اتفاق «ثالوث النفط» يرفع الأسعار لـ70 دولاراً على المدى المتوسط

{برنت} يختبر مقاومة أميركا لـ60 دولاراً للبرميل

زيادة الإنتاج الأميركي بنحو 10 في المائة تتطلب إعادة النظر في الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها «أوبك» بالتعاون مع منتجي النفط المستقلين
زيادة الإنتاج الأميركي بنحو 10 في المائة تتطلب إعادة النظر في الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها «أوبك» بالتعاون مع منتجي النفط المستقلين
TT

اتفاق «ثالوث النفط» يرفع الأسعار لـ70 دولاراً على المدى المتوسط

زيادة الإنتاج الأميركي بنحو 10 في المائة تتطلب إعادة النظر في الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها «أوبك» بالتعاون مع منتجي النفط المستقلين
زيادة الإنتاج الأميركي بنحو 10 في المائة تتطلب إعادة النظر في الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها «أوبك» بالتعاون مع منتجي النفط المستقلين

إعادة التوازن إلى سوق تتسم بالمخاطر العالية، تتطلب إجراءات استثنائية في ظل أوضاع عالمية مضطربة، بيد أن النتائج الأولية تُظهر مدى حجم الإجراءات التي يجب اتخاذها، وهو ما يحدث حالياً في أسواق النفط، بعد نجاح الإجراء الاستثنائي الأول في تخفيض الإنتاج.
وعلى الرغم من نجاح اتفاق تخفيض الإنتاج بين دول أوبك ومنتجين مستقلين، الذي بدأ تطبيقه بداية العام الجاري وينتهي في مارس (آذار) المقبل في تحييد نحو 1.8 مليون برميل يومياً من السوق، فإن زيادة الإنتاج الأميركي بنحو 10 في المائة، تتطلب إعادة النظر في الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها «أوبك» بالتعاون مع منتجي النفط المستقلين.
وطالما أن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وروسيا أكبر منتج في العالم، وأميركا أكبر مستهلك في العالم، فإن تعاون «ثالوث النفط» المؤثر في سوق عالية المخاطر وتحتاج إلى الاستقرار بشدة، ربما يكون اللبنة الأولى في استقرار الاقتصاد العالمي غير المستقر.
ووقتها ستكون النتيجة الطبيعية في أسواق النفط هي: التوازن، الذي تسعى إليه منظمة أوبك ممثلة في السعودية وبقيادتها، وروسيا التي شاركت بالنسبة الأكبر من خارج المنظمة، بيد أن أميركا مدعوة منذ تطبيق الاتفاق للمشاركة، لكنها أبت وقتها ذلك. والولايات المتحدة ليست عضوا في أوبك وتحظر التشريعات الأميركية لمكافحة الاحتكار أي تحرك جماعي للتأثير على الأسعار.
أمس الثلاثاء، قال الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو، إن المنظمة ستعقد اجتماعا مع الولايات المتحدة لإبرام اتفاق لخفض إنتاج النفط؛ وإن أوبك والولايات المتحدة تتفقان على الحاجة للعمل سويا لضمان استقرار أسواق النفط.
ومجرد اتفاق ثالوث النفط، يرفع الأسعار من مستواها الحالي 55 دولاراً حتى 60 دولاراً في أقل من أربع جلسات، على أن تتبعها عمليات جني أرباح، ليستقر فوق مستويات الـ60 دولاراً، وينتظر نتائج هذا الاتفاق، حال توقيعه على ان يرتفع لـ70 دولاراً على المدى المتوسط. ارتفع النفط أمس بعد الإعلان عن الخبر نحو 1.5 دولار إلى مستوى 56.50 دولار للبرميل.
ومن هذا السيناريو، دعا باركيندو، منتجي النفط الصخري الأميركي إلى المساعدة في خفض الإنتاج العالمي محذراً من احتمال الحاجة إلى تدابير استثنائية العام المقبل للمحافظة على سوق متوازنة في الأجل المتوسط إلى الطويل.
وقال باركيندو خلال خطاب ألقاه في مؤتمر للطاقة بنيودلهي: «في الوقت الحالي نحن متفقون (أوبك والمنتجون المستقلون في الولايات المتحدة) على أننا نتحمل مسؤولية مشتركة للحفاظ على الاستقرار لأننا أيضا لسنا بعزلة عن أثر الاتجاه النزولي». وتابع: «المستقلون أنفسهم يقولون نحن بحاجة لمواصلة هذا النقاش».
وخفضت السعودية، مخصصات النفط الخام لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 560 ألف برميل يوميا، بما يتماشى مع تعهد المملكة، طبقا لاتفاق، خفض الإنتاج الذي تقوده «أوبك».
وأوضح باركيندو: «سيعود التوازن بين الطلب والعرض من خلال السحب الكبير من المخزونات الذي نشهده بالنسبة لمخزونات في مناطق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل مكثف جداً. وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة فقط شهدنا سحباً من المخزونات عند مستوى 130 مليون برميل يوميا».
وهدف تخفيضات أوبك خفض مستوى مخزونات النفط في الدول الصناعية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى متوسط خمس سنوات.
وأوضح باركيندو أن الزيادة في المخزونات مقارنة مع متوسط خمس سنوات بلغت 171 مليون برميل في أغسطس (آب) مقارنة مع 338 مليونا في بداية العام.
وبدأت السعودية، منذ وقت قريب، في ضوء دورها كرئيس الدورة الحالية لمنظمة أوبك، التقارب مع روسيا في أسواق النفط والطاقة بشكل أثر على السوق بشكل إيجابي، وهو ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في استمرار التعاون الإيجابي مع روسيا لتحقيق استقرار الأسواق العالمية للنفط، خدمة لنمو الاقتصاد العالمي.
ومن شأن هذا التقارب الثنائي، إنجاح اتفاق تخفيض إنتاج النفط بنسبة وصلت في بعض الأشهر إلى 100 في المائة، ما رفع أسعار النفط، إلى نحو 60 دولاراً للبرميل منذ أسبوعين.
وعلق رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف على الاتفاق العالمي لخفض إنتاج النفط، بأنه «ناجح»، وأنه يبقي أسعار النفط ضمن «نطاق مقبول».
إلا أن التقارب الثنائي يحتاج الضلع الأخير، أميركا، التي تحتاج بدورها إلى المشاركة في الاتفاق، أو الاتفاق على إجراءات استثنائية من دونها، لتعود السوق إلى توازنها آجلا.
وفي ضوء الأسعار الحالية، خفضت شركات الطاقة الأميركية عدد حفارات النفط العاملة للأسبوع الرابع في خمسة أسابيع في الوقت الذي توقف فيه تعافي أنشطة الحفر الذي استمر 14 شهراً مع تقليص الشركات لخطط الإنفاق، في رد فعل على انخفاض أسعار الخام في الآونة الأخيرة.
وقالت بيكر هيوز لخدمات الطاقة يوم الجمعة، إن الشركات قلصت عدد منصات الحفر النفطية بواقع حفارتين في الأسبوع المنتهي في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) ليصل العدد الإجمالي إلى 748 منصة.


مقالات ذات صلة

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

الاقتصاد مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن الولايات المتحدة تخطط لفرض عقوبات على المورد الرئيسي للغاز لصربيا الذي تسيطر عليه روسيا.

«الشرق الأوسط» (بلغراد)
الاقتصاد شعار «إينيوس» في المقر الرئيس للشركة (رويترز)

«سينوك» الصينية للنفط تبيع أصولها في الولايات المتحدة لـ«إينيوس» البريطانية

باعت شركة «سينوك» الصينية المحدودة شركتها التابعة في الولايات المتحدة إلى مجموعة الكيميائيات البريطانية «إينيوس».

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)

النفط يسجل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر

ارتفعت أسعار النفط قليلاً يوم الجمعة متجهة صوب تسجيل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منظر عام لمقر شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) في أبوظبي (رويترز)

رئيس الإمارات يوافق على تشكيل مجلس إدارة ذراع الاستثمار العالمية لـ«أدنوك»

وافق رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على تشكيل مجلس إدارة شركة «إكس آر جي (XRG)»، الذراع الاستثمارية الدولية الجديدة لشركة «أدنوك».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الاقتصاد لوحة عليها شعار شركة «روسنفت» الروسية في المنتدى الاقتصادي في سانت بطرسبرغ (رويترز)

«روسنفت» و«ريلاينس» تتفقان على أكبر صفقة بين الهند وروسيا لتوريد النفط

قالت 3 مصادر إن شركة النفط الحكومية الروسية «روسنفت» وافقت على توريد ما يقرب من 500 ألف برميل يومياً من النفط الخام إلى شركة التكرير الهندية الخاصة «ريلاينس».

«الشرق الأوسط» (موسكو - نيودلهي)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».