العودة إلى الرقة... قرار يؤجله الدمار وألغام «داعش»

المجلس المدني للمدينة يحدد أولويات لعودة النازحين وتعليمهم

TT

العودة إلى الرقة... قرار يؤجله الدمار وألغام «داعش»

يحول الدمار الهائل الذي خلفته نيران الحرب المستعرة بين عناصر تنظيم داعش و«قوات سوريا الديمقراطية» في محافظة الرقة (شمال سوريا) دون عودة أبناء المدينة التي قد تتأخر أشهرًا عدة.
لدى التجول في الشوارع والأحياء، تبدو مظاهر الدمار الذي حل بها شاهدة على شراسة المعارك القتالية، حيث يمكن رؤية كثير من المنازل والمحال التجارية التي أصبحت أثراً بعد عين، ولم يتبق منها سوى الأطلال، أما التي نجت من القصف؛ فلم تسلم أبوابها ونوافذها جراء ضغط الانفجارات في المناطق المحيطة بها.
وقدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المائة من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن، وتعاني المدينة حالياً من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية، في حين تقول مجموعة «Airwars» المتخصصة في مراقبة الضحايا المدنيين للقصف الجوي، الذي تقوم به القوات الروسية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسوريا، إن قوات التحالف ألقت 5775 قنبلة وقذيفة وصاروخاً على الرقة، في شهر أغسطس (آب) فقط، ما أدى إلى سقوط 433 قتيلاً مدنياً على الأقل. وبحسب المجموعة نفسها، يرجح أن طائرات التحالف وجهت نحو عشرين ألف ضربة للرقة، خلال شهور القتال التي استمرت نحو 4 أشهر، بين يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول).
وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها نحو 300 ألف نسمة من سكانها، إضافة إلى نزوح نحو مائة ألف من المناطق المجاورة للمدينة حتى نهاية 2013، وبعد سيطرة عناصر تنظيم داعش في يناير (كانون الثاني) 2014؛ فرَّ غالبيتهم إلى مخيمات عين عيسى (غرباً) والمبروكة (شمال غرب) والمناطق المجاورة، وتحتاج المدينة إلى بنية تحتية وجهاز شرطة، وغيرهما من الأمور الأساسية، ليتمكن هؤلاء من العودة إلى ديارهم.

ثلاث مهمات رئيسية
يستعد مجلس الرقة المدني لتسلم إدارة مدينة الرقة (شمال سوريا) شبه المدمرة، من «قوات سوريا الديمقراطية» التي طردت تنظيم داعش المتطرف في 17 الشهر الجاري، من معقله الأبرز سابقاً في سوريا.
وتشكل المجلس منتصف شهر أبريل (نيسان) العام الجاري، في اجتماع ضم مائة شخصية اجتماعية وعشائرية من أبناء المدينة، في بلدة عين عيسى التابعة للرقة، أسسوا مجلساً مدنياً لإدارة المحافظة، وانتخبوا الشيخ محمود شواخ البرسان، والمهندسة ليلى مصطفى، للرئاسة المشتركة، إلى جانب 3 نواب و10 شخصيات في عضويته الرئاسية، ثمانية منهم عرب، واثنان من الأكراد.
كما يتألف المجلس من 14 لجنة تخصصية، ومن بين أبرز التحديات التي ستواجه عمله خلال الفترة القادمة، إزالة الألغام وتفكيك المفخخات التي زرعها عناصر التنظيم بكثافة، وكذلك رفع الأنقاض والركام جراء الحرب المحتدمة في شوارع المدينة، أما المهمة الثالثة فهي إعادة عملية التربية والتعليم بعد 3 سنوات من الانقطاع.
«تم وضع برامج تقييمية لدراسة كافة المناطق المتضررة من الناحية الخدمية والصحية والتعليمية والإدارية، وقمنا بمسح جميع النواحي التي تخص جوانب الحياة في الرقة، وبناءً على تلك الدراسات تم وضع خطة بعنوان خطة الاستجابة السريعة»، بحسب المهندسة ليلى مصطفى الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني. وكشفت أن هذه الخطة تتألف من ثلاث نقاط رئيسية، وتضيف: «أولى النقاط إزالة الألغام، ولن تتم إلا عبر منظمات متخصصة وشركات دولية، فعودة الأهالي مشروطة بتنظيف مدينتهم من مخلفات تنظيم (داعش)، بعدها ستبدأ ورش المجلس الفنية في رفع الأنقاض وجبال الركام المنتشرة في جميع أنحاء الرقة، وفتح الشوارع والمداخل الرئيسية، ليتمكن سكان الرقة من العودة والمساعدة في عمليات إعادة الإعمار».
وتتوقع رئيسة المجلس المدني للرقة، أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهوداً ضخمة، وشهوراً عدة قبل أن تعود الحياة الطبيعية إلى شوارعها، وبحسب خطة الاستجابة السريعة، وبعد إزالة الألغام ورفع النفايات، ستبدأ عمليات إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
وتابعت المهندسة ليلى كلامها لتقول: «أما النقطة الثالثة في الخطة فتتمحور حول عملية التربية والتعليم التي توقفت لمدة ثلاث سنوات ونصف، فقد طلبنا من الأمم المتحدة ودول التحالف مساعدتنا؛ لأن جيلاً كاملاً من الطلاب حرموا من التعليم، وتجب متابعة دراستهم».
وفي نهاية الشهر الماضي، سافر أعضاء من المجلس المدني، بينهم رئيسة المجلس ليلى مصطفى، إلى العاصمة الإيطالية روما، وعقدوا اجتماعات مع دول التحالف الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكشفت مصطفى: «لمسنا من هذه الدول جدية في التعامل مع المجلس المدني، وتعهدوا بتقديم المساعدة، وخصصت هولندا مليوناً ونصف مليون يورو لعمليات إزالة الألغام، وقدم الاتحاد الأوروبي منحة مالية قيمتها مليونا يورو لإزالة الألغام أيضاً».
وزار الأسبوع الماضي بريت ماكغورك ممثل الرئيس الأميركي، ووفد من التحالف الدولي، بلدة عين عيسى، واجتمع مع أعضاء المجلس المدني، ونقل استعداد بلاده للخطوات القادمة، ومواصلة العمل مع دول التحالف لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، ودعم جهود إرساء الاستقرار في الرقة، وإنشاء «صندوق دعم الاستقرار بالرقة» والذي يتبع وزارة الخارجية الأميركية، لجمع الأموال والهبات المالية لعملية الإعمار في الرقة.

تحدي إزالة الألغام
بدت آثار الدمار وحدها مسيطرة على المشهد في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة، حيث تمت استعادتها بداية الهجوم قبل 4 أشهر، وانهارت أسقف كثير من المنازل أو خلعت أبوابها، أما المحال التجارية فتعرضت للدمار وسويت بالأرض، لكن المشهد بدا صادماً أكثر في وسط المدينة، وتحديداً في ساحة الساعة ومركز المحافظة ودوار النعيم، حيث جرت معارك عنيفة جداً للسيطرة على أبنية استراتيجية، وبات من الصعب التفريق بين منزل ومتجر، إذ تحول معظمها إلى جبال من الركام، وتناثرت الحجارة وأنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، ولم تعد صالحة لتشغيلها مرة ثانية.
في مبنى مؤلف من طابق واحد وسط بلدة عين عيسى الواقعة غرب مدينة الرقة، تعمل لجنة إعادة الإعمار التابعة للمجلس المدني، توسط مدخلها لوحة كتب عليها كثير من الإعلانات، أحدها يعلن عن مسابقة لتوظيف عمال فنيين ذوي خبرة في قطاعي الكهرباء والمياه، وحاجة اللجنة إلى حملة الشهادات، وثانٍ يطلب من أصحاب الجرافات الثقيلة والجرارات استئجار آلياتهم، وتوظيفها في عمليات رفع الأنقاض والركام في مدينة الرقة.
يقف رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن أمام خريطة قسمت الرقة إلى مجموعة من الدوائر والألوان، ويشير بإصبعه إلى أن مركز المدينة نال القسم الأكبر من الدمار والخراب، أما أطراف المدينة فنسبة الدمار فيها أقل ضرراً، ويقول: «قسمنا الرقة إلى 16 قطاعاً للعمل؛ لأن هناك مناطق تصل نسبة الدمار فيها إلى أكثر من 90 في المائة، وهي الأحياء التي بقي عناصر (داعش) يقاتلون فيها حتى النهاية، مثل حارة البدو، ودوار النعيم، والملعب الأسود، والمشفى الوطني».
وتضم لجنة الإعمار ورشة للكهرباء، وثانية للمياه، وفريقاً خاصاً للطوارئ مهمته انتشال الجثث العائدة لعناصر التنظيم، ترافقه هيئة من الطب الشرعي، ويزيد الحسن: «إزالة الألغام تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لنا، لا نستطيع القيام بأي عمل قبل نزعها من المنطقة»، مضيفاً أن اللجنة حددت 45 يوماً مدة زمنية لإنجاز أول خطوة ضمن خطة الاستجابة السريعة برفع الأنقاض والنفايات، لتتم بعدها إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، منوهاً بأن: «مدة شهر ونصف غير كافية لرفع الركام، بتصوري الشخصي سنحتاج إلى 3 أشهر كحد أدنى، حتى تفتح الشوارع والمداخل الرئيسية ليتمكن الأهالي من العودة إلى منازلهم».
والخطة تقوم على فتح الشوارع الرئيسية، وعددها 23 شارعاً، ثم الانتقال إلى المداخل الخارجية والتي عددها 10. ولقد حددت اللجنة مكبين لتجميع الركام والأنقاض، أحدهما في المدخل الشرقي، والثاني في الجهة الغربية، وكانا قبل الحرب مخصصين للنفايات والقمامة.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 3.5 مليون يورو لعمليات إعادة الإعمار، فيما تعهدت دول التحالف الدولي بدعم مشروعات قصيرة المدى وسريعة الأثر. ويقول رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن، إن الاجتماعات بين الممولين والمسؤولين المحليين والمنظمات غير الحكومية متواصلة يومياً؛ لكن «لم يتم حتى الآن تحديد الكلفة النهائية لإعادة الإعمار، وليس واضحاً من هي الجهة التي ستتولى تأمين الجزء الأكبر من الأموال، ولم تحدد موازنة مالية حتى تاريخه».

تضرر البنية التحتية
وتغيب المياه عن الرقة منذ أشهر عدة، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الآبار للاستخدام قبل بدء الهجوم الأخير على المدينة في يونيو الماضي. ويشرح المهندس ياسر الخلف من لجنة المياه، أن المجلس انتهى من تجهيز محطة مياه الكسرات الأساسية (غرباً) والتي توجد فيها مضختان عموديتان واثنتان أفقيتان، وطاقة كل منها 500 متر مكعب في الساعة، لتضخ نحو ألفي متر مكعب في الساعة وستعمل بحدودها الدنيا، وتبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 8500 متر مكعب في الساعة، وأضاف: «أما محطة مياه المسلخ وبئر الهشم فهما محطتان داعمتان، تروي الأولى منطقة الرقة السمرا والحمرات وربيعات والجهة الشمالية الشرقية للرقة، واستطاعتها الإنتاجية ألف متر مكعب في الساعة، أما الثانية فتروي مركز المدينة».
ولا يوجد تيار كهربائي في المدينة نتيجة الأضرار الكبيرة التي طالت خطوط الإمدادات وشبكات الكهرباء، وأوضح مهندس الكهرباء وائل الشيخ من لجنة الكهرباء، أن الدمار طال معظم شبكات الكهرباء، وتضرر عدد كبير من الأبراج والمحولات الرئيسية، وقال: «أكثر شبكة تعرضت للدمار هي الكهرباء، كون خطوطها خارجية، ثم تأتي بعدها المياه، وأخيراً الصرف الصحي، اللجنة تعمل على تجهيز محطة الرقة الكهربائية الرئيسية الواقعة شرق المدينة، أما محطة تحويل الفروسية فتحوي محطتين لتحويل الطاقة، كل منهما طاقته الاستيعابية 125 ميغاواط، وتتغذيان من سد الفرات».
ويقع سد الفرات غرب الرقة، ويبعد نحو 50 كيلومترا، ويبلغ طوله 4.5 كيلومتر، وارتفاعه أكثر من 60 متراً، وتبلغ كميات المياه المخزنة أكثر من 14 مليار متر مكعب. وتعتبر المحطة الكهرومائية جزءاً أساسياً من سد الفرات، وهي من أكبر المحطات التي تولد الطاقة الكهربائية في سوريا، وتنتج سنوياً من الطاقة نحو مليارين ونصف كيلوواط ساعي.‏
وأكد المهندس وائل الشيخ، أن «السد عبارة عن 8 بوابات تصريف مياه، كل بوابة مزودة بعنفة توليد الطاقة الكهربائية، وتولد 880 ميغاواط بالساعة إذا عملت كل عنفاته التي تبلغ طاقة كل واحدة منها نحو 110 ميغاواط، لكن بعدما انسحب عناصر (داعش) ألحقوا أضراراً جسيمة بخمس عنفات، ولا تعمل سوى عنفتين، أما الثامنة فقيد الصيانة والتجهيز».
ولا تزال كتابات التنظيم الكثيرة منتشرة على جدران المنازل والمرافق العامة في الرقة، تذكِّر أبناءها بحقبة سوداء، فيما يسود شعور بين الأهالي بأنَّ إعادة الاستقرار والأمن إلى المناطق التي تخرج عن سيطرة «داعش» ونشر الطمأنينة والسلام بين الأهالي؛ يتوقفان إلى حد بعيد على انضباط قوات الأمن الداخلي، ومدى قدرتها على الدفاع عن هذه المناطق، إلى جانب وجود إدارة مدنية تحظى بقبول أبنائها.
وأشرفت الأردن بالتنسيق مع التحالف الدولي والقوات الأميركية على تدريب قوات الأمن الداخلي التابعة للمجلس المدني، لتنتشر في الرقة. وذكر المحامي إبراهيم الفرج رئيس لجنة العدالة في المجلس، أن الأردن «دربت ثلاثة آلاف شرطي من أبناء الرقة وريفها لحفظ الأمن والسلام في المحافظة، وتسلمت هذه القوات ريف المدينة، وهي على استعداد للعمل داخل مركز المدينة».

مرحلة بناء الإنسان
وقد بدأ الجهاز عمله بشكل فعلي، وانتشرت عناصر الشرطة في معظم القرى والبلدات والمناطق المحررة، حيث تلعب دوراً رئيسياً في عملية إعادة الأمان والاستقرار، وبات بالإمكان مشاهدة عناصر الشرطة يلبسون زياً مختلفاً عن «قوات سوريا الديمقراطية» في نواحي وبلدات الرقة. وأضاف الحسن: «يجري تدريب نحو 75 شاباً بمعدل أسبوعي لهذا الغرض، إلى أن يتم الانتهاء من تدريب العدد المطلوب وفق الخطة المعتمدة للمجلس. الأسبوع الماضي مثلاً تم تخريج دفعة قوامها 170 شرطياً، وتم تأسيس هيئات قضائية في بلدات الطبقة وعين عيسى والكرامة، ويجري العمل على تأسيس دور القضاء في باقي المناطق المحررة».
ومنذ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرقة بداية عام 2014، عمد إلى تحويل المدارس والأبنية العامة لمقرّات أو سجون له، كما منع التلاميذ من الدراسة والتعليم وفق المنهاج الرسمي المعتمد في سوريا، وفرض على الطلاب والشباب الخضوع إلى دورات تعليم دينية.
عبد الفتاح ناصر عكر، المنحدر من عشيرة الولدة، وهي عشيرة عربية كبيرة في الرقة، بقي يعمل في القطاع التربوي بمدينة الرقة مدة 27 سنة، وفي بداية شهر أبريل 2015، استدعي إلى المكتب الأمني التابع لتنظيم داعش الذي كانت المدينة خاضعة لسيطرته آنذاك، ووجهت له تهمة «رفض تطبيق أوامر الخليفة البغدادي» بسبب رفضه التدريس في المعاهد الشرعية التابعة للتنظيم وقتذاك.
أما اليوم فيشغل رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المدني، وقد افتتحت اللجنة مدرسة «حطين» في منطقة الأسدية التي تبعد نحو كيلومترين غرب الرقة. وعلى الرغم من القصف والحرب الدائرة في المناطق المجاورة أثناء الهجوم الأخير، بقيت الهيئة تتابع عملها. ويقول التربوي عبد الفتاح: «لم تكن المعركة تبعد عنا سوى أمتار، وبقينا نتابع عملنا»، حيث يبلغ عدد التلاميذ بمدرسة «حطين» 1050، والمنهاج المعتمد هو الكتاب المدرسي السوري الصادر عن مديرية التربية والتعليم في دمشق، بعد حذف الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، والتي تدعو إلى التطرف الديني، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وابنه رئيس النظام الحالي بشار الأسد، وحزب البعث الحاكم، على حد تعبير عبد الفتاح العكر.
وبين أبرز العقبات التي تواجه قطاع التعليم في الرقة، اعتماد منهاج دراسي وتأمين الكتب المدرسية، وتشكو لجنة التربية من قلة الخبرات والكادر التعليمي، ونوه العكر بأن «المعلمين والموجهين التربويين السابقين يرفضون ارتياد مدارس الإدارة، خشية من غضب النظام؛ لأنه يهددهم بالفصل تارة أو بقطع الرواتب عنهم تارة ثانية، فالنظام لا يزال يستخدم هذه الورقة لتهديد أبناء مدينة الرقة».
ويكشف مصدر مطلع على مفاوضات عقدت قبل شهرين، عبر وسطاء بين مجلس الرقة المدني، ووزارة التربية السورية، أنَّ الطرفين اختلفا حول أحقية رفع العلم السوري فوق المدارس والمجمعات التربوية، وطالب مجلس الرقة مراراً حكومة النظام بتزويد الرقة بالكتب المدرسية، إلا أن الوزارة لم توافق على الطب بعد.
وبحسب عبد الفتاح عكر، افتتحت لجنة التربية بالمجلس المدني جميع المدارس في ريف الرقة كاملاً، وتوجد 75 مدرسة، يداوم فيها أكثر من 25 ألف تلميذ، وبلغ عدد الكادر التدريسي نحو 600 معلم، وبلغ عدد المدارس التي خرجت عن الخدمة في ريف الرقة 20 مدرسة؛ لأنها تعرضت للدمار.
يتابع العكر كلامه ليقول: «أما داخل مدينة الرقة فهناك 25 مدرسة في المراحل التعليمية الثلاث؛ لكنها خرجت عن الخدمة بسبب الدمار والخراب، وإعادة تأهيلها تتوقف على المنظمات الدولية، والأمم المتحدة التي وعدت بمساعدة المجلس في إعادة العملية التربوية إلى الرقة».
ومنع تنظيم داعش على مدار ثلاث سنوات ونصف التلاميذ في الرقة من ارتياد المدارس. ويلفت العكر إلى أن «الهيئة اعتمدت منهاجاً مكثفاً، وسيخضع الطالب لامتحان فصلي كل ثلاثة أشهر مع دورة استثنائية، والطالب الذي ينجح في الامتحان يرتفع إلى الصف التالي لسد الفجوة التعليمية، ومزامنة عمر التلميذ مع مرحلته الدراسية».
وأكد أن الهيئة طلبت من المجمعات التربوية وإدارة المدارس، تخصيص حصص للدعم النفسي، ودروس ترفيهية وتكثيف الأنشطة والرحلات المدرسية، لإخراج التلميذ من دائرة الحرب، ومحو حقبة «داعش» من ذهنية الطلاب. ولفت في ختام حديثه إلى أنَّ «مرحلة الحرب العسكرية في الرقة انتهت، وبدأت معركة بناء الإنسان، وعودة الأجيال إلى العلم والمعرفة».



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.