العمل في المستشفيات ودور الأيتام بديلاً عن سجن الغارمات في مصر

مبادرة جديدة دشنتها 25 جمعية أهلية

يبلغ عدد الغارمات في السجون نحو 30 ألفاً
يبلغ عدد الغارمات في السجون نحو 30 ألفاً
TT

العمل في المستشفيات ودور الأيتام بديلاً عن سجن الغارمات في مصر

يبلغ عدد الغارمات في السجون نحو 30 ألفاً
يبلغ عدد الغارمات في السجون نحو 30 ألفاً

قدم عدد كبير من مسؤولي المجتمع المدني في مصر، مبادرة جديدة لاستبدال عقوبة أخرى ليس من ضمنها السجن، بعقوبة حبس الغارمات. وتقضي المبادرة التي دشنتها 25 جمعية أهلية، بطرح تعديل قانوني، يسمح للغارمات بتطبيق عقوبة بديلة، من خلال الخدمة العامة في المستشفيات، أو العمل بدور الأيتام والمسنين، مع مراعاة تدريب هؤلاء النسوة قبل الاندماج في المجتمع.
ويقبع في سجون النساء بمصر نحو 30 ألف سجينة من الغارمات، حكم عليهن بالحبس لتعثرهن في سداد «إيصالات أمانة»، بواقع 25 في المائة من إجمالي الغارمين بمصر، حسب إحصائية حديثة لوزارة التضامن الاجتماعي، وحفز الرقم الضخم عدداً من الجمعيات الأهلية لتدشين مبادرة تساعد في حل أزمة الغارمات.
وقالت نوال مصطفى، صاحبة فكرة المبادرة، ورئيسة مجلس إدارة جمعية رعاية أطفال السجينات، في مؤتمر تدشين المبادرة: «إن أحوال الغارمات أصبحت ملحة في المجتمع المصري، بعدما أصبحت (وصمة عار) تلاحق النساء». وأضافت: «مضمون المبادرة الأساسي يدور حول تعديل المادة 341 من قانون العقوبات المصري، الذي يعتبر التوقيع على إيصالات الأمانة بمثابة جناية وليست جنحة مدنية».
وتلجأ سيدات مصريات، خصوصاً من الريف، إلى الاقتراض وتوقيع إيصالات الأمانة في مواجهة الفقر والعوز، خاصة لشراء مستلزمات الزواج للأبناء. وبعد التعثر في سداد المبلغ، تواجه السيدات السجن، حتى إذا وقَّعت كضامنة لأي من أفراد الأسرة.
وتفتح المبادرة باب أمل للغارمات، مع الحفاظ على أموال الدولة التي تنفقها خلال مدة حبس الغارمات، وفقا لما يراه، المستشار بهاء الدين أبو شقة، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب. وأضاف خلال مشاركته بوضع مسودة القانون: «فلسفة العقوبات الحديثة في العالم تجنح الآن للعقوبات البديلة».
ومن الناحية الاقتصادية، ترى الفنانة المعتزلة ياسمين الخيَّام، إحدى المشاركات في المبادرة: «إن سوق دار الأيتام والمسنين بحاجة إلى يد عاملة»، وفي ذلك قالت لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقترح العقوبة البديلة بمثابة إغاثة ملهوف، وهي من القربى إلى الله، بدلاً من ترك النساء لعالم السجن الصعب».
افتتحت الخيَّام المبادرة، بالإعلان عن استعدادها لتشغيل عدد من الغارمات لديها في الجمعية الخيرية التي أنشأتها إبان اعتزالها الفن، والتدريب على النسيج والأخشاب، موضحة أنّها لا تخاف من هروب السيدات، إذا تم تطبيق المبادرة، قائلة: «هن لسن مجرمات، بل تم حبسهن بدافع الفقر والعوز». وسبق أن أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قراراً بالإفراج عن 300 غارمة، بعد تسديد ديونهن، بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية، عام 2015.
«مبادرة ملحة، تحتاج إلى اهتمام الإعلام والمجتمع المدني، فحبس الغارمات بالسجون سبة في جبين مصر»، وفقاً للباحث السياسي محمد حامد، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المقترح بتعديل القانون بحاجة كذلك إلى انتباه من نواب البرلمان المصري، خلال انعقاد دورة البرلمان الثالثة».
«العقوبة البديلة وحدها لا تكفي، نحتاج كذلك إلى وعي وثقافة في المجتمع، خصوصاً وسط سيدات الريف اللاتي يلجأن لشراء عدد كبير من أدوات جهاز العروس، على الرغم من عدم حاجتهن لذلك»، حسب وصف الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب. وأضافت خلال المؤتمر قائلة: «المرأة المصرية أحياناً تقذف نفسها في النار بالاستدانة تحت ضغط العادات والتقاليد».
من جهته اعتبر إسلام أبو المجد، استشاري التنمية المستدامة بمؤسسة «حياة» أنّ «تطبيق المبادرة ليس سهلاً؛ لأنّ هذا الطرح يؤكد الجريمة على الغارمة»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «يجب حل الأزمة قبل الذهاب إلى المحاكم المصرية، من خلال تعاون جمعيات المجتمع المدني، وأصحاب رؤوس الأموال التي تعطى للغارمات».
من جانبها، تأمل الجمعيات الأهلية المشاركة بالتحالف، في طرح مقترح التعديل القانوني في دورة الانعقاد الثالثة لمجلس النواب المصري المقبلة، مؤكدين أنّه يتم تطبيقها في عدد من الدول العربية والأجنبية، مثل السعودية، والإمارات، والجزائر، وبلجيكا، وفرنسا، والمملكة المتحدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».