جوناثان لابين: مهمتنا جعل العالم أكثر تقارباً... والذكاء الصناعي هو المستقبل

مدير «فيسبوك» الإقليمي يكشف لـ«الشرق الأوسط» عن مشاريع جديدة خاصة بالمنطقة

جوناثان لابين
جوناثان لابين
TT

جوناثان لابين: مهمتنا جعل العالم أكثر تقارباً... والذكاء الصناعي هو المستقبل

جوناثان لابين
جوناثان لابين

عند النظر إلى علامة «فيسبوك» التجارية، يتبادر إلى الذهن تساؤل عن قدرة برنامج التواصل الاجتماعي الأشهر على ربط البشر حول العالم بتفاصيلهم، وكيف بنى علاقات جديدة بين أطراف الكرة الأرضية. الأمر الذي تعتبره إدارة الشركة «كنزا». يؤكد جوناثان لابين مدير شبكة «فيسبوك» في الشرق الأوسط وأفريقيا وباكستان، أن التنفيذ الجيد لا يكفي، بل يجب أن يتخطى النطاق الاعتيادي. ويكشف في حواره مع «الشرق الأوسط» عن استراتيجية «فيسبوك» خلال الفترة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، وكيفية تأثير محتوى الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي. وفيما يلي نص الحوار:
> ما استراتيجية «فيسبوك» في المنطقة للفترة المقبلة؟
- أعتقد أنه بمجرد أن تعمل في «فيسبوك» أول شيء يتعين عليك أن تفهمه أننا شركة تدفعها مهمة أو رسالة تريد إيصالها للمجتمع. لذلك؛ كل ما نقوم به يشكل سلسلة طويلة الأمد. هدف وفلسفة مهمتنا جعل العالم أكثر انفتاحاً واتصالاً لمنح الأشخاص القدرة على التواصل ومشاركة المعلومات، ولقد أحرزنا تقدماً ملحوظاً في ذلك، وبخاصة لربط الأصدقاء والعائلات عبر منصتنا.
مهمتنا الجديدة خلق ترابط بين أفراد المجتمع وجعل العالم أكثر اتصالا. ورغم أن «فيسبوك» يلعب دوراً رئيسيا في خطتنا إلا أن اسـتراتيجيتنا تمضي قدماً؛ لذا الأمر لم يعد «فيسبوك» فحسب، وباتت تتمركز أكثر وأكثر على منتجات الشركة التكنولوجية، وبالتالي، إذا كنت أخطط لليوم والأعوام القليلة التالية فإن الأمر لا يتعلق بـ«فيسبوك» فحسب، بل بـ«إنستغرام»، وبخاصة في هذا الجزء من العالم، منطقة الخليج العربي، تستحوذ على الاهتمام الأكبر للمستخدمين إلى جانب الـ«ماسنجر» والـ«واتساب» بالطبع.
البحث أيضاً مستمر عن أفضل استراتيجية مناسبة للهاتف الذكي. وإن فكرنا في مدى أبعد السنوات الخمس أو العشر المقبلة، فإن ما نحتاج إليه هو أن نجعل العالم أكثر تقاربا، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز ووسائل الاتصال ككل، وأنا أرى أن كل هذه الأنواع والعناصر من العوامل المساعدة لاستراتيجيتنا، حيث تعتبر أعمدة رئيسية ترسخت وتم التأسيس لها في مهمتنا منذ اللحظة الأولى.
> ما العوامل التي تساعدكم لتحقيق هذه الاستراتيجيات؟
- أعتقد أن عامل النجاح الرئيسي بالنسبة لنا في «فيسبوك»، هو دائماً التنفيذ على مدار اليوم. يستند كل شيء إلى التنفيذ، فحينما تسأل أيا من قادتنا أو رؤساء شركاتنا على الصعيد العالمي، سواء كان كبيراً أم صغيراً، أم أي من مؤسساتنا حول أكبر التهديدات التي تواجهنا؟ فإنهم يجيبون بأن أكبر التهديدات، هي عدم إنجاز الأهداف.
من الواضح أن هناك عوامل أخرى تؤدي دوراً، وأرى كذلك أن هذه العوامل في الشرق الأوسط، وفي السعودية تحديدا تساعدنا كثيراً. يحتل الهاتف الذكي اهتمامنا الأول، وهذا يلعب دورا مساعدا لنا في رسم خططنا، وأعتقد أن اسـتراتيجيتنا تلعب دورا فاعلا في هذه المنطقة لكثرة انتشاره.
وإذا كنت تتذكر عندما كان مستخدمو الهواتف الجوالة في الأعوام الخمسة والعشرة الماضية يتواصلون بالرسائل النصية، وإذا عدنا للأعوام القليلة الماضية، كانت هناك الصور، أما اليوم فإن الفيديو هو محور تفكير المستخدمين في العالم؛ لذلك أعتقد أننا نتعامل على نحو جيد مع المستجدات، وبالتالي فكل شيء يتمركز حول مقاطع الفيديو جزءا أساسيا من استراتيجيتنا، والتي ستحدد نجاحنا في الشرق الأوسط. ونرى في منصتنا اليوم أن الفيديو سيلعب دورا بارزا، وحيويا وسوف يكون مفتاح النجاح في المستقبل.
> منصة «فيسبوك» منتشرة في دول المنطقة، لكن هناك تباينا في كثافة المستخدمين، فمثلا «فيسبوك» في السعودية أقل شعبية من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى. ما خططكم لزيادة المستخدمين وتوسيع شعبيته في السعودية تحديدا، وفي باقي دول منطقتنا العربية؟
- بوجه عام نحن سعداء للغاية من مستوى أداء منصتنا الأشهر «فيسبوك» في هذه المنطقة من العالم. دعني أسرد لك قصة بدايتنا هنا، حينما أتذكر افتتاح مكتبنا قبل خمس سنوات وقد كنت أول من يعمل به هنا في دبي، وأتذكر بشكل جيد للغاية اليوم. ومع انطلاقنا انضم نحو 45 مليون مستخدم في كافة أنحاء الشرق الأوسط دون أفريقيا. اليوم وبعد مضي نحو خمسة أعوام، يضيف «فيسبوك» نحو 164 مليون شخص على منصتنا في المنطقة كل شهر و100 مليون يتفاعلون على المنصة كل يوم. لذلك؛ فإن «فيسبوك» ككل ينمو بشـــكل هائل ومتسارع في المنطقة، وكذلك في السعودية. ونحن كذلك سعداء للغاية بالتطور في المملكة، اليوم هناك نحو 16 إلى 17 مليون مستخدم على «فيسبوك» في السعودية، ونحو عشرة ملايين شخص يتفاعلون كل يوم؛ لذلك هناك الكثير من الأشخاص السعداء بالتطور.
وأرى كما قد تلاحظون أن بعض الخطط التي ذكرتها لكم ستلعب دورا مهما وتساعدنا في المنطقة، وهي استراتيجية أولوية تغطية الهواتف الذكية، وتركيز تفكيرنا على الفيديو وكذلك الوســائل التي نعمل ونرتب فيها للتوافق مع نسق ونوعية نظام الاتصالات السعودي، وبالإضافة إلى التعاون مع شركاء سعوديين، وعلى سبيل المثال، للعمل والتعاون مع بعض مبدعي وكتاب المحتوى في السعودية. كما استطعنا التعاون مع صحافيين سعوديين ذوي شعبية كبيرة وقريبين من نبض المستخدمين لمنصتنا، ونحاول جذب مبدعي المحتوى لاستخدام منصتنا عن طريق توفير الإمكانات الكاملة لهم على منصتنا. ولدينا شركاء مهمون يلعبون دورا فاعلا للغاية في تطوير أداء وشعبية «فيسبوك» مثل مؤسستكم وأنتم شخصيا، وشركات إدارة الأعمال سواء الأعمال الصغيرة جدا أو الكبيرة جدا ومؤسسة أخرى مهمة كبداية للتعاون معنا والتي تســـتخدم «فيسبوك» ليقدم نطاقاً لبيعها، وتعتبر كلها شركات مهمة جدا لنا لارتباط أعمالنا وخططنا للتطوير بها. لذلك؛ فإننا نرغب كذلك في التأكد أننا نعمل عن كثب على تطوير أدائنا وربطه بنظام الاتصالات في السعودية، وأحد الأمثلة على ذلك منذ وقت ليس ببعيد أطلقنا ما يسـمى «تحدي البوتقة»، ويعني بوتقة الرسائل على ماسنجر «فيسبوك»، وهي تساعد المستخدمين بشكل أساسي في أعمالهم التجارية على التواصل عبر ماسنجر «فيسبوك»، وأحد المتأهلين النهائيين لتحديات هذه البوتقة أتت من السعودية، وهي الرسالة التي أسميناها «نحن نصنع الطعام» أو «نحن نطبخ»؛ لذلك نفكر دائماً بالفعل حول تطوير وسائل التعاون والربط مع الأنظمة المستخدمة في المملكة، ونريد كسب ثقة المستخدمين وجذبهم عن طريق جعلهم يتأكدون أننا نتطور من أنفسنا ونتعاون مع شركاء في السعودية في مجالات متنوعة، سواء مؤسـسات إخبارية أو تجارية أو شركات الاتصالات وغيرها من المبادرات مع مطورين وكتاب مشهورين لتطوير المحتوى؛ فكل هذه الاستراتيجيات تساعدنا في كسب حضور حقيقي وفعلي لنا في البلاد ولدى المستخدمين.
> هذا عن استقطاب المستخدمين والمؤسسات، لكن ماذا عن الحكومة؟
- نعم، بالطبع لدينا طموح كبير للعمل مع الحكومة السعودية، ونعد بالقيام بما في وسعنا لدعم «رؤية 2030»، فأنا من أشد المعجبين بهذه الرؤية الاستراتيجية، ومتحمس لها جدا، وأعتقد بل وأرغب في أن يتمكن «فيسبوك» في لعب دور لتحقيقها. فعندما تطلع على «رؤية المملكة السعودية 2030» تكتشف أن بها الكثير من العناصر المشـــتركة في استراتيجية «فيسبوك»، ولدينا شغف كبير للمساهمة في ترجمتها على أرض الواقع. فأنا مولع للغاية بالتفكير في النظم في القطاع الخاص والنظم في الأعمال التجارية الصغيرة، التي هي جزء أساسي من «رؤية 2030»، وأعتقد أننا نساعد في لعب دور؛ لأن الشركات الصغيرة يمكنها حقاً أن تبلغ منصتنا لتصل إلى الأشخاص المستهدفين الذين يرغبون في الوصول إليهم لبيع منتجاتهم. والخدمات التي نقدمها للشـركات الصغيرة هي ذاتها ما نقدمه للأعمال التجارية كبيرة. وأرى أن مخطط تمكين المشاريع الصغيرة ودعمها في «رؤية 2030» متسق مع ما نقوم به ويلعب دورا محوريا في كلتا الاستراتيجيتين «رؤية المملكة» ورسالة «فيسبوك». فضلا عن أن تمكين المرأة من القيام بالأعمال التجارية هو جزء من الرؤية التي سنعمل على القيام بها، وكذلك نحن نخطط لإطلاق شيء ما موجه للمرأة في السعودية، وما أطلقنا عليه (هي تعني رائدة أعمال)، وكذلك نأمل أن نساعد في تثقيف النساء حول كيفية وطريقة استخدام أفضل لمنصة «فيسبوك»، وهذان مجرد مثالين، وهناك الكثير، إذا فكرت في السياحة التي ليست جزءا أساسيا من الرؤية، أرى أنه يمكن أن نلعب دوراً رئيسياً في هذا المجال أيضا، فالكثير من الأشخاص في «فيسبوك» في السعودية متصلون بشــــركات دولية، ويوجد سبعون مليون شخص خارج السعودية متصلون بشـركات في السعودية، وهنا تبرز فكرة دمج السياحة مع ممارسة الأعمال التجارية من بقية العالم إلى السعودية، ومن السعودية إلى بقية العالم. بمعنى استغلال السياحة لدعم التبادل التجاري وما لذلك من أهمية كبيرة في دعم «رؤية المملكة الاستشرافية 2030»، ويمكنني الاسترسال في ذكر الكثير من الأهداف والمهام التي يستطيع «فيسبوك» المساهمة بفاعلية لتحقيق وتنفيذ «رؤية واستراتيجية السعودية الطموحة 2030»، التي اعتبرها مذهلة ومتوافقة مع أهداف مؤسستنا.
> أعلنتم إطلاق منصة جديدة تدعى «وواتش»، فهل تم تدشينها رسميا في المنطقة؟
- نعم أطلقنا منصة ووتش «الولايات المتحدة» في الأيام الأولى، أنت تعرف أنه لدى التفكير حول الفيديو، أعتقد أننا ذكرنا في وقت سابق أننا نرى هذا التحول من الرســـائل النصية إلى الفيديو والصور، ونحن نراهم على «فيسبوك» بالفعل، وهناك بالفعل استهلاك للفيديو، وهذا يحدث على «فيسبوك» اليوم في تغذية الأخبار ومتابعة ما وراء الخبر. والسعودية مثالا لدول الشرق الأوسط في الواقع تعلم أنها دولة ومنطقة استهلاك الفيديو بها بين الأعلى في العالم بالفعل اليوم. لكننا نبتكر دائماً الخطوة التالية التي سنتخذها، ونحن نأخذ بعين الاعتبار كل التجارب المتواجدة ومن خلال تراكم الخبرات نعمل على الابتكار والتحديث لأدواتنا جنباً إلى جنب مع المجتمع.
أعتقد أن هذا هو السبب في إطلاقنا لـ«ووتش»؛ لأن الفكرة هي كيف يمكنك تصحيح المحتوى بعد نشره على المنصة، حيث إن الإعداد المبدئي للمجتمع يختبر ما يمكن للأشخاص أن يتحدثوا عنه حول العروض جنباً إلى جنب، وكما ذكرنا فلقد أطلقنا منصة «الولايات المتحدة» أولا» في البداية، ونأمل أن نتمكن طرحها لبقية العالم من هنا قريبا.
> ما المعايير التي تتبعونها لتقييم المحتوى، وكيف تحددون إذا ما كان هذا المحتوى ضارا، أو موجها للإرهاب، أو محرضا للكراهية؟
- أود أن أكون واضحاً للغاية حول هذه النقطة المهمة. نحن نقول إنه لا مكان لمحتوى الإرهاب على «فيسبوك»، ولا نسمح به على منصتنا إطلاقا. في الواقع لن نجعل «فيسبوك» بيئة حاضنة للإرهابيين أبدا، أود أن أكون واضحا للغاية في ذلك، نحن نستخدم كشـركة أدوات مختلفة، نحن نستخدم التكنولوجيا وأشـخاصا عاديين للتأكد من أن أي محتوى من هذا النوع يتم إزالته من المنصة خاصتنا، ونستثمر بشكل مستمر، ولقد تحسنت طريقة الكشف عن المحتوى الذي ذكرته، ونحن نستثمر في تكنولوجيا جديدة، تلعب دوراً مهماً بالنسبة لنا أيضا للتأكد من أننا في الوضع الصحيح، ثم نستثمر كذلك في الأشخاص؛ لذلك أعتقد منذ وقت ليس ببعيد أننا أعلنا أننا سنوظف ثلاثة آلاف شخص إضافي للتأكد من أنه ليس هناك محتوى خاطئ على المنصة خاصتنا.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.