نحو صدام مباشر بين مدريد وبرشلونة

الاتحاد الأوروبي مع راخوي قلباً وقالباً ويحذر من الانفصال

TT

نحو صدام مباشر بين مدريد وبرشلونة

خطت الحكومة الإسبانية، أمس، خطوة إضافية باتجاه تعليق الحكم الذاتي لكاتالونيا، متهمة رئيس هذا الإقليم كارليس بوتشيمون بالسعي إلى «مواجهة» كاملة، في أزمة تهدد استقرار إسبانيا؛ إذ تنوي الحكومة الإسبانية تطبيقا مرجحا جدا للمادة «155» من الدستور، التي تمكنها من تعليق كلي أو جزئي للحكم الذاتي لإقليمٍ ما إذا انتهك واجباته القانونية. لكن لا يحق لرئيس الحكومة الإسبانية أن يفعّل المادة «155» من الدستور من جانب واحد. وعليه قبله أن يصدر الأمر لرئيس الإقليم المعني بالعودة إلى النظام الدستوري، ويجب إعطاؤه مهلة للقيام بذلك. وهو ما قام به راخوي في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وسيتم غدا السبت تحديد إجراءات تعليق الحكم الذاتي لكاتالونيا أثناء اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء الإسباني الذي يفترض أن يحيلها إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليها في نهاية أكتوبر الحالي؛ إذ كان يتعين على رئيس حكومة كاتالونيا كارليس بوتشيمون أن يحدد صباح الخميس بوضوح ما إذا كان سيتراجع عن المضي في استقلال منطقته التي يعيش فيها 16 في المائة من الإسبان والتي تخوض صراعا لا سابق له مع الحكومة المركزية منذ أن اعتمدت مملكة إسبانيا الديمقراطية في 1977. لكنه لم يجب بدقة عن السؤال المطروح من حكومة مدريد التي سألته إن كان أعلن أو لم يعلن استقلال كاتالونيا. كما أنه لم يقبل «إعادة النظام الدستوري» كما طلبت مدريد.
تعتمد إسبانيا نظاما لامركزيا واسعا؛ إذ يمنح الدستور الذي أقر في عام 1978 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ«المناطق المستقلة»، سلطات واسعة في مجالات كالصحة والتعليم. وكان راخوي لوح باحتمال تعليق الحكومة حكم كاتالونيا الذاتي في حال أعلن الاستقلال، سواء كان فوريا أو مؤجلا، وهو إجراء لم يطبق في كاتالونيا منذ 1934. سيشكل هذا الإجراء صدمة على المستوى المحلي، خصوصا لأن الأزمة الحالية اندلعت بسبب النقاش المتمحور حول امتيازات كاتالونيا بعد أن ألغى القضاء جزئيا عام 2010 صلاحياتها الواسعة.
في مجلس الشيوخ، يحظى حزب راخوي المحافظ بالغالبية وسيدعمه لتطبيق الإجراءات اللازمة. وإذا أقر أعضاء مجلس الشيوخ مقترحات رئيس الحكومة بالغالبية المطلقة، فستصبح لديه الحرية لتطبيقها. وهذا يمكن أن يحدث في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بحسب مصدر نيابي. لكن لا بد قبل ذلك من أن تتم مشاورات على مستوى لجان؛ حيث يمكن أن يتم استدعاء بوتشيمون قبل عقد جلسة بحضور كامل الأعضاء في المجلس.
وعبر بوتشيمون في رسالته إلى راخوي عن الأسف لكون مدريد لا تدرك «حجم المشكلة» و«ترفض الحوار»، وهو شعور يتشاطره كثير من الكاتالونيين. لكن حكومة راخوي المتهمة بأنها متسامحة من جناحها المتشدد، تتهم بوتشيمون بـ«السعي عمدا ومنهجيا إلى المواجهة المؤسساتية». وقال مايكل إيسيتا زعيم الاشتراكيين الكاتالونيين: «مع وجود تهديد بالاستقلال على الطاولة، يصبح الحوار بالغ الصعوبة؛ حتى لا نقول مستحيلا». ويجد بوتشيمون نفسه ممزقا بين عدة ضغوط.
وكتب كارليس بوتشيمون أمس في رسالة وجهها إلى رئيس الحكومة المركزية الإسبانية في مدريد ماريانو راخوي: «إذا أصرت الحكومة على منع الحوار ومتابعة القمع، فإن برلمان كاتالونيا يمكن (...) أن يجري تصويتا على إعلان رسمي للاستقلال». وتوضيح بوتشيمون، كما جاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، بشأن غياب إعلان رسمي للاستقلال، كان يمكن أن يفتح الباب أمام تهدئة. لكن الحكومة الإسبانية رأت فيه تهديدا وتوعدت بـ«اتخاذ جميع الإجراءات (...) لاستعادة الشرعية والنظام الدستوري بأسرع ما يمكن».
وكان من المقرر أن يتوجه راخوي بعد ظهر أمس الخميس إلى بروكسل للمشاركة في مجلس أوروبي في وقت يثير فيه الملف قلقا في أوروبا أيضا.
وحذر رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، أمس، من أنه إذا مضت سلطات إقليم كاتالونيا قدما وأعلنت الاستقلال عن إسبانيا، فلن يدعمها أحد في الاتحاد الأوروبي. وقال تاجاني لإذاعة «كوبي» الإسبانية: «أعتقد أنه سيكون من الجيد بالنسبة لحكومة كاتالونيا ألا تعلن الاستقلال، سيكون من الجيد لأنه لا يوجد أحد يؤيد استقلال كاتالونيا». وأضاف: «نحن نؤيد الحوار، ولكن ليس من الممكن أن يقبل أحد في أوروبا باستقلال كاتالونيا». وإذا أصر زعماء كاتالونيا؛ «فإنهم سيصبحون معزولين، فلن يساعد أحد حكومة كاتالونيا على هذا الطريق».
وأكد زعيم المعارضة الإسبانية الاشتراكي بيدرو سانشيز الملتحم في جبهة مشتركة بشأن كاتالونيا مع راخوي، في تصريحات أن «دعم المؤسسات الأوروبية أقوى من أي وقت مضى».
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الاتحاد الأوروبي سيوجه «رسالة وحدة» بشأن إسبانيا فيما يخص أزمة كاتالونيا، وعبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أملها في التوصل إلى حلول «على قاعدة الدستور» الإسباني.
وبدا أمس أن استعادة الثقة بين برشلونة ومدريد، كما تريد المؤسسات الأوروبية وكثير من سكان كاتالونيا، بعيدة المنال. وعبر سكان برشلونة عاصمة كاتالونيا عن ضيقهم. وقال ألبرت بويغ (35 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية: «ما عدت أستوعب (...) كل يوم هناك مهلة مهمة جدا، تاريخ مهم جدا»، مضيفا، وهو يدخن سيجارة أمام مقر عمله: «أحاول بجهدي أن أبقى على اطلاع، لكني لا أرى تقدما». وتابع - وهو الذي يقول إنه «أقرب إلى دعاة الاستقلال» - أنه لم يعد يعرف «بوضوح تام ما موقفه... لو سألتموني قبل شهر، لقلت إني متحمس».
ودعا حزب «سي يو بي» اليساري المتشدد الصغير والحليف الأساسي لبوتشيمون والراغب في ولادة فورية لجمهورية كاتالونيا المستقلة، إلى مظاهرات. وتضغط الأوساط الاقتصادية أيضا على رئيس كاتالونيا ليوقف العملية. ونقلت أكثر من 800 شركة؛ بينها أكبر مصرفين كاتالونيين، مقراتها من كاتالونيا منذ الاستفتاء، بحسب سجل التجارة والشركات. كما شهدت السياحة تراجعا.
ويرى قادة كاتالونيا أن استفتاء تقرير المصير المحظور من القضاء والذي نظم في 1 أكتوبر الحالي، منح البرلمان الإقليمي «تفويضا شعبيا» لإعلان الاستقلال. وبحسب الأرقام التي أعلنوها ولا يمكن التحقق منها، فإن 90 في المائة ممن شاركوا في الاستفتاء أيدوا الاستقلال. وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 43 في المائة. لكن هناك انقساما عميقا في كاتالونيا حول الأمر.
في الأثناء؛ أشارت مصادر حكومية في مدريد أول من أمس إلى حل لخروج مشرف من الأزمة يتمثل في الدعوة إلى انتخابات محلية مبكرة. لكن خوان تاردا، المتحدث باسم اليسار الاستقلالي في مجلس النواب بمدريد، رفض ذلك، وأكد أن الحكومة الكاتالونية لن تدعو إلى انتخابات مبكرة.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.