مسرح البدوي المغربي يؤرخ لمساره بمعرض توثيقي في الرباط

وزير الثقافة والاتصال: الذاكرة التاريخية هي الأساس لبناء المستقبل

عبد القادر البدوي متحدثاً إلى محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال
عبد القادر البدوي متحدثاً إلى محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال
TT

مسرح البدوي المغربي يؤرخ لمساره بمعرض توثيقي في الرباط

عبد القادر البدوي متحدثاً إلى محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال
عبد القادر البدوي متحدثاً إلى محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال

اختتم الليلة قبل الماضية المعرض الفوتوغرافي التوثيقي لمسرح البدوي، الذي أقيم في بهو مسرح محمد الخامس، بالرباط، تحت شعار «ذاكرة مسرح... ذاكرة وطن»، احتفالاً بافتتاح الموسم المسرحي الجديد، ومرور 65 سنة على ميلاد التجربة المسرحية لعبد القادر البدوي.
ونوه محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال المغربي، خلال زيارته للمعرض، بهذه المبادرة الفنية التي تؤرخ لفترة مهمة من تاريخ المسرح المغربي، خلال تأسيسه على يد الرواد الأوائل الذين وضعوا لبناته الأولى، وسهروا على إعلاء بنائه.
وقال الوزير، مخاطباً عبد القادر البدوي، إن هذا المعرض له أهميته الخاصة، باعتبار أن «الذاكرة التاريخية هي الأساس»، مشيراً إلى أن المستقبل لا يمكن بناؤه دون استحضار صفحات التاريخ.
وحرص الأعرج على الإنصات بكل إمعان للفنان البدوي، عميد المسرح المغربي، وهو يتحدث بتفصيل عن مساره الفني، انطلاقاً من الصور المعروضة، وما تثيره في نفسه من مشاعر جياشة ترتبط بالبدايات الأولى على الدرب الفني، الذي لم يكن مزروعا بالورود، بل بكثير من المصاعب والتحديات.
ومن بين الذكريات التي ما زالت راسخة في نفس البدوي، و«كأنها حدثت بالأمس القريب فقط»، حسب تعبيره، يوم خروج أفراد فرقته بلباس المسرح إلى الشارع لمشاركة الشعب المغربي فرحة الاستقلال سنة 1956 في أجواء من الحماس.
وعبر البدوي عن اعتزازه بمشاركته في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي، في مسرحية «أولاد الشوارع»، في مدينة الدار البيضاء، خلال زيارة فرقته المسرحية المصرية للمغرب فجر الاستقلال.
ومما جاء في استرجاع البدوي للماضي البعيد أن بيته العائلي، بعد قدوم أسرته من مدينة طنجة، في شمال المملكة، واستقرارها في الدار البيضاء، كان قريباً من القصر الملكي في حي الأحباس، ما جعل الملك الراحل الحسن الثاني أثناء استقباله لمجموعة من رجال المسرح، في شهر مارس 1991، يذكرهم بأن البدوي كان من جيرانه. وأضاف أنه عند لقائه بالملك محمد السادس، سنة 2008، بحضور ثريا جبران، وزيرة الثقافة السابقة، قبل مرضها ومغادرتها لمنصبها، جرى الحديث عن الرسالة الملكية التي كان والده الراحل الملك الحسن الثاني قد وجهها إلى وزير الداخلية والإعلام آنذاك، الراحل إدريس البصري، بشأن تخصيص مبلغ واحد في المائة من ميزانية الجماعات المحلية (المجالس البلدية) لفائدة قطاع المسرح.
وفي حديثه مع الوزير عن علاقته بالمسؤولين الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة، كان البدوي يربط أحياناً بين السياسة والمسرح، ومن بين تلك التلميحات إشارته إلى واقعة تدافع الجمهور لمشاهدة مسرحية «الحلقة فيها وفيها»، بحمولتها السياسية، في الرباط، مما تسبب في كسر أبواب قاعة العرض.
وقال البدوي إنه في الصباح الموالي، توصل رفقة أعضاء فرقته المسرحية بدعوة لمقابلة محمد باحنيني، الوزير الوصي القطاع على الثقافة، آنذاك، فانتابهم إحساس بأنّهم سوف يتعرضون للتوبيخ على ما تعرضت له أبواب القاعة من خسائر، فإذا بالوزير يفاجئهم بالتهنئة على العرض، واستقطابه لكل ذلك الحضور المكثف.
وفي نهاية زيارته لأروقة المعرض التوثيقي لمسرح البدوي، أشار وزير الثقافة والاتصال، لـ«الشرق الأوسط»، إلى الأهمية التي تكتسبها مثل هذه المعارض على مستوى حفظ الذاكرة الفنية.
وأشاد الوزير المغربي بما يشتمل عليه المعرض التوثيقي من إرهاصات ومعطيات ترتبط بالتاريخ الثقافي للمملكة، في علاقته بالمسرح «الذي كان مزدهراً، وكان يعمل بالأساس على تعزيز الثقافة المغربية، وتأطير المواطنين في هذا المجال».
واعتبر الوزير الأعرج أنّ «هذا المعرض سيبقى بالنسبة لوزارة الثقافة لبنة من اللبنات المهمة، في إطار العمل الحكومي لبلورة السياسة العمومية المتعلقة بدعم كل المجالات الثقافية، بما فيها المسرح الذي يحظى بمكانة خاصة ضمن اهتمامات الوزارة».
أما الفنان عبد القادر البدوي، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المعرض التوثيقي اشتمل على 89 لوحة، بعضها بالأبيض والأسود، والباقي بالألوان، والهدف من ورائه هو تعريف الأجيال الجديدة بالبدايات الأولى للمسرح في المغرب، والمراحل الفنية التي قطعها حتى الآن».
وكشف أن الخطوة التالية، بعد تقديم هذا المعرض في مدن طنجة والدار البيضاء والرباط، هي التنقل به في الجامعات والمعاهد العليا، على أن يكون مصحوباً بتقديم محاضرات عن تاريخ المسرح المغربي.
يذكر أن البدوي المحتفى به، وبتجربته المسرحية، يعتبر من أشهر رواد المسرح في المغرب، تأليفاً وتشخيصاً وإخراجاً، بالاعتماد على إمكانياته الذاتية، حيث ظل في منأى عن الاستفادة من مشاريع الدعم التي تقدمها وزارة الثقافة لبعض الفرق المسرحية، لاعتبارات مختلفة، من بينها اعتزازه بكرامته، وشعوره بأنّ تاريخه الفني يعفيه من تقديم ملفات الطلب بهذا الخصوص.
وعلى الرغم من تقدمه في السن، وبلوغه الـ84 من عمره، فإن ذلك لم يزده إلا نضوجاً وعزماً على مواصلة المشوار الفني، مستعيناً بحماس ابنتيه كريمة وحسناء البدوي، اللتين تتوليان حالياً كل أمور الفرقة، من الناحية الفنية، بتنسيق الجهود فيما بينهما.
ومن تحت عباءته، وضمن فرقته المسرحية، وعلى امتداد 65 سنة، تخرجت أجيال من الممثلين الذين أصبحوا نجوماً لامعة في المسرح والتلفزيون والسينما، من بينهم الراحل محمد مجد وهلال عبد اللطيف ومصطفى الزعري ومطفى التومي ومصطفى منير، وغيرهم كثير.
ويتذكر الناس في المغرب أنّ مسرح البدوي كان يطل عليهم في السنوات السابقة عبر الشاشة الصغيرة، من خلال سلسلة حلقات تلفزيونية تحمل عنوان «نافذة على المجتمع»، تكتسي أبعاداً أخلاقية، وتناقش بعض الظواهر التي تعج بها الحياة اليومية.
ويحسب لمسرح البدوي أنه بالإضافة إلى تقديمه لسلسلة من المسرحيات المستلهمة من الواقع الاجتماعي، استطاع أن يقدم للجمهور المغربي أيضاً روائع من خزانة المسرح العالمي، بعد أن أضفى عليها لمسات جعلت الجمهور يتفاعل معها، وكل واحدة من تلك المسرحيات لها طعمها ونكهتها وفرادتها.
وفي هذا السياق، جاءت مسرحية «المصيدة»، التي جرى عرضها أخيراً على خشبة مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط، في افتتاح الموسم المسرحي، وهي مأخوذة عن مسرحية «قواعد اللعبة»، للكاتب الإيطالي لويجي بيرانديلو، وصاغها عبد القادر البدوي، وتولت إخراجها كريمة البدوي، وساهمت حسناء البدوي في تشخيصها، إلى جانب مجموعة من الممثلين الشباب.



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».