مفاجآت {اليونيسكو}... جلسة إضافية للفصل بين مرشحتي فرنسا ومصر

أميركا تعلن انسحابها من المنظمة بتهمة «معاداتها إسرائيل» وتل أبيب تلحق بها

إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو تتحدث للصحافيين في مقر المنظمة في باريس أمس (رويترز)
إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو تتحدث للصحافيين في مقر المنظمة في باريس أمس (رويترز)
TT

مفاجآت {اليونيسكو}... جلسة إضافية للفصل بين مرشحتي فرنسا ومصر

إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو تتحدث للصحافيين في مقر المنظمة في باريس أمس (رويترز)
إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو تتحدث للصحافيين في مقر المنظمة في باريس أمس (رويترز)

بعكس كافة التوقعات السابقة، فقد جاءت دورة الانتخابات الرابعة لتعيين مدير عام جديد لليونيسكو بمفاجأة ندر حصولها في تاريخ المنظمة الدولية. ذلك أن دورة مساء أمس الرابعة التي كان منتظرا منها أن تحدد هوية المرشحين «الأول والثاني» المؤهلين للمعركة الأخيرة المقررة مساء اليوم، أفضت إلى ما لم يكن في الحسبان: فمن جهة، ضمن مرشح قطر محمد بن عبد العزيز الكواري تأهله بحصوله على 22 صوتا من أصوات المجلس التنفيذي البالغة 58 صوتا، لكن بالمقابل، حصلت كل من مرشحة فرنسا أودري أزولاي ومرشحة مصر على 18 صوتا. ودفع التعادل برئيس المجلس التنفيذي الحالي إلى الإعلان أن جولة إضافية ستجرى الثانية بعد ظهر اليوم للفصل بين المرشحتين وانتخاب المرشحة التي ستتنافس على مقعد رئاسة اليونيسكو مع الكواري.
وخيمت هذه التطورات على أجواء اليونيسكو التي تحولت إلى دراماتيكية خصوصا بالنسبة للمرشحة الفرنسية التي حافظت على الأصوات الـ18 التي حصلت عليها مساء الأربعاء، بحيث أنها لم تستفد بتاتا من انسحاب المرشحة اللبنانية فيرا الخوري لاكوي «4 أصوات» والمرشح الصيني كيان تانغ «5 أصوات». وبالمقابل، فإن مرشحة مصر نجحت في تحسين موقعها فاجتذبت خمسة أصوات إضافية. كذلك، فإن مرشح الدوحة استعاد الأصوات التي خسرها أول من أمس ليعود متصدرا المتسابقين. وكانت التوقعات تقول إن أزولاي ستكون المستفيد الأول من انسحاب الخوري لاكوي ومن انسحاب الصيني وهي النظرية التي روج لها الدبلوماسيون الفرنسيون المتواجدون بعد ظهر أمس في مقر اليونيسكو. وزاد من اطمئنان المرشحة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لو دريان استمرا في حملتهما الداعمة لمرشحة باريس.
بيد أن نتائج التصويت لم تكن المفاجأة الوحيدة أمس، إذ إن مفاجأة أخرى جاءت من واشنطن التي أعلنت أمس انسحابها من اليونيسكو ولكن مع احتفاظها بمقعد «مراقب» ومع تأكيدها أن الانسحاب سيصبح فعليا نهاية العام القادم. وسارعت إسرائيل التي «هنأت» واشنطن على خطوتها الشجاعة إلى الإعلان عن أنها «سوف تنسحب» هي الأخرى من المنظمة الدولية. وتخوف دبلوماسيون عرب وغير عرب من أن يكون لقرار واشنطن تأثير على بلدان أخرى قد تحذو حذوها باعتبار أن الجانب الأميركي قد «فتح الطريق».
وقد خيم الانسحاب الذي نقل إلى إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو المنتهية مدتها رسميا برسالة وقعها وزير الخارجية ريكس تيلرسون على عملية الانتخابات بالغة التعقيد. وتضاربت التفسيرات لقرار واشنطن وخصوصا لتوقيته، إذ إنه يحل قبل يوم واحد من ظهور اسم خليفة المدير الجديد. وقال مندوب دولة عربية لـ«الشرق الأوسط» إن التوقيت الأميركي لغز «يستأهل حله ستة ملايين دولار»، ولكن الثابت بنظره أن القرار من أجل مساعدة المرشحة الفرنسية. لكن النتائج أثبتت عكس ذلك. وأعلنت بوكوفا عن «أسفها العميق» للخطوة الأميركية، وكذلك فعلت الخارجية الفرنسية، التي جاء في بيانها أن ما أقدمت عليه واشنطن «يعطي معنى جديدا للترشح الفرنسي، لأن اليونيسكو بحاجة اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، لمشروع يدعمه جميع الأعضاء ومن شأنه إعادة الثقة ويتخطى النزاعات السياسية ويكون مسخرا لخدمة أهداف اليونيسكو وليس لشيء آخر»، في إشارة ظاهرة للخلاف القطري - المصري «الخليجي».
مهما تكن التفسيرات، فمن الواضح أن واشنطن اختارت لحظة «مفصلية» من عمر اليونيسكو ومسارها لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتحديدا لعام 1983 عندما قررت الحكومة الأميركية وقتها الانسحاب من المنظمة الدولية، الأمر الذي دام حتى عام 2003، لكن الانسحاب لن يؤثر على استمرار مشاركة واشنطن في الانتخابات الجارية لأنه لن يصبح فعليا إلا في نهاية العام القادم.
وفي أي حال، فإن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بمقعد «مراقب» لتبقى مطلعة من الداخل على ما يجرى داخل اليونيسكو. واعتبر عدة مندوبين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أمس أن انسحاب واشنطن قد يجر انسحابات أخرى مثل بريطانيا وكندا ودول صغيرة، علما بأن المتأخرات الأميركية لليونيسكو تصل إلى نحو 500 مليون دولار. ومن المؤكد أن الصعوبات المالية ستزداد وستنفجر بوجه المدير العام الجديد. وقالت مجلة «فورين بوليسي» إن أحد أسباب الانسحاب الذي بررته واشنطن في بيان رسمي بـ«معاداة اليونيسكو لإسرائيل» تحقيق وفر مالي. وأضافت المجلة أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون طلب «تأخير» الإعلان عن الانسحاب لما بعد الانتخابات. لكن يبدو أن البيت الأبيض لم يتجاوب مع طلب الخارجية، علما بأن العلاقات بين الرئيس ترمب وتيلرسون بالغة السوء. وثمة معلومات تتحدث عن قرب استقالة الأخير.
ترى مصادر من داخل اليونيسكو أن أحد التفسيرات يكمن في رغبة واشنطن في الامتناع عن «إحراج» مدير «أو مديرة» اليونيسكو الجديد. والأصابع تشير، في هذه الحالة، إلى المرشحة الفرنسية. وبحسب المجلة الأميركية، فإن الرئيس ماكرون طلب من ترمب، عندما التقى به في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العمومية، أن يدعم ترشيح أزولاي وأن تكون الولايات المتحدة الأميركية «عضوا فاعلا» لإصلاح المؤسسة الدولية. وسبق لماكرون أن ندد بقرار اليونيسكو، قبل انتخابه رئيسا وخلال مأدبة عشاء دعاه إليها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، وعد ماكرون بالعودة عن القرارات الأخيرة التي صدرت عن اليونيسكو بخصوص القدس والحرم الشريف والخليل. ولذا، فإن الانسحاب الأميركي لا يصب في اتجاه الوعود التي حصلت عليها باريس. ويشير التفسير الأخير إلى أن واشنطن تريد أن تغسل يديها من الانخراط في المؤسسات الدولية ومنها اليونيسكو، كما أنها تريد أن تترك هذه المنظمة الدولية، بحجة «تسييسها» وخصوصا «عداءها» لإسرائيل لمشاكلها السياسية والمالية.
وجاء أقوى هجوم على اليونيسكو من نيكي هالي، سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة القريبة من ترمب التي ما فتئت تندد بالأمم المتحدة وبمنظماتها باعتبارها «تميل لصالح الفلسطينيين». وكان مندوبو الدول العربية السبع في المجلس التنفيذي قد قبلوا تأخير النقاش بشأن الملف الفلسطيني الذي كان يفترض أن يجرى خلال دورة المجلس الحالية إلى الربيع القادم، رغبة في تلافي التصعيد وعدم التشويش على الانتخابات ونزولا عند رغبة أميركية.
وكانت الخارجية المصرية قد أصدرت أمس بيانا تحدثت فيه عن اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي بنظيره الصيني. ويفهم من بيان القاهرة أن الصين وعدت بدعم المرشحة المصرية، الأمر الذي يفسر على الأرجح التقدم الذي أحرزته أمس وتعادلها مع المرشحة الفرنسية التي راوحت مكانها. وأمس، توافد إلى اليونيسكو وزراء ومستشارون وكثير من الدبلوماسيين، في مسعى «أخير» لدعم ترشيح هذا أو ذاك. وجاء إلى مقر اليونيسكو وزير خارجية قطر وكذلك مستشار الرئيس ماكرون لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي أورليان لو شوفاليه. وقبل ذلك، حضر وزير خارجية مصر ووزير الثقافة اللبناني.
يبقى السؤال الرئيسي- من سيخرج منتصرا من هذه المنافسة النهائية؟ الحقيقة أنه بعد الذي حصل أمس وإعادة خلط الأوراق، يبدو من الصعب التنبؤ باسم الفائز الذي سيدير المبنى الزجاجي طيلة أربع سنين. المعركة مرهونة باسم المرشح الذي سينافس الكواري وبوجهة الأصوات مكسوبة الولاء له التي يمكن أن تساعده في الشوط الأخير.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».