الخريطة السياسية في كاتالونيا

- قبيل عقد استفتاء الاستقلال في إقليم كاتالونيا، شكل عدد من الأحزاب السياسية داخل الإقليم تحالفات تسعى إلى الترويج للانفصال، وكان من أبرزها تحالف «جونتس بيل سي»، وهو تعبير يعني «تحالف نعم». ويعتبر هذا التحالف الذي يضم عدداً من الأحزاب اليمينية المتشددة في كاتالونيا صاحب الفضل الأكبر في التوجه الانفصالي الحالي.
ومن أبرز أحزاب الإقليم أيضا حزب «أونيتات بوبولار» و«إسكيرا اونيدا» و«إسكيرا ريبوبليكانا» والحزب الشعبي الكاتالوني والحزب الكاتالوني الأوروبي، وكل هذه الأحزاب مؤيدة لاستقلال الإقليم بعد انفصاله عن إسبانيا. أما القانون حول الاستفتاء المتعلق بتقرير المصير الذي اعتمده البرلمان الكاتالوني، حيث يشكل الانفصاليون غالبية، فينص على أن فوز «نعم» سيؤدي إلى «إعلان استقلال كاتالونيا».
وبحسب النتائج النهائية للاستفتاء التي نشرت فإن مؤيدي الاستقلال فازوا بنسبة 90.18 في المائة، إلا أن الاستفتاء لم تشرف عليه لجنة انتخابية، كما أن الفرز لم تجره هيئة مستقلة.
من ناحية أخرى، إعلان الاستقلال يطلق «قانون الانتقال القانوني»، وهو قانون يوكل لكاتالونيا وضع جمهورية ديمقراطية واجتماعية، ويعطي مهلة انتقالية لكي تتمكن فيها «الجمهورية» من سن قوانينها الخاصة وتشكيل مؤسساتها.
وهذا القانون سيبقى ساري المفعول إلى حين المصادقة على دستور. وعلى مدى الأشهر الستة التي تلي التصويت، سيجري إرساء عملية مشاركة، ويصبح عندها رئيس إقليم كاتالونيا كارليس بوتشيمون «رئيس الجمهورية». غير أن حكومته لم تقدم حتى الآن توضيحات عن طرق توليها مهام دولة مثل الأمن والسيطرة على الحدود والضرائب وأمور أخرى.
وهنا أيضاً تدخلت المحكمة الدستورية الإسبانية في محاولة لوقف العملية. وحظرت «القانون الانتقالي»، في حين تشدد سلطات كاتالونيا على أنها نظمت الاستفتاء الخاص بها لأن مدريد ترفض بشكل قاطع بحث مسألة إجراء استفتاء حول تقرير المصير، بشكل يراعي كل الإجراءات كما حصل في كيبيك (كندا) أو أسكوتلندا (بريطانيا).
من جانب ثانٍ، يتهم القادة الإقليميون الكاتالونيون الدولة الإسبانية بـ«انتهاك حق تقرير المصير» للكاتالونيين الذي تضمنه منظمة الأمم المتحدة. إلا أن هذا الحق يطبق فقط على المستعمرات والشعوب المضطهدة، وهي فئات لا تشمل كاتالونيا، بحسب الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
أضف إلى ما تقدم أن الدستور الإسباني الذي اعتمد عام 1978 «ارتكز على أساس الوحدة غير القابلة للفك للأمة الإسبانية، الوطن المشترك الذي لا يقسم لكل الإسبانيين». ويبرز القضاء والحكومة الإسبانية هاتين المادتين للقول بأن أي قرار يمس بوحدة إسبانيا لا يمكن أن يتخذه إقليم بمفرده. أما على المستوى الدولي، فإن كاتالونيا حال أصبحت دولة مستقلة، ستكون معزولة، إذ حذرت بروكسل من أنها ستستبعدها من الاتحاد الأوروبي.
مع هذا، فإن ما يدفع أحزاب كاتالونيا الاستقلالية للمضي قدماً في مشروعها وجود لغتها الخاصة وثقافتها وتشكيلها 19 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي الإسباني، مع أن النزعة الانفصالية قوة بالذات بسبب الأزمة الاقتصادية. كذلك تزايدت نقمة الكاتالونيين بعد الإلغاء الجزئي لوضع يوكل الإقليم صلاحيات واسعة جداً، من قبل المحكمة الدستورية، بطلب من الحزب الشعبي (اليميني) الذي يرأسه راخوي.
أخيراً ينبغي التطرق إلى أن ثمة انقسامات بين قادة الأحزاب الانفصاليين الكاتالونيين ظهرت إلى العلن بشأن خطط لإعلان الاستقلال من طرف واحد، وبعد تهديد رئيس الإقليم كارليس بوتشيمون بإعلان الاستقلال، طالب وزير قطاع الأعمال في الإقليم سانتي فيلا بـ«وقف السجال السياسي مع مدريد»، وحث المعسكر المؤيد للانفصال «على التفكير في منافع وعواقب الإعلان الاستقلال».
وبينما يحث الوزير فيلا على توخي الحذر، فإن بوتشيمون يتعرض لضغوط هائلة من حزب اليسار المتطرف «حملة الوحدة الشعبية» الذي تحتاج حكومة الإقليم إلى تأييده لتمرير التشريع.
وفي انعكاس لحالة الانقسام، قال النائب كارليس رييرا عن حزب «حملة الوحدة الشعبية» اليساري إنه «حانت لحظة ممارسة تقرير المصير المحتومة ولا مفر منها»، وألقى أرتور ماس (سلف بوتشيمون) اليميني بثقله، وصرح لصحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية بأنه يتعين على القادة الكاتالونيين «ألا يركزوا على كيفية إعلان الاستقلال، بل كيفية جعله فعالاً».