باز في منطقة التباريس، بات المقاتلون يلعبون كرة القدم مع أطفال الحيّ. «مشهد لا أنساه من تلك الفترة ولعلّه أفظع ما شهدت: أحد هؤلاء الشبان شاركَنا اللعب ثم اتجه صوب الجبهة ليعود من جديد، إنما محمّلاً على كتفَي رفيقه».

المصوّر باتريك باز في سن الـ18 (أرشيفه الخاص)
المصوّر باتريك باز في سن الـ18 (أرشيفه الخاص)

من طفلٍ يلاعب الكرة إلى فتىً يحمل السلاح، تحوّل باتريك باز في غضون أشهر. «حملت السلاح لأول مرة في الـ14 من عمري وكنت أذهب إلى المدرسة والمسدّس على خاصرتي تحت القميص. ومع الشبان المقاتلين كنا نتدرب عليه بإطلاق النار على أهداف وهمية».

«سرت الحرب في دمي فقررت أن أعيشها من دون إطلاق النار على أحد» - باتريك باز
«سرت الحرب في دمي فقررت أن أعيشها من دون إطلاق النار على أحد» - باتريك باز

إلّا أنّ الوعي الذي اكتسبه بعد خروجه من لبنان لسنتَين خلال الحرب، ساهم في تغيير سلوكه. «من جبهة القتال انتقلت إلى جبهة التصوير واستبدلت بالرشّاش الكاميرا في سن الـ18. عبر العدسة أردت أن أعيش الحرب من دون أن أطلق النار على أحد»، يقول باز.