نصيب متواضع للشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تعافي الاقتصاد العالمي

أقل من نصف النمو الذي يتوقعه صندوق النقد للبلدان النامية

نصيب متواضع للشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تعافي الاقتصاد العالمي
TT

نصيب متواضع للشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تعافي الاقتصاد العالمي

نصيب متواضع للشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تعافي الاقتصاد العالمي

بينما يقدم تقرير الآفاق الاقتصادية لصندوق النقد الدولي، الذي أصدره هذا الشهر، رؤية متفائلة بشأن تعافي النمو الاقتصادي العالمي خلال الفترة الراهنة، فإن نصيب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من هذا النمو لا يزال متواضعاً، في ظل التحديات التي تقابل المنطقة، من اضطرابات سياسية ومشكلات هيكلية في بنية الاقتصاد.
ويقول صندوق النقد، في تقريره، إن انتعاش الاقتصاد العالمي، الذي بدأ منذ منتصف 2016، يكتسب قوة متزايدة «فمنذ فترة لا تتجاوز العام ونصف العام، كان الاقتصاد العالمي يواجه تباطؤاً في النمو واضطرابات في الأسواق المالية. لكن الصورة الراهنة تبدو مختلفة للغاية، مع تسارع النمو في أوروبا واليابان والصين والولايات المتحدة».
إلا أن الصندوق يحذر من احتمال أن يكون التعافي العالمي غير قابل للاستمرار، مشيراً إلى أن بعض البلدان لا تشارك في هذا التعافي.
وبالنظر إلى تقديرات صندوق النقد الدولي لمعدلات النمو خلال 2017، فإن المؤسسة الدولية تتوقع انخفاض النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نحو 2.2 في المائة، مقابل 5.1 في المائة خلال 2016.
وسيظل النمو في المنطقة عند مستويات تقل عن عام 2016، حتى وإن تحسن قليلاً في 2018 عند 3.2 في المائة، وفي 2022 حيث يصل إلى 3.5 في المائة.
ويمثل متوسط النمو الاقتصادي المتوقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2017 أقل من نصف النمو المتوقع في البلدان النامية والأسواق الناشئة خلال هذا العام، عند نسبة 4.6 في المائة.
ويعود هذا التفاوت إلى تفوق بعض المناطق المحسوبة ضمن البلدان النامية في النمو الاقتصادي مقارنة بالشرق الأوسط، مثل البلدان النامية والأسواق الناشئة في آسيا التي يتوقع لها الصندوق أن تنمو في 2017 بنحو 6.5 في المائة. وفي أفريقيا، تتفوق بلدان أفريقيا جنوب الصحراء في الأداء الاقتصادي، أيضاً مع التوقعات ببلوغ النمو فيها هذا العام نسبة 2.6 في المائة.
ويشير الصندوق، في تقريره، إلى الاضطرابات السياسية كأحد العوامل البارزة التي تفسر عدم لحاق بعض الدول بركب التعافي الاقتصادي الحالي، معلقاً بأن تلك الاضطرابات تتركز في عدة مناطق، من ضمنها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويقول الصندوق: «يغطي الصعود الاقتصادي الحالي نطاقاً أوسع من أي فترة طوال العقد الماضي، إذ يشارك في هذا النشاط المتسارع نحو 75 في المائة من الاقتصاد العالمي... ولكن هذا يعني أن 25 في المائة من الكوب فارغ، مما يشكل عبئاً على النمو العالمي، ومصدراً محتملاً للصدمات السياسية المزعزعة للاستقرار».
وباستبعاد ليبيا، التي يقول الصندوق في تقريره إنه من الصعب الاعتماد على بياناتها الاقتصادية في الوقت الحالي، فإن جيبوتي هي الأعلى نمواً خلال 2017 في توقعات الصندوق، بنسبة 7 في المائة.
ويبدو النمو المرتفع متركزاً في أفريقيا برؤية الصندوق، حيث يأتي بعد جيبوتي كل من المغرب ومصر وموريتانيا والسودان.
بينما تنخفض معدلات النمو المتوقعة في بلدان الخليج عن مستوى 3 في المائة، ويرجح الصندوق أن تسجل كل من الكويت واليمن والعراق انكماشاً في النمو السنوي، وهو ما قد يعكس تأثير الاضطرابات السياسية في بلدان مثل اليمن والعراق، وتأثير انخفاض أسعار النفط على أسواق الخليج.
وعلى الرغم من أن التضخم المرتفع عادة ما يكون ظاهرة مصاحبة للانتعاش الاقتصادي، فإن هذه الظاهرة لا تتحقق حالياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ إنه على الرغم من تواضع نصيبها من النمو، فهي تتصدر قائمة المناطق مرتفعة التضخم في توقعات صندوق النقد لعام 2017، حيث يقدر التضخم في تلك المنطقة بنسبة 7.1 في المائة.
وذلك مقابل تضخم متوقع بنسبة 4.2 في أميركا اللاتينية والكاريبي، و2.6 في المائة في الاقتصادات الناشئة في آسيا، بينما تتفوق أفريقيا جنوب الصحراء في التضخم المتوقع عند نسبة 11 في المائة.
وتساهم بلداناً طبقت الإصلاحات الهيكلية التي يوصي بها صندوق النقد الدولي في ارتفاع معدلات التضخم بالمنطقة، خصوصاً مصر والسودان، التي يتوقع الصندوق لكل منهما معدلات تضخم بنسبة 29.8 و21 في المائة، على التوالي.
وقد اتبع البلدان توصيات الصندوق بتعويم العملة المحلية، وتقليص دعم الوقود خلال 2016، مما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم بقوة في كلا البلدين.
وفي مقابل التضخم المرتفع في الشرق الأوسط، تعاني البلدان المتقدمة من انخفاض التضخم بشكل يمثل أثراً سلبياً على الاقتصاد، وهو ما يرجعه الصندوق جزئياً إلى ضعف نمو الأجور في تلك البلدان.
ويقول الصندوق: «يشكل ضعف نمو الأجور مصدراً للتضخم الضعيف بدرجة مستغربة، الذي يعتبر بدوره باعثاً على القلق، ذلك أنه يُبقي أسعار الفائدة الاسمية المنخفضة، ويزيد احتمالات وصولها إلى الحد الأدنى الفعلي، أي النقطة التي تنتهي عندها قدرة البنوك المركزية على إجراء مزيد من الخفض في أسعار الفائدة».
ويحذر التقرير من أن بطء نمو الأجور الاسمية، أخيراً، يعزز من تزايد عدم المساواة في توزيع الدخول، وقلة الوظائف ذات الأجر المجزي، معلقاً بأن هذه الأجواء خلقت «رد فعل شعبياً كبيراً مضاداً للعولمة، وهو بمثابة خطر كبير يهدد الاقتصاد العالمي».



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.