بماذا تفكر الطيور عند مساعدة صغار غيرها؟

مجموعة من أسراب طيور الحمام (رويترز)
مجموعة من أسراب طيور الحمام (رويترز)
TT

بماذا تفكر الطيور عند مساعدة صغار غيرها؟

مجموعة من أسراب طيور الحمام (رويترز)
مجموعة من أسراب طيور الحمام (رويترز)

رجح باحث من هولندا أن بعض أجناس الطيور التي تساعد أقرانها في تربية صغارها، تفعل ذلك أملا في أن ترث المنطقة الخاصة بالطيور صاحبة النسل الجديد.
وحسب دراسة الباحث التي نشرت اليوم (الثلاثاء) في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز»؛ فإن طيورا تهتم بنسل طيور أخرى إذا كانت هناك بينها منافسة على الأعشاش التي تحتضن فيها الطيور الوليدة.
ومن المعروف أن أفراد بعض أنواع الطيور تفضل أن ترعى أبناء طيور أخرى، بدلا من أن تضع هي بيضا خاصا بها.
وكانت هناك تفسيرات مختلفة بين علماء الأحياء لهذه الظاهرة التي تبدو وكأنها نوع من الإيثار؛ حيث يعتقد بعض الباحثين أن هناك طيورا ترعى أبناء نظرائها الذين لهم مجموع وراثي متشابه.
وحيث إن هذه الطيور تغذي أيضا طيورا صغيرة غير متشابهة جينيا معها، فإن باحثين آخرين يعتقدون أن هناك ميزات أخرى تتحقق من وراء هذا الإيثار الظاهري.
وقال الباحث سيوكه كينجاما من جامعة «جرونينجن» الهولندية في هذه الدراسة، إنه ربما كانت وراثة الأعشاش هي المكافأة التي تحصل عليها الطيور التي تربي أبناء غيرها.
درس كينجاما 44 نوعا من الطيور التي يساعد بعض أفرادها في تربية أبناء طيور أخرى.
وميز كينجاما بين أنواع من الطيور التي تحارب من أجل الحصول على منطقة لاحتضان البيض عن أنواع أخرى لا تفعل ذلك؛ ربما لأنها ترعى بيضها ضمن سرب يضم طيورا أخرى.
وقال الباحث إن المقارنة تثبت أن أنواع الطيور التي تساعد في تربية الطيور غير القريبة، هي التي تسعى بشكل خاص لكي ترث أماكن تربية الصغار من طيور أخرى.
وفسر الباحث هذه الظاهرة بأنه لا يتم طرد هذه الطيور الغريبة عندما تساعد في تربية الصغار.
ويرجح كينجاما أن ذلك ربما كانت له مميزات كثيرة، منها على سبيل المثال تحقيق تماسك أقوى ضد أعداء مشتركين، أو ربما فرصة الحصول على مكان للتعشيش مستقبلا؛ «حيث تنظر الطيور إلى مناطق سيادتها كما ننظر نحن إلى منازلنا»، حسبما أوضح الباحث في بيان عن الجامعة، اليوم الثلاثاء.
أضاف الباحث: «توضح دراستي أن الطيور صاحبة العش تحصل على مزيد من المساعدة عندما تكون للطيور المساعدة رغبة في أن ترث العش، ويكون هناك اتفاق على استمرار العش إذا تطلعت الطيور المساعدة لأن ترث العش فيما بعد، وهذا هو بالضبط ما يفعله كثير من الطيور».
كما تبين من خلال هذه الدراسة أيضا، أن الطيور الغريبة التي تساعد غيرها في احتضان بيضها، وتربية صغارها، وتحارب من أجل الاحتفاظ بالعش، تطعم صغار غيرها بشكل لا يقل عما تفعله الأمهات الأصلية، في حين أن الطيور الغريبة التي لا تحتاج للعش وتساعد رغم ذلك في تربية صغار غيرها، لا تطعم هؤلاء الصغار إلا بواقع نصف ما تفعله الأمهات الأصلية تقريبا».
كما لم يستبعد كينجاما أن تحصل الطيور الغريبة فيما بعد على مساعدة الطيور الصغيرة التي تظل تعيش في هذه الأعشاش الموروثة.
ومن المعروف من ناحية المبدأ، أن كثيرا من أنواع الطيور تحرص على أن تكون لها مناطق خاصة بها تضع فيها بيضها وترعى صغارها.
ويثبت الطائر أحقيته بهذا المكان أو ذاك من خلال التغريد، وربما من خلال إصدار حركات تهديد، بل والقتال من أجل هذا المكان إذا اقتضى الأمر. فإذا مات طائر أو ترك عشه فغالبا ما يكون هناك كثير من الخلفاء الذين يرثون العش.



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».