صندوق النقد: الاستقرار المالي العالمي يتحسن... لكن المخاطر تتزايد

حذر من أن الرغبة المنفلتة في المخاطرة والبحث عن الأرباح قد يتسببان في أزمة مالية جديدة

جانب من اجتماع صندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن («الشرق الأوسط»)
جانب من اجتماع صندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن («الشرق الأوسط»)
TT

صندوق النقد: الاستقرار المالي العالمي يتحسن... لكن المخاطر تتزايد

جانب من اجتماع صندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن («الشرق الأوسط»)
جانب من اجتماع صندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن («الشرق الأوسط»)

أبدى خبراء صندوق النقد الدولي تفاؤلاً حذراً حول تحسن الاستقرار المالي العالمي مدعوماً بالانتعاش الاقتصادي، لكنهم أشاروا إلى مخاطر تباطؤ التضخم، وانخفاض الائتمان، وارتفاع أسعار الأصول، ونصحوا باحتواء تراكم أوجه الضعف المالي.
وقال صندوق النقد في تقريره نصف السنوي عن أوضاع الاستقرار المالي العالمي الصادر صباح الأربعاء، إن أوضاع البنوك المؤثرة في النظام المالي العالمي (التي تبلغ أصولها 17 تريليون دولار، وتمثل ثلث الأصول الكلية للبنوك المؤثرة على النظام المالي العالمي) تتحسن باطّراد، وأصبحت ميزانيتها أقوى بفضل تحسن احتياطيات رأس المال والسيولة، إضافة إلى تشديد القواعد التنظيمية والتدقيق السوقي، وأحدثت تقدماً في تحديات إعادة الهيكلة.
لكن التقرير حذر من أن حدوث أي مشكلة في بنك واحد من تلك البنوك قد يشكل تحدياً للنظام المالي العالمي، وقال الخبراء إن «الرغبة في المخاطرة والبحث عن أرباح هي تدابير مرحَّب بها في السياسات النقدية، لكن هناك مخاطر إذا كانت تلك الاتجاهات تمتد بأكثر من الحدود، حيث أدى البحث عن العائد إلى زيادة حساسية النظام المالي لمخاطر السوق والسيولة، وبقاء هذا المخاطر مرتفعة قد يمهد الطريق أمام أزمة مالية جديدة».
وفي المؤتمر الصحافي لإعلان التقرير، حذر توباز أدريان، مدير إدارة الأسواق النقدية بالصندوق من المخاطر المتعلقة بالسيولة وحساسية الأسواق. وطالب صناع السياسات والهيئات التنظيمية بالنظر في تدابير وإجراءات احترازية لتحسين الاستقرار المالي. وقال: «الأمور قد تبدو هادئة، لكن تحت السطح هناك نقاط ضعف، إذا ما تركت دون مراقبة فإنها قد تعرقل الانتعاش الاقتصادي». وأضاف أنه «يتعين على صناع السياسات الاستفادة من التوقعات العالمية الجيدة ومعالجة نقاط الضعف المتصاعدة على المدى المتوسط ومعالجة المشكلات الموروثة من الأزمات السابقة».
وأوضح أدريان أن الانتعاش الاقتصادي أعطى زخماً لعودة السياسات النقدية لطبيعتها وقدرة البنوك وشركات التأمين على مواصلة تعزيز صلابتها، لكن مخاطر السوق تتزايد. وقال: «قبل الأزمة المالية كان هناك 16 تريليون دولار في سندات آمنة نسبيّاً تحقق استثمار 4 في المائة، والآن تضاءل الرقم إلى تريليونين فقط»، وأضاف أن «هناك الكثير من المال يطارد عدداً قليلاً جداً من الأصول ذات العائد المرتفع، والنتيجة أن المستثمرين يأخذون المزيد من المخاطر ويعرضون أنفسهم لخسائر أكبر إذا تعثرت الأسواق».
وحثّ أدريان صُنّاع السياسات والأجهزة التنظيمية على إلزام البنوك وشركات التأمين بتعزيز ميزانيتها العمومية والتركيز على المخاطر من أجل ضمان استمرارية الربحية، ونصح بتعزيز الأطر التنظيمية لشركات التأمين وزيادة الشفافية وبناء الصلابة. وأشار إلى أنه يتعين على البنوك المركزية الكبيرة ضمان تطبيق السياسات النقدية بشكل سلس، بما يساعد على وقف الاضطرابات أو التقلبات غير الضرورية في السوق.
وحذر خبراء الصندوق من تراكم الديون في دول مجموعة العشرين التي تبلغ قيمتها 135 تريليون دولار، بما يمثل 235 في المائة من الناتج القومي الإجمالي لعام 2016 (كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلع 219 في المائة في عام 2006 قبل الأزمة المالية).. وأوضحوا أن الولايات المتحدة والصين تمثلان ثلث الزيادة في هذه الديون.
وأشار بيتر داتلس، نائب مدير إدارة الأسواق النقدية بالصندوق، إلى مخاطر زيادة الاعتماد على الاقتراض الخارجي، خصوصاً أن انخفاض أسعار الفائدة فتح الشهية لمزيد من الاقتراض الخارجي وتزايد نسبة خدمة الدين، محذراً من تراكم الديون بما ينطوي عليه من مخاطر وضغوط مالية وبصفة خاصة في البلدان منخفضة الدخل.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.