غارات على جنوب دمشق بالتزامن مع مفاوضات الهدنة

فصائل أعلنت نيتها الانضمام إلى «خفض التصعيد» بضمانة روسيا

TT

غارات على جنوب دمشق بالتزامن مع مفاوضات الهدنة

بعد ساعات على إعلان فصائل المعارضة السورية، من القاهرة، عن اتفاق مبدئي على تثبيت وقف إطلاق النار جنوب دمشق، بدأت قوات النظام السوري حملة على منطقة الحجر الأسود جنوب العاصمة.
ورجحت مصادر متقاطعة أن يكون النظام يمهد لعملية عسكرية على المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف في محيط دمشق، بعد التفجيرات التي استهدفت مراكز أمنية وسط العاصمة هذا الأسبوع، في وقت أكد فيه «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه أول قصف جوي يطال المنطقة المستهدفة منذ نحو عامين.
وتحدث «المرصد» عن أكثر من 15 غارة جوية استهدفت حي الحجر الأسود، فيما أكد عضو «مجلس الثورة» في ريف دمشق، إسماعيل الداراني، سقوط 10 قتلى في صفوف المدنيين نتيجة هذه الغارات، نافياً أن تكون المنطقة المستهدفة مشمولة باتفاق «خفض التصعيد» في جنوب دمشق. واستبعد الداراني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون قوات النظام بصدد اقتحام الحي، ورجح أن تكون العملية الجوية تندرج بإطار سياسة القصف والأرض المحروقة، وأضاف: «حتى وإن كنا كفصائل معارضة نرى مصلحة بطرد (داعش) من جنوب العاصمة، لكن نرفض أن يدفع المدنيون ثمن عملية مماثلة قد يكون النظام يُعد لها».
وفي وقت لاحق، قال ناشطون إن أسرة كاملة قُتلت بقصف جوي لطيران النظام الحربي، استهدف الأبنية السكنية لحي الحجر الأسود بعدة غارات جوية، وأشاروا إلى أن قصفاً مدفعياً لقوات النظام استهدف أيضاً بلدة كفربطنا وحي جوبر، شرق دمشق.
واعتبر مصدر معارض أن «الحجر الأسود هدف محتمل للنظام، خصوصاً أنه في حال تم التوصل لاتفاق نهائي مع فصائل المعارضة بخصوص (خفض التصعيد) جنوب العاصمة، فإن ذلك قد يسمح لمقاتلي الجيش الحر بالتوسع إلى الحجر الأسود، وبالتالي سيكون النظام أمام خيارين. أما قطع الطريق أمامهم، أو توسيع الطوق المفروض عليهم، تمهيداً لاتفاق جديد قد تكون شروطه أصعب من الاتفاق الحالي».
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الساعة، وبحسب الصيغة المسربة من اتفاق القاهرة، فإن الاتفاق لا يزال مبدئياً، ويبدو أن المفاوضات مستمرة لتحويله لاتفاق نهائي».
وتم أمس تسريب نسخة عن إعلان فصائل «جيش الإسلام» و«أكناف بيت المقدس» و«جيش الأبابيل»، التي تسيطر على جنوب دمشق، الانضمام إلى وقف الأعمال العدائية برعاية مصرية وضمانة روسية. وأعربت فصائل، في النسخة المسربة، عن ارتياحها لدور روسيا، كضامنة لتنفيذ وقف الأعمال القتالية في جنوب دمشق، مؤكدة استعدادها للمشاركة في عملية التفاوض بشأن تسوية سياسية تهدف إلى إيجاد حل شامل للأزمة السورية، وفقاً لاتفاقيات آستانة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وتشدد الفصائل في البند الرابع من الاتفاق على رفض «التهجير القسري» لسكان منطقة جنوب دمشق إلى مناطق أخرى داخل سوريا.
وأعلن رئيس «تيار الغد» السوري المعارض، أحمد الجربا، أن اتفاق خفض التصعيد بجنوب دمشق، الذي تم إعلانه الخميس، قد لا يكون الأخير بالمستقبل القريب، ودعا في حديث لوكالة الأنباء الألمانية كل من يبحث عن حل للأزمة السورية لـ«التفاوض مع الروس، باعتبارهم من يملكون الآن مفاتيح الحل». وشدد على أن دعم تياره لاتفاقيات خفض التصعيد يأتي لكونها أصبحت «ضرورة، بعد تغير موازين القوة العسكرية، ووسيلة فعالة لإشراك العرب في عملية ملء الفراغ بالمناطق التي كانت تسيطر عليها التنظيمات المسلحة في سوريا، والأهم أنها أيضاً وسيلة لتحسين أحوال المدنيين الذين أنهكتهم سنوات الحرب».
وشهدت المناطق التي يشملها هذا الاتفاق، وهي حي القدم وبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، هدوءاً نسبياً أمس، فيما أفادت مواقع المعارضة بقصف طيران النظام السوري بعدة غارات منطقة الحجر الأسود، الخاضعة لتنظيم داعش في ريف دمشق الجنوبي، في خطوة هي الأولى منذ عام 2014، لافتة إلى أن التصعيد العسكري على المنطقة المذكورة يتزامن مع الحديث عن عمل عسكري تحضر له قوات النظام عقب التفجيرات الأخيرة التي استهدفت مراكز أمنية وسط العاصمة دمشق، وتبناها «داعش».
وفي حديث سابق لمحافظ ريف دمشق، علاء إبراهيم، قال إن ملف ريف العاصمة الجنوبي سيتم حله قبل انتهاء عام 2017 الحالي، واعتبر أن «مسلحي تلك البلدات موجودون في مواجهة الدواعش في الحجر الأسود، وإذا انتهى وجود التنظيم في الحجر الأسود، فسينتهي موضوع تلك البلدات». ويسيطر تنظيم داعش على قرابة 85 في المائة من مساحة مخيم اليرموك، وهو يتمركز في حي الحجر الأسود (معقله الرئيسي)، ومنطقة العسالي في حي القدم، بالإضافة إلى سيطرته على قسم من حي التضامن الدمشقي.



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.