قال مصدران أمنيان إن «مسلحين يستقلون شاحنات صغيرة ودراجات نارية قتلوا 8 على الأقل من أفراد قوات الأمن، وأصابوا العديد في هجوم على قاعدتهم في غرب النيجر قرب الحدود مع مالي». وأضاف المصدران أن «المسلحين عبروا الحدود من مالي وانطلقوا بالشاحنات والدراجات النارية حتى قرية أيورو التي تبعد نحو 40 كيلومتراً من الحدود ثم نفّذوا الهجوم». لكن وزير داخلية النيجر محمد بازوم، أكد في المقابل ارتفاع عدد الضحايا، وقال لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد وقع هجوم جديد وقُتل 12». وذكر مصدر أمني أن الهجوم استهدف مركز الدرك في أيورو على بعد 200 كيلومتر جنوب غربي العاصمة النيجرية نيامي. ووصل المهاجمون، حسب نفس المصدر، على متن 5 آليات ونفّذوا هجومهم فجر أمس، حيث فرّوا عند وصول تعزيزات عسكرية بعدما استولوا على آليتين أو 3 آليات للدرك، وأضاف أن قرويين رأوا المهاجمين وهم ينقلون جثثاً معهم.
إلى ذلك، اعترف وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بأن بلاده نشرت أكثر من 1000 جندي في النيجر والمنطقة المحاذية لتعقب الإرهابيين، بينما قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي إن «على الولايات المتحدة أن تكثف دعمها لقوة أفريقية من المزمع تشكيلها لمحاربة الإسلاميين المتشددين في غرب أفريقيا؛ وإلا فإنها قد تفشل مما سيؤدي إلى تحمل القوات الفرنسية العبء وحدها».
وجاء اجتماع ماتيس مع السيناتور جون ماكين الذي يرأس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين البرلمانيين وإدارة الرئيس دونالد ترمب إثر مقتل 4 جنود من القوات الخاصة الأميركية بالنيجر في وقت سابق هذا الشهر، إذ يأمل الكونغرس أن يتم تسليط الضوء بالكامل على تفاصيل هذا الكمين، الذي قال عنه خبراء إنه فشلٌ مخابراتي، فيما يبدو.
وقال ماكين خلال مؤتمر صحافي بمجلس الشيوخ عقب لقائه ماتيس: «لديّ انطباع بأننا لا نعلم بالعناصر الكافية، لكن الوضع بدأ يصبح أكثر وضوحاً».
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: إن «الرئيس ووزارة الدفاع وبصراحة كل الشعب الأميركي والحكومة يريدون معرفة ما حدث» بالنيجر.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ومسؤولون نيجريون قد أعلنوا أن دورية أميركية - نيجيرية استُهدفت في الرابع من الشهر الجاري في كمين جنوب غربي النيجر قرب الحدود مع مالي، ما أسفر عن مقتل 4 جنود أميركيين وعدد مماثل من النيجريين.
وأوضحت «البنتاغون» أن جنديين أميركيين آخرين جُرحا في الهجوم الذي وقع، عندما كان الجنود الأميركيون يساعدون الجيش النيجري في عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة المضطربة.
وكما يحدث في كل الوقائع التي يُقتل فيها عسكريون أميركيون، فتحت «البنتاغون» تحقيقاً في مقتل جنود.
ولأن العسكريين الأميركيين لم يكونوا يتوقعون عملاً معادياً، تولت القوات الفرنسية التي تكافح «الجهاديين» في المنطقة، تقديم دعم جوي لهم بعد الكمين، بما في ذلك مقاتلات ومروحيات قتالية وطبية نقلت الجرحى جواً.
والأميركيون حاضرون بشكل كبير في النيجر، خصوصاً في مطار أغادير، عبر قاعدة تُقلع منها طائرات من دون طيار تراقب منطقة الساحل. لكن العسكريين العاملين في هذه القاعدة لا يخرجون منها إلا في حالات نادرة.
وإضافة إلى القاعدة، ثمة قوات خاصة أميركية وعناصر لتدريب العسكريين النيجريين منذ بداية الألفية الثالثة.
كانت النيجر والولايات المتحدة قد وقعتا في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 اتفاقاً عسكرياً ينص على التزام كلا البلدين «العمل معاً على مكافحة الإرهاب» وعلى أن يدرب الجيش الأميركي «الجنود النيجريين في مكافحة الإرهاب».
من جانبها، قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس في كلمة أمام مؤسسة بحثية في واشنطن: «في منطقة الساحل تنتشر فرنسا في أجواء شديدة التوتر بدعم هائل من الولايات المتحدة... نحن ممتنون بشدة لهذا الدعم».
وأضافت خلال زيارة للولايات المتحدة للاجتماع مع نظيرها الأميركي جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض إتش آر مكماسر: «لكن لا بد من فعل ما هو أكثر من ذلك بكثير. لا يمكن أن نكون ولا نريد أن نكون (حراساً) لدول أفريقية ذات سيادة، لا بد من تمكينها من هزيمة الإرهاب بمفردها».
وقالت بارلي إن هدف القوة الأفريقية الجديدة هو تعزيز القدرات الأمنية لتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا، وجميعها مستعمرات فرنسية سابقة.
وتدخلت فرنسا في مالي للتصدي لحملة شنها إسلاميون متشددون بدأت عام 2012، وما زال لها 4 آلاف جندي في المنطقة في إطار العملية التي تحمل اسم «برخان»، ويعملون إلى جانب قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوامها 10 آلاف جندي في مالي. وتقدم واشنطن دعماً وتدريباً لعمليات أمنية في المنطقة لكنها تتعامل بفتور مع القوة الأفريقية وقاومت دعم الأمم المتحدة لها.
وتصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة الهجمات المسلحة ضد جيش النيجر على الشريط الحدودي مع دولة مالي، وهي المنطقة التي تشهد تنافساً قوياً بين الجماعات المسلحة من مختلف المشارب، لتصبح مؤخراً عنوان صراع جديد بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش في منطقة الساحل الأفريقي.
وفي إطار هذا الصراع يعد تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب» الأكثر نفوذاً في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن قررت 4 جماعات مسلحة هي («إمارة الصحراء الكبرى»، جماعة «المرابطون»، جماعة «أنصار الدين»، «جبهة تحرير ماسينا»)، في شهر مارس (آذار) الماضي، أن تندمج وتشكل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، ليمتد نفوذها من مناطق واسعة من مالي، وبعض أطراف النيجر وبوركينافاسو.
تنشر فرنسا جنودها في منطقة الساحل الأفريقي منذ عام 2013، عندما تدخلت عسكرياً لطرد الجماعات الإسلامية المسلحة التي سيطرت على شمال مالي لعدة أشهر وحاولت إقامة «إمارة إسلامية»، وسعت إلى تطبيق تفسير متشدد لما تقول إنه «الشريعة»، ولكن عملية «سيرفال» العسكرية التي أطلقتها فرنسا يناير (كانون الثاني) 2013، أجبرت هذه الجماعات على الانسحاب من المدن والدخول في حرب عصابات لا تزال مستمرة حتى اليوم؛ وللانتصار في هذه الحرب أطلقت فرنسا عام 2014 عملية «برخان» العسكرية لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وهي عبارة عن 4 آلاف جندي فرنسي ينشطون في 5 دول هي: مالي، والنيجر، وبوركينافاسو، وتشاد، وموريتانيا.
وكانت هذه الدول الخمس قد أطلقت عام 2014 مجموعة جديدة تحمل اسم «مجموعة دول الساحل الخمس»، وتقدمت بمشروع لتشكيل قوة عسكرية مشتركة تكون رأس الحربة في محاربة الإرهاب والتهريب في منطقة الساحل الأفريقي، ولكن هذا المشروع واجه عراقيل في التمويل، إذ تشير التقديرات إلى أن ميزانية تشكيل هذه القوة تصل إلى 496 مليون دولار أميركي لم يتوفر منها حتى الآن..