الهند ولعبة التوازنات بين روسيا والولايات المتحدة

العلاقات مع واشنطن تعكس طموحاً... والروابط مع موسكو حقيقة صعبة

تيلرسون قبل توجهه إلى دلهي مع رئيس الوزراء الباكستاني في إسلام آباد (أ.ب)
تيلرسون قبل توجهه إلى دلهي مع رئيس الوزراء الباكستاني في إسلام آباد (أ.ب)
TT

الهند ولعبة التوازنات بين روسيا والولايات المتحدة

تيلرسون قبل توجهه إلى دلهي مع رئيس الوزراء الباكستاني في إسلام آباد (أ.ب)
تيلرسون قبل توجهه إلى دلهي مع رئيس الوزراء الباكستاني في إسلام آباد (أ.ب)

لا يحدث كل يوم أن يلقي وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خطابا يحدد فيه على الملأ ملامح السياسة الخارجية لإدارة ترمب وأسلوب تعاملها مع جنوب آسيا. لكن هذا بالتحديد ما حدث قبل أيام من زيارته المرتقبة إلى دلهي، حين تطرق إلى أن واشنطن تعقد الآمال على الهند في مواجهة الصين بمنطقة المحيطين الهندي والهادي. ومن المقرر أن يقوم تيلرسون بزيارة إلى نيودلهي الأسبوع المقبل.
ففي الكلمة التي ألقاها في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأبحاث» بواشنطن، أعلن تيلرسون أن العلاقات الوثيقة مع الهند ستمثل أولوية للولايات المتحدة على مدار المائة عام المقبلة. فبعدما كانا ديمقراطيتين متباعدتين في زمن الحرب الباردة، اليوم أصبحت الهند والولايات المتحدة، وفق تيلرسون، «تمثلان ضفتي الاستقرار على جانبي العالم بدفاعهما عن الأمن والرخاء لمواطنيهما وللناس بمختلف أنحاء العالم». وقال باراث غوبالسوامي، الذي يعمل لدى «ذا أتلانتك كاونسل» (أو المركز الأطلسي) بواشنطن في تعليقات لـ«نشرة السياسة الخارجية»: «أعتقد أنه (خطاب حب)، فهو يشير إلى شراكة بالغة القوة».
كذلك تناولت كلمات تيلرسون الصين التي تعد المنافس الاستراتيجي للهند، وتحديدا مشروع بكين الأكبر الذي يحمل اسم «حزام واحد وطريق واحد» والمقرر أن يستوعب استثمارات ضخمة في وسط وجنوب آسيا لربط الصين بأوروبا عن طريق البر والبحر. وبحسب أنكيتت باندا الذي يكتب بمجلة «ديبلومات»، التي تتخذ من لندن مقرا لها، فهذه «المرة الأولى التي بدأنا نرى فيها بصيص ضوء لاستراتيجية آسيا من إدارة ترمب، القائمة على مواجهة مبادرة (حزام واحد)، التي شرعت الصين في تنفيذها منذ 4 سنوات. فنيودلهي تتابع الأمر مع واشنطن. وعلينا أن نتذكر أن التصريح المشترك الذي صدر عن ترمب ورئيس الوزراء الهندي مودي الصيف الحالي تضمن رفضا ضمنيا للمبادرة الصينية».
ومن المهم هنا أن نذكر أن سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، ذكرت منذ أيام معدودة أن الهند بمقدورها مساعدة الولايات المتحدة في مراقبة باكستان، لأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي حكومة تدعم الإرهاب.

- الهند تقترب من روسيا أيضاً
وفي إشارة سياسية قوية إلى أن العلاقات الثنائية بين الهند وروسيا حاليا أقوى من أي وقت مضى، فقد شرعت روسيا في تنفيذ أول تدريباتها العسكرية المشتركة التي تضم قواتها البرية والبحرية والجوية، مع الهند، في مناورات بدأت الأسبوع الماضي وتستمر 11 يوما في 3 مواقع داخل وحول مدينة فولدفوسيك الروسية المتاخمة للصين. وصرح السفير الروسي لدى الهند أليكساندر كداكين، بأن روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي منحت الهند غواصة نووية. لكن لماذا تستمر الهند في احتضان روسيا رغم أن الولايات المتحدة تقف في صفها؟
يقول الخبراء إن الهند تريد أن توازن علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة وروسيا. ففي السنوات الأخيرة، تقاربت الهند مع الولايات المتحدة واليابان، ويقال إن الهند رفعت من معدل واردات الأسلحة الأميركية وإنها جعلت الولايات المتحدة تحل محل روسيا، بوصفها أكبر مورد لأسلحتها. وتساءل البعض في الهند عما إذا كانت العلاقات بين نيودلهي وواشنطن قد تمثل خطرا على العلاقات بين نيودلهي وموسكو. فالهند تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال التدريبات المشتركة مع روسيا. ومع زيادة حدة التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا، فالهند تعد الهدف المشترك الذي يسعى هذان القطبان إلى كسب وده. فالولايات المتحدة واليابان عملا على تعزيز التعاون مع الهند في مجال الأمن البحري، وكذلك ساهمت التدريبات مع روسيا في تعزيز وجود الهند العسكري في شمال شرقي آسيا. وفي المستقبل ربما يكون للهند مكان في العلاقات مع دول شمال شرقي آسيا، وتقحم نفسها في أزمة كوريا الشمالية النووية.
وقال دبلوماسي هندي طلب عدم ذكر اسمه: «لقد حرصت روسيا على استمرار علاقاتها مع الهند لعقود طويلة، لكن الولايات المتحدة هي المكان الذي يهاجر إليه الهنود سعيا لحياة أفضل. وهذه هي الطريقة التي ينظر بها الهنود إلى القوتين العظميين؛ الأمر بتلك البساطة».

- دورها في أفغانستان
الهند تعمل أيضا مع واشنطن وموسكو لإعادة الاستقرار إلى أفغانستان، على الرغم من محاولات باكستان عرقلة المشروعات التي تدعمها دلهي. وفي بداية الشهر الحالي، كانت هناك اتصالات هندية - أميركية، وهندية - روسية، بشأن أفغانستان، فوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس والمبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأفغانستان، زمير كابلوف، كلاهما وصل إلى دلهي لاستكشاف أفق التعاون الثنائي والإقليمي بشأن أفغانستان والإجراءات الممكنة لإعادة الاستقرار والأمن في هذه الدولة. كذلك صرح تيلرسون في خطابه بأن الهند وباكستان، مثلا، عنصران مهمان في الجغرافيا السياسية الأفغانية، وكلتاهما أوحت بتغيير في المسار، في اتجاه مخالف لموقف واشنطن التقليدي؛ التغيير الذي يقول إن تحسن العلاقات الهندية - الباكستانية ستكون له نتائجه الإيجابية على أفغانستان.
وبحسب روي تشاودري، الباحث في «مركز الشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية» التابع لـ«جامعة الدفاع الوطنية» الهندية، فقد مثلت الاستراتيجية الأميركية بشأن أفغانستان فرصة للهند. وأضاف تشاودري: «لم يحدث أن تحدث رئيس أميركي سابق عن باكستان بمثل الحدة التي تحدث بها ترمب»، مضيفا: «وللمرة الأولى، فقد دعا رئيس أميركي الهند علانية لأن تلعب دورا أكبر في تنمية اقتصاد أفغانستان، مما يعطي شرعية لنفوذ الهند في تلك الدولة».

- نشاط مودي في العلاقات الخارجية
فضلت حكومة مودي التقارب الودي بين الرئيس ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الفئات الموالية لرئيس الوزراء الهندي تزعم أن التدخل الشخصي النشط لمودي على جبهة العلاقات الخارجية هو السبب وراء تحسن العلاقات الثنائية المتنامية حاليا. وخلال السنوات الثلاث الماضية، قضى مودي 146 يوما خارج البلد؛ زار خلالها 49 دولة، منها 8 دول زارها مرتين، و4 دول 3 مرات، وزار الولايات المتحدة وحدها 5 مرات.
وبمقدور الهند أن تنتعش في ظل علاقات أميركية - روسية فاترة، وكذلك في ظل علاقة دافئة بين ترمب والرئيس الصيني، ما دامت واشنطن لا تطالب الهند بالتوقف عن التقارب مع روسيا.
وصرح باهرات كرناد، أستاذ دراسات الأمن القومي في «مركز الأبحاث السياسية» في دلهي، بأن «العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة تعكس طموحا، فيما تعد الروابط مع روسيا حقيقة صعبة». وأفاد المبعوث الهندي السابق لروسيا كانوال سيبال، بأن أمام الهند تحديا دبلوماسيا يتمثل في المحافظة على التوازن بين علاقاتها مع روسيا ومع الولايات المتحدة. وأفاد سيبال بأن «علاقات الدفاع الهندية مع الولايات المتحدة تلبي احتياجاتها في مجالات لن تستطيع روسيا تلبيتها. فالصين تستطيع أن تلعب دورا في الحد من طموحات الهند في مناطق المحيط الهادي والمحيط الهندي، وهو ما لا تستطيع روسيا فعله». وأضاف: «علاقة بلادنا مع الولايات المتحدة تحسنت بدرجة كبيرة في الوقت الذي توترت فيه العلاقات الروسية - الأميركية. فروسيا ينتابها بعض الشك بشأن علاقاتنا مع الولايات المتحدة، خصوصا اعتداءها على قطاع الأمن الهندي، وهو ما يرى الروس أنه جاء على حسابهم. وأمامنا تحدٍّ دبلوماسي يتمثل في المحافظة على توازن علاقاتنا مع روسيا وأميركا»، بحسب سيبال. وشدد على أن الهند تشترك في كثير من الأهداف مع روسيا فيما يخص شمولية الهيمنة الدولية، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الدولية للدول واستخدام الديمقراطية ذريعة لزعزعة استقرار الدول.
وعلق الخبير الأميركي آشلي تيليس في محور حديثه عن العلاقات الهندية - الروسية بأن الهند ستحافظ على علاقاتها مع روسيا «بمعزل عن الولايات المتحدة»، حيث تتطلع موسكو إلى تقديم قدرات وتكنولوجيا بالغة التطور لن تقدمها الولايات المتحدة. وما يثير الاهتمام أن الهند تستعد في العام الحالي للاحتفال بمرور 70 عاما على بداية العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.