بلجيكا: خبير في شؤون التطرف يطالب بعفو ملكي لإسقاط حكم قضائي ضده

مدان في قضية تزوير مستند لصالح شخص حاول السفر للقتال في الخارج

صورة مدخل محكمة بروكسل أثناء النظر في أحد ملفات تسفير المقاتلين (تصوير: عبد الله مصطفى)
صورة مدخل محكمة بروكسل أثناء النظر في أحد ملفات تسفير المقاتلين (تصوير: عبد الله مصطفى)
TT

بلجيكا: خبير في شؤون التطرف يطالب بعفو ملكي لإسقاط حكم قضائي ضده

صورة مدخل محكمة بروكسل أثناء النظر في أحد ملفات تسفير المقاتلين (تصوير: عبد الله مصطفى)
صورة مدخل محكمة بروكسل أثناء النظر في أحد ملفات تسفير المقاتلين (تصوير: عبد الله مصطفى)

تقدم منتصر الدعمة، الخبير المتخصص في شؤون التشدد وكان يدير مركزاً للتحذير من خطط التطرف، بالتماس للعاهل البلجيكي الملك فيليب، للحصول على عفو ملكي، لإسقاط الحكم القضائي الذي أدانه في ملف يتعلق بتزوير مستند، لصالح أحد الأشخاص اعتقلته الشرطة، ويدعى جواد، على خلفية السفر إلى مناطق الصراعات. وقال الدعمة وهو من أصول عربية، إن الدولة البلجيكية تخلت عنه بعد أن عمل لفترة من الوقت لصالحها في ملف مكافحة التطرف، والكشف عن محاولة تسفير الشباب إلى مناطق الصراعات، وبعدها تلقى تهديدات بالقتل من متشددين، وذلك حسبما نقلت وسائل إعلام محلية في بروكسل. وكان الحكم النهائي ضد الدعمة قد صدر قبل أسبوع، بالسجن لمدة 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ بعد إدانته في تزوير مستند لشخص لتبرئته من محاولة السفر للالتحاق بالجماعات المسلحة في مناطق الصراعات. وكان المستند عبارة عن شهادة من المركز الذي كان يديره الدعمة، لمساعدة الأشخاص في فهم واكتشاف الفكر المتشدد، ما ينفي عن المتهم جواد (28 سنة)، أي اشتباه في نيته للحاق بمنظمات إرهابية أو متشددة في الخارج. وخلال المحاكمات أصر الدعمة على أنه عمل مع جهاز الاستخبارات البلجيكية لمساعدتهم في جمع أكبر قدر من المعلومات بشأن شخص يدعى هشام الشايب، أحد قيادات جماعة الشريعة في بلجيكا التي حظرت السلطات نشاطها قبل أكثر من 3 سنوات، بسبب الاشتباه في تورطها في تجنيد وتسفير الشباب للقتال في سوريا والعراق. وقال الدعمة: «إن إدانة القضاء البلجيكي له، وإصدار حكم ضده بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ سيكون له تأثير على حياته العملية والشخصية، وفضلاً عن ذلك، فإنه تلقى تهديدات بالقتل»، مضيفاً: «من غير المعقول، أن تتم إدانتي وأنا أتعرض لتهديدات بالقتل»، حسبما نقلته عنه صحيفة «دي مورغن» اليومية البلجيكية.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، صدر الحكم الأول في هذه القضية عندما قضت محكمة مدينة ميخلن القريبة من العاصمة البلجيكية، بمعاقبة الخبير في قضايا المتشددين الدعمة ومعه محامٍ وإمام مسجد بالسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة مالية، للتورط في قضية تزوير لمساعدة أحد الأشخاص الذي كان يواجه اتهامات تتعلق بالسفر للقتال في الخارج. وكان الادعاء العام قد طالب بعقوبة الحبس لمدة عام، ولكن المحكمة قررت السجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ، واعتبارها فترة مراقبة للأشخاص الثلاثة وتبرئة الشخص الذي كان يواجه اتهاماً بالتخطيط للسفر إلى الخارج. وتعود الواقعة إلى نوفمبر من عام 2015 عندما اعتقلت السلطات البلجيكية شخصاً يدعى جواد في قضية تنظيم يعرف باسم «الطريق إلى الحياة» يشتبه في علاقته بتسفير الشباب للقتال في الخارج. واقترح إمام مسجد سابق في ميخلن، أن يحصل شقيقه على شهادة من مركز يديره الدعمة في أحد أحياء مولنبيك في بروكسل، ويتضمن دورات دراسية حول مواجهة التشدد، ولكن المركز أغلق أبوابه بعد وقت قصير. والدعمة هو باحث جامعي من أصول فلسطينية ومتخصص في قضايا الجماعات المتشددة، وظهر كثيراً في وسائل الإعلام البلجيكية للتعليق على القضايا المتعلقة بهذا الملف. وبالفعل ذهب الشيخ خالد ومعه شخص آخر يدعى نبيل، وهو المحامي الذي كان مكلفاً بالدفاع عن جواد، إلى بلدية مولنبيك بناء على اتفاق عبر الهاتف مع الدعمة، ولكن ماكينة طباعة المستندات كانت معطلة، واضطر الدعمة إلى إرسال نص الشهادة عبر الإيميل إلى المحامي موقعة منه ومختومة بختم المعهد الذي كان يديره لتنظيم الدورات الدراسية. وبعد ذلك جرى تقديم المستند للمحكمة، ولكن قاضي التحقيقات أمر بإجراء تحقيق حول هذا الأمر في يناير (كانون الثاني) الماضي، وتبين أن الدعمة لم يشاهد جواد من قبل ولم يحضر الأخير أي دورة دراسية حول مواجهة الفكر المتشدد. وقررت المحكمة معاقبة الأشخاص الثلاثة وفي الوقت نفسه إطلاق سراح جواد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟