برعاية السيسي... أمين رابطة العالم الإسلامي يخاطب أكبر تجمع لمفتي العالم الإسلامي بالقاهرة

قال إنه يتعين مراعاة الفارق بين فتوى الأفراد وفتوى الدول وإن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال عند الاقتضاء والإمكان لا بالتشهي ومداهنة الهوى

الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)
الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)
TT

برعاية السيسي... أمين رابطة العالم الإسلامي يخاطب أكبر تجمع لمفتي العالم الإسلامي بالقاهرة

الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)
الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)

شارك أمين عام رابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء السعودية، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، ضمن المتحدثين الرئيسيين في جلسة افتتاح المؤتمر الدولي الذي نظمته دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء حول العالم بعنوان: «دور الفتوى في استقرار المجتمعات»، والمنعقد خلال الفترة من 17 إلى 19 أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2017م في مدينة القاهرة برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومشاركة شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، ومفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، وعدد غفير من مفتي العالم الإسلامي، ورؤساء جمعيات وهيئات إسلامية حول العالم.
وأشاد العيسى، في كلمته، باللقاء الحافلِ بجمعه العلمي المتميز، وهو يستطلع شأناً مهماً، لدَور الفتوى في استقرار المُجتمعات، مستجلياً حلولاً يتطلع إليها علماء ومفكرو الأمة، في مطلب نفيس ينشده الجميع، مشيرا إلى أن شتات الفتوى وعدمَ زمِها بقانونٍ ضابطٍ وفعّالٍ، ولا سيما ما يخص الشأنَ العام «يُعتبر مُعضلة تطِرد سلبا ونعيا كُلَ يوم، ولهذا أثرٌ كبير على سِلْم المجتمعات، واستقرارِها، ولا يقتصرُ ذلك على مجتمعات الدول الإسلامية، بل يتعداها لبلاد ما يسمى الأقليات».
وأضاف أن خطاب الإفتاء يحمِل برسوخه العلمي، وتجلياتِ بصيرتِه توجيهاتٍ توعوية للجاليات الإسلامية تُكسبها الحكمة، وتبعدها عن الارتجال والفوات والعجلة، وما أكثرَ ما يغيبُ المرادُ من النص، فيفوتَ الوصولُ لعِلته في سياق علم المقاصد، حيث يدور الحكم عليها وجوداً وعدماً، وما أقل النظرَ في المآلات واختلافِ الزمان والمكان والأحوالِ، حيث يختلف بها الحكم والفتوى عند الاقتضاء والإمكان، لا بالتشهي ومداهنة الهوى، وما أسعد المفتي بالصواب، وقد احتاط للدليل، واستوعب معنى النص، واستجلى مقاصده، وسلك في ذلك سبيل السعة على الخلق، على جادة الإسلام في الرحمة والتيسير، والتسديد والمقاربة، مدركا أنه لن يُشادَ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، في معادلة توازنٍ، لا يُلَقَاها إلا الراسخون في العلم، لا حملتُه مجردا من فقهِه، فربَ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه، وربَ مبلغ أوعى من سامع.
ولفت الدكتور العيسى إلى أن كثيراً من الناس قد ضل في تيه بعض حاملي النصوص، فحَسِبوا العلمَ سردَ مادتها المجردة، في استظهار مذهل، واستعراض خداع، يخبط خبط عشواء، كما فات بعضا آخر، الفرقُ بين الفتوى العامة والخاصة، والتفريقُ بين خاصة الأفرادِ أنفسِهم، لاختلاف الأحوال، كما فات كذلك مراعاة الفرقِ نفسِهِ في الفتوى العامة، ولم يتيقظ بعض المفتين لأمرٍ مهمٍ، فغاب عنهم أن الاحتياط في فتوى الأفراد والمؤسسات الخاصة يختلف عن الاحتياط في فتوى المؤسسات العامة، ولا سيما شأن الدول؛ فقاعدة رفع الحرج وعمومِ البلوى تكتنف هذا المحلَ أكثرَ من غيره، وسطحية النظر تغفل عما يكابده، وما أهونَ الحربَ على النظارة.
وزاد أن رعاية جميع ما سبق يصُبُ في مصلحة استقرار المجتمعات وإلْفِهَا، التي تتناولها محاورُ هذا المؤتمر، ويتعين لهذا التصنيف العالي من الفتاوى تخصيصُ إمام فتوى عام لا يزاحَم، أو ردُها لفتوى مجمعية، مع المنع البات من تطرق غيرهم لها، في إطار الحماية القانونية لحظ الصالح العام، مع تكييفِ اختراق هذا الحِمَى بالعمل الجنائي، حيث تخطى سقف حرية الرأي العلمي إلى مداهمة استقرار المجتمع بانتحال اسم الشرع وهو - هنا - في طليعة الأفعال الضارة، ومتى أفضت الحرية إلى هذا النوع من السطو، استحالت لفوضى وجناية عامة في ظرفٍ مشدد، مؤكداً أن هذا كله لا يَصرف العالم عن العناية أيضا بفتوى الأفراد، فلها ارتباط كذلك بالاحتياط لحكم الشريعة مع التأليف عليه.
واعتبر الشيخ العيسى أن من رسوخ علماء الشريعة ويُمن فهمهم الانفتاح على الاختلاف السائغ ورحابة الصدر بالمخالف، وقد أمر الإمام أحمد - رحمه الله - أحدَ تلامذته، وقد سمى كتابَه كتابَ الاختلاف أن يسميَه كتابَ السعة، لافتا إلى أن من نكد الفتوى إثارتُها للوجدان العام، ومصادمة الأعراف المشروعة فيما الجادة بخلافه، وذلك أن جمع القلوب والرفقَ بالناس بتصحيح أعرافهم مطلب شرعي إلا ما كان منها على خطأ بيِن، عندنا عليه من الله برهان، والعالم البالغ ذِروة الاجتهادِ، أحفلُ ما يكون بالسعي حسب الوسع لتخريج أعراف الناس ومعتادِهم على الإجازة والإمضاء، كما هو الأصلُ فيها.
وقال الشيخ العيسى إن «عفو الشريعة قد تسامح عن القياس المُحَرم في بعض المعاملات فأجازها استثناء، منعا لتحريج الأمة في شأن حاجياتها، كما في الباعث على الحكم الاستثنائي للعقد على المعدوم في الإجارة وغيرها، بل شَمِلت الرحمة العفوَ في الكمالياتِ الترفيهية كما في مسألة العرايا وغيرها، ولا توسُعَ في هذا على سياق الشرع».
وأكد الشيخ العيسى، أن «من العنت التضييق على الناس في فهم وتطبيق قواعد رفع الحرج، واستشعار المفتي أنه حارس حكم الحرام دون الحلال، وقد قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)، فجعلهما في التشنيع بحكمهما الكاذب على حد سواء، ومع خطر مقتحِم الفتوى العامة والخاصة على حكم الشريعة ومقصدها في استقرار المجتمعات وإلفها، إلا أن اليقظة لأهمية تشريعها التنظيمي دون المأمول»، لافتا النظر إلى «أنه لا يخفى أن أول ناقض للباعث على الفتوى المجمعية، هو الشتات الناكث لها من قبل كل متكئ على أريكته، لا يتجاوز نظرُه نطاقَ أفقه الضيق، وهؤلاء (على حسن الظن بهم) هم الأقل حظا في تدبر المآلات».
ووصلا لفائدة الفتوى المجمعية تابع أمين عام رابطة العالم الإسلامي: «ما أحسن الوصالَ والتنسيق - عند الاقتضاء - مع الدول ذات التجانس والتقارب لتوحيد الفتوى ما أمكن الحال، وكلما اتحد حكم الشريعة في نظر المجتهدين فيما تمس الحاجة لضبطه، كلما كان أكثر تأثيراً ونفعاً، والمدخل الآخر على مجمعية الفتوى هو تضاربها مع مجمع آخر، وهذا لا بد له من نظر ومعالجة، وإلا زاد الزمانة علة، وما أصعب الاختلافَ في فهم أطر الدين متى تجاوز إطار سعته المسموح بها، وأفضى إلى الشر والنزاع والتشويش، وما شكوى سنة الإسلام اليوم إلا من كثرة الرؤوس في رسمية مرجعيتها العلمية، فكيف بتطفلها وعشوائيتها».
وأوضح أنه وصلا لقانون الفتوى في هذا المعنى يتعين تجريم الاختلاف على فتوى الإمام الجامع للأمة على جادة تآلفها، وإذا كان المخالف ينشد براءة الذمة فقد برئت بفتوى المؤهل وبكفِ كلِ مخالفٍ له بسياسة المانع الشرعي والزاجر القانوني، وكثير ممن يخالِف ويجازف في هذا لا يخلو من دافع مستجِر، أو هوى متبع، ومن جعل علمه غرضا للأهواء اضطرب دينا ودنيا، وتبقى السعة العلمية في هذا الخصوص بعَيْنِهِ في أروقة الدراسات الأكاديمية والمؤلفاتِ العلمية لا في أوساط عموم الناس.
ودعا في كلمته لحماية حِمَى الفتوى من تصنيف الترخيص لها على الموضوعات مع التحفظ على الفتاوى الحية، حيث لا مجال للتدبر ولا التحرير، وشرع الله لا يلقَى جزافا على الهواء، وهو أول ما يُستفرغ له الوسع، دراسة وتأملا ومراجعة، فضلا عما في تلك الفتاوى الطائرة من استدراج المفتي بحبائل الاستفتاء، وكم لكثير منهم من وقائع ذات مخاطر ومزالق، ولإن مضت في زمن سابق ليُسر الحال وبراءة السؤال، فالحال اليوم تختلف.
وأشار الشيخ العيسى أن للمفتي شأنا آخر مع فقه التنزيل بضابط تحقيق المناط، وتتجلى أهمية ذلك فيما يسمى فقه الأقليات أو المهجر حيث الترتيب بين المصالح والمفاسد، أخذا بالأولويات وإعمالا لموازناتها، وما حُرِم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، ونجد الواقعة في المهجر على فتوى الجواز والحل، وفي غيره على المنع والحظر، وبمثل هذا الوعي الإفتائي يكون الفهم عن الله ورسوله، وهو طريق السلامة من أخطاء التأصيل والتنزيل، مضيفا أن على المفتي وهو يحفل باستقرار المجتمع العناية بالبدائل والحلول الشرعية؛ فدين الله سعة ورحمة، لا حرج فيه ولا مشقة، وما حَرم شيئا إلا جعل له عوضَ خير، عَلِمَهُ من علمه وجهله من جهله، يُؤتاه الراسخُ علماً، والمهدي أمانة وصدقاً، كما على المفتي اليقظة لمزلق الزاوية الواحدة في النظر الفقهي، وبسببها جرى التوسع، ثم العنتُ على الناس في باب سد الذرائع على أن من الذرائع ما يدخُل في حيز الوهم أو الإلغاء.
ولفت الدكتور العيسى النظر إلى أن أمور الناس محمولة في أصلها على الجواز والإمضاء، وعلى المفتي الموازنة بين الواجب بحسب الاقتضاء الحكمي للنص، وبين الواقع تنزيلا على مقصد الشرع الحنيف، مراعيا التيسير والتخفيف، وهو ذروة الفقه الشرعي، وذروة المسلك الوسطي، فلا يُهدَر النص، ولا يهمَل الواقع.
يذكر أن عددا كبيرا من علماء ومفكري العالم الإسلامي وحشدا من كبار المدعوين من سياسيين ودبلوماسيين وممثلي أتباع الديانات ناهز الألف شخصية، كانوا ضمن من حضروا المؤتمر، وحظيت مشاركة الشيخ العيسى باهتمام المؤتمرين على المنصة الرئيسية للمؤتمر.


مقالات ذات صلة

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

آسيا الشرطة الباكستانية تُلقي القبض على رجل متهم بإهانة القرآن (إ.ب.أ)

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

ألقت الشرطة الباكستانية القبض على رجل متهم بإهانة القرآن، في شمال غربي البلاد، اليوم الثلاثاء، بعدما تلقت بلاغاً يفيد بأن مجموعة من الناس تسعى لإعدامه.

«الشرق الأوسط» (بيشاور (باكستان))
الخليج الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)

العيسى يناقش «تفهم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم بين الإسلام والغرب» في سويسرا

حَلّ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (رويترز)

متعهداً بإنهاء صراع الشرق الأوسط... ترمب يسعى لأصوات المسلمين في ميشيغان

سعى المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى استمالة الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان.

«الشرق الأوسط» (ديترويت)
أوروبا مظاهرة لدعم غزة في ميدان ترافالغار بلندن (رويترز)

دراسة: نصف مسلمي الاتحاد الأوروبي يتعرضون للتمييز

أفاد نحو نصف المسلمين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي بأنهم يتعرضون للتمييز في حياتهم اليومية، مع تسجيل «زيادة حادة في الكراهية» عقب حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الخليج الدكتور محمد العيسى دشن أعمالَ المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» (الشرق الأوسط)

العيسى يدشن المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» للتصدي لشبهات الإلحاد

دشن الشيخ الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، أعمالَ المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.