بوتين يفرض على بيونغ يانغ عقوبات تجارية ومصرفية

TT

بوتين يفرض على بيونغ يانغ عقوبات تجارية ومصرفية

بعد شهر ونيف على تأكيده بأن «أزمة كوريا الشمالية لا يمكن حلها بالعقوبات وحدها»، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم أمس مرسوما يقضي بفرض مجموعة من العقوبات على كوريا الشمالية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2321، بسبب قيامها بتجارب صاروخية ونووية.
وأوضح المرسوم الرئاسي الذي نشر على الموقع الرسمي للمعلومات القانونية أن القرار الجديد اتخذ تنفيذاً للقرار الدولي الصادر في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 2016، بعد قيام بيونغ يانغ بإجراء تجارب نووية صاروخية. وتشمل العقوبات التي أقرها بوتين 11 فردا و10 شخصيات اعتبارية من كوريا الشمالية، كما حظرت استيراد جملة من الخامات الطبيعية والمعادن من كوريا الشمالية. إلى ذلك، علّق المرسوم التعاون العلمي والتقني، باستثناء التبادل في مجال الطب، إذا كان يمكن أن يساعد على تطوير البرامج المحظورة، كما طالت العقوبات التعاون المصرفي بين البلدين، ومجالات أخرى.
ويشكل قرار العقوبات الروسي ضد كوريا الشمالية تطوراً لافتاً قي التعاطي الروسي مع الأزمة الكورية، حيث كانت موسكو تعارض دوما فرض عقوبات اقتصادية ضد كوريا، وتحذر من أن هذا الأسلوب وزيادة الضغط على بيونع يانغ لن يساعد على حل الأزمة بل سيزيد الوضع تعقيداً. وكان بوتين عبر عن هذا الموقف خلال محادثاته مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي - إن، وقال حينها: «واضح أن حل أزمة شبه الجزيرة الكورية بالعقوبات والضغط فقط، غير ممكن». كما دعا إلى «عدم الانجرار وراء الانفعالات، وعدم زج كوريا الشمالية في الزاوية»، معبّرا عن قناعته بأنه «من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى، إظهار ضبط النفس وبرودة أعصاب، وتفادي الخطوات التي تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر».
وفي مطلع سبتمبر الماضي أيضاً، انتقد بوتين دعوات واشنطن لتشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية، وقال في مؤتمر صحافي عقب قمة مجموعة «بريكس» في الصين إن بيونغ يانغ «ستأكل العشب» لكنها لن تتخلى عن برنامجها النووي رغم الضغط الخارجي. وأشار إلى أنه «في ظل هذا الوضع يبدو اللجوء إلى أي نوع من العقوبات غير مجد وغير فعال»، وأضاف: «إنهم سيأكلون العشب لكنهم لن يتخلوا عن البرنامج النووي إن لم يشعروا أنهم في أمان».
وحسب المرسوم الرئاسي، فإن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية في مجالات العلوم النووية والتقنيات، والفضاء وصناعة الآليات والطيران ممكن، لكن فقط في الحالات التي لا يساهم فيها هذا التعاون بتطوير البرنامجين الكوريين النووي والباليستي.
وأمر بوتين بسحب التراخيص الروسية من السفن البحرية المرتبطة بالبرنامج النووي الكوري، ومنع تلك السفن من دخول الموانئ الروسية، إلا في الحالات الطارئة. ويحظر المرسوم على كوريا الشمالية استخدام أي منشآت على الأراضي الروسية لأغراض غير العمل الدبلوماسي والقنصلي، بينما لا يحق للبعثة الدبلوماسية الكورية الشمالية أن تمتلك أكثر من حساب مصرفي واحد لكل دبلوماسي كوري معتمد لدى روسيا. أما الخامات الطبيعية والمعادن التي تشكل مصدر دخل مهما لكوريا الشمالية، فيحظر المرسوم الرئاسي على المواطنين والشركات الروسية اقتناء النحاس والنيكل والفضة والزنك من كوريا الشمالية، فضلا عن نقلها على سفن نحمل علم روسيا. وفي الشق المصرفي - المالي، سيقوم الجانب الروسي بموجب مرسوم العقوبات بإغلاق كل ممثليات وفروع المصارف الروسية في كوريا الشمالية، وكذلك الحسابات المصرفية للشركات الروسية هناك، باستثناء الفروع وممثليات وحسابات مصرفية المهتمة بتقديم المساعدات الإنسانية أو ممارسة نشاط البعثة الدبلوماسية الروسية هناك.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟