عباس: لن نقبل بنماذج الميليشيات في قطاع غزة

قال إن المصالحة تعني سلاحاً وبندقية واحدة... و«حماس» تتجنب الرد

TT

عباس: لن نقبل بنماذج الميليشيات في قطاع غزة

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في أقوى تصريح له حول سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، إنه لن يقبل باستنساخ «نماذج الميليشيات»، لأنها تجربة غير ناجحة. وأضاف عباس، خلال لقائه مع ممثلي وسائل إعلام صينية: «يجب أن تكون هناك سلطة واحدة وقانون واحد وبندقية وسلاح واحد، بحيث لا تكون هناك ميليشيات وغيرها، وأن نكون مثل باقي دول العالم، ولا نريد أن نأخذ نماذج الميليشيات لأنها غير ناجحة، وهذا ما نقصد به من المصالحة وما نعمل عليه».
ويعد تصريح عباس مثيرا بسبب مقارنته أي سلاح غير سلاح السلطة بسلاح الميليشيات، بالنظر إلى وجود مجموعات وكتائب مسلحة في غزة تتبع الفصائل الفلسطينية، أكبرها كتائب القسام التابعة لـ«حماس» التي وقعت مصالحة مع حركة فتح.
ومن غير المحتمل أن تقبل «حماس» بوصف عباس الفصائل المسلحة بميليشيات، ولا بالتخلي عن سلاحها كذلك.
وقال مسؤولون في «حماس» بعد الاتفاق الذي وقع بينها وبين حركة فتح، في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بالقاهرة، ويتضمن تسليم قطاع غزة للحكومة الفلسطينية، إن سلاح المقاومة ليس للنقاش.
ويوجد في غزة آلاف المسلحين التابعين لحركة حماس ولفصائل فلسطينية أخرى من بينها جماعات تابعة كذلك لحركة فتح التي يتزعمها عباس.
ولمح يحيى السنوار، قائد «حماس» في غزة، في وقت سابق، بأن هذا الوضع سيستمر لحين دمج الجميع في جيش وطني، في إشارة إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وقال السنوار، ردا على طلبات إسرائيلية سابقة بنزع سلاح «حماس»، إن نزع سلاح «القسام» مثل «حلم إبليس في الجنة». لكن «حماس» لم ترد فورا على تصريحات عباس، في مؤشر على قرار لديها بالتريث وعدم تصعيد الموقف، وربما بالحاجة إلى مصالحة داخلية.
ولم يعقب أي مسؤول أو ناطق في «حماس» على تصريحات عباس حتى بعد ساعات طويلة من بثها، كما تجنب السنوار أمس التطرق إليها في لقائه مع النقابات المهنية في غزة.
ولم تعقب حركة الجهاد الإسلامي التي تملك «سرايا القدس»، ويعتقد أنها ثاني أكبر فصيل مسلح في غزة، على تصريحات عباس فورا. لكن الجبهة الشعبية، الفصيل المنضوي تحت مظلة منظمة التحرير، رفضت تصريحات الرئيس. وقال عضو المكتب السياسي للجبهة، كايد الغول: «الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال هو بحاجة إلى كل وسائل المقاومة في مواجهته». وعد الغول، أن مجمل التصريحات حول سلاح المقاومة «لا تعكس مواقف أي مؤسسة وطنية جامعة، ولا أي مواقف ناجمة عن حوارات وطنية لها حق التقرير بشأن سلاح المقاومة، كما لا يمكن بحث هذا الموضوع بمعزل عن القوى التي تمارس المقاومة». ودعا إلى ضرورة بحث هذا الأمر في إطار وطني يهدف أولاً إلى وضع استراتيجية سياسية موحدة والاستناد إليها في كيفية إدارة الصراع مع العدو، وفي كيفية استخدام كل وسائل المقاومة، بما فيها المسلحة، من خلال جبهة مقاومة وطنية موحدة أو غيرها من الصيغ تتولى إدارة هذا الشكل من أشكال المقاومة مع العدو الصهيوني.
وشدد الغول على «أن محصلة أي حديث عن سلاح المقاومة، كما يجري تداوله إعلامياً، يقود إلى الإرباك في الساحة الفلسطينية، وإلى وضع عراقيل أمام تقدم المصالحة».
وتابع: «من غير الملائم، بل من الضار تناول موضوع سلاح المقاومة بالطريقة المتداولة مؤخرا». ودعا الغول الجميع إلى التوقف عن تناول موضوع سلاح المقاومة، إلى أن يجري بحثه في إطار حوار وطني، بهدف صيانة هذا السلاح وتوحيده واستخدامه بالاستناد إلى رؤية سياسية موحدة نقررها جميعا.
وجاء هذا اللغط على الرغم من أن الحكومة الفلسطينية واصلت العمل من أجل تسلم قطاع غزة من حماس.
وأقر عباس بأن اتفاق المصالحة «يسير بخطوات إلى الأمام»، وقال إن «اتفاق القاهرة الأخير مهم جدا، وفيه كل التفاصيل الخاصة بالمصالحة، والآن نحن نسير خطوات إلى الأمام للتطبيق»، لكنه قال في الوقت ذاته، إن «المصالحة تحتاج إلى وقت وصبر»، مضيفا: «لا نريد أن نستعجل الأمور».
وتابع: «يجري المضي يوميا بخطوات إلى الأمام لأجل تحقيق المصالحة. يتوجه وزراؤنا من الضفة الغربية إلى غزة لتسلم مهامهم من أجل الوصول إلى الدولة الواحدة والنظام الواحد».
ووصف عباس الانقسام الداخلي الذي بدأ قبل عشرة أعوام بالسيئ، وقال إنه «أساء كثيرا للقضية الفلسطينية، لكن لا يمكن أن تقوم دولة في غزة ولا دولة فلسطينية دون غزة، وحرصنا كان شديدا جدا على المصالحة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.