240 جدارية فنية تغطي جسر الجمهورية في تونس

غيرت وجه المدينة وطبعته بمشاهد جميلة

TT

240 جدارية فنية تغطي جسر الجمهورية في تونس

أفاقت عيون التونسيين على سلسلة من الجداريات الفنية التي غطت جسر الجمهورية وسط العاصمة التونسية، وتداخلت الألوان والأفكار لتثمر نحو 240 جدارية باتت بمثابة المعرض المفتوح الذي يثير شهية المترجلين وسائقي السيارات الذين يؤمّون المكان، وهو ما حوّله طوال الأشهر الماضية إلى فضاء فني مفتوح.
في البداية كان التونسيون يمرون بجوارها دونما اهتمام كبير، ولكن من يجد نفسه مترجلاً أو منتظراً لسيارة تاكسي غالباً ما يجول ببصره في تلك الجداريات التي حملت وجوهاً ذات ملامح غريبة أحياناً ومعروفة أحياناً أخرى، ويتمعن في مغزى ومعنى تلك اللوحات الفنية الصامتة التي عند التحديق في تفاصيلها تبوح للمتفرج بعدد من الأسرار.
مجموع الجداريات التي نفّذها فنانون تشكيليون محترفون في فن الشارع وهواة في عالم الألوان، غيّرت وجه الشارع وأضفت عليه علامات الحياة بعد طول موات، ليكون جسر الجمهورية من أكبر الأروقة الفنية على الصعيد العالمي لامتداده على مسافة نحو ألف متر، وأيضا لنوعية وقيمة الجداريات التي غطّته، مما يؤهله لدخول عالم «غينيس» للأرقام القياسية.
وبالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وطلبة الفنون الجميلة في تونس، تجسدت تلك الإبداعات على جدران القنطرة وأيضاً على الممر الخاص بالمترجلين مما حوّل الوجه الإسمنتي العادي للقنطرة إلى مهرجان للألوان والفنون يمتع البصر ويغذي البصيرة.
وفي هذا الشأن، قال محمد الهادي الجويني مسؤول في وزارة الثقافة التونسية، إنّ هذه الجداريات نفّذها فنانون تونسيون من مختلف الأجيال والاتجاهات ضمن مظاهرة حملت اسم «جسور الألوان»، وهي بذلك أخرجت الفن من الفضاءات الضيقة، ليلامس فضاءات خارجية مفتوحة، يمكن لكل التونسيين رؤيتها والتمتع بمشاهدها الخلابة وموضوعاتها الإنسانية المتنوعة. وعن هذه المظاهرة الفنية المهمة، قال عبد الحميد عمار الفنان التشكيلي التونسي، إنّه شارك في رسم تونس كما يراها، على حد تعبيره. وأضاف أنّ مشاركته تمثلت في 60 جدارية فنية (ما يمثل قرابة 25 في المائة من الأعمال الفنية) وأن سعادته لا توصف عند نجاحه في إنجاز جداريات ولوحات فسيفسائية كبيرة ومزهريات عملاقة ستكون تحت مرمى نظر كل التونسيين.
وبشأن أجواء تنفيذ أعماله الفنية، قال عمار إنه نحت أعماله تحت ضوء القمر وأنوار الشارع الكبير وسط العاصمة التونسية، وهو ما أضفى عليها الكثير من البهجة والسرور ترجمتها الألوان الزاهية. واعتبر عمار هذه العملية الفنية محاولة جادة لتقريب الفن التشكيلي والثقافة من التونسيين، وتمكينهما من موقع في حياتهم اليومية وفي محيطهم الاجتماعي وبعْث حركية وجمالية جديدة في الشارع في إطار نشر ثقافة الإبداع وتهذيب الذوق العام، على حد قوله.
وفيما يتعلق بهذه المجموعة من الأعمال الفنية الرائعة، قال كمال بن السبتي البرهومي: «إنها فعلاً الحياة، وقد بعثت في قنطرة شارع الجمهورية»، وأضاف: «تونس يمكن أن تكون أجمل لو تكرّرت مثل هذه المبادرات في عدد من المدن التونسية الأخرى».



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».