ترجمة عبرية جديدة لشعر محمود درويش

أنجزها أحد كبار المترجمين من العربية

ترجمة عبرية جديدة لشعر محمود درويش
TT

ترجمة عبرية جديدة لشعر محمود درويش

ترجمة عبرية جديدة لشعر محمود درويش

بالنسبة إلى الفلسطينيين وتأكيداً لهويتهم الثقافية كان محمود درويش، ولا يزال، رمزاً يعتز به أبناء هذا الشعب، لكن الشاعر بموازاة كونه حاملاً قضية الأرض والإنسان، كان صاحب رؤية فردية وعالماً ذاتياً، ولعله كان قادراً، لموهبته المميزة، على أن يوازن بين النبرة الغنائية والالتزام، بين ثنائية الذاتي والعام في متواليات منجزاته الشعرية التي وضعته في مقدم شعراء العربية وفي مكانة عالمية.
تتسم الترجمة العبرية الجديدة لقصائد محمود درويش بملامح مختلفة عن الترجمات السابقة لتميزها في نقل المستوى الإيقاعي والارتقاء الصوتي وعمق الدلالة والترميز. وهي ترجمة أنجزها البروفسور ساسون سوميخ من كبار المترجمين إلى العبرية من العربية في إسرائيل، وصدرت المجموعة بتقديم وتحرير تلميذه عيدان برير وبدعم من جامعة تل أبيب عن دار «كيشيب لشيراه» أي «إصغاء للشعر»، وهي دار نشر لديها رؤية ومشروع مستقبلي لتعميق تذوق وفهم الشعر العربي والعالمي لدى قراء العبرية، ويشرف على تحريرها الشاعر والمحاضر الدكتور رافي فايخرت.
تتكون المجموعة من ترجمة لثلاث قصائد وطللية، أي بكائية على الأطلال بعنوان «طللية البروة» مسقط رأس الشاعر. القصائد الثلاث هي «تأملات سريعة في مدينة قديمة وجميلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط» والمقصود بها مدينة بيروت التي من خلالها اتسعت مدارك درويش وواكب فيها ريادات الحداثة الثقافية العربية حتى أصبح من أبرز أصواتها، وهي الوطن الثاني الذي عاش فيه لسنوات وصولاً إلى خروجه القسري منها في وعثاء الحرب الأهلية مع عناصر منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس. والقصيدة كانت قد نُشرت في مجلة «الكرمل» في العدد التاسع في تموز عام 1983 ولم ترَ النور في دواوين محمود درويش.
القصيدة الثانية التي تتضمنها المجموعة هي «لاعب النرد» في توجهاتها الصوفية المتواردة مع التجربة الحياتية على النقيض مما قد يتبادر إلى الذهن من عنوان المجموعة:
«أنا لاعب النَرْدِ- أَربح حيناً وأَخسر حيناً...
أَنا مثلكمْ- أَو أَقلُّ قليلاً.... وُلدتُ إلى جانب البئرِ- والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ- وُلدتُ بلا زَفّة وبلا قابلهْ- وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَة- وانتميتُ إلى عائلهْ... مصادفَة- ووَرِثت ملامحها والصفاتْ...».
في القصيدة الثالثة «سيناريو جاهز»، يضع الشاعر نفسه مع الخصم في حفرة واحدة في تصوره لقدرية العداء، وشبه تعاطفه معه في نطاق يفرضه ارتهان الطرفين لاستمرار الصراع في الديار الكنعانية:
«لنفترضِ الآن أَنَّا سقطنا، أَنا والعَدُوُّ، سقطنا من الجوِّ في حُفْرة... - فماذا سيحدثُ؟ سيناريو جاهزٌ:
في البداية ننتظرُ الحظَّ... - قد يعثُرُ المنقذونَ علينا هنا... ويمدّونَ حَبْلَ النجاة لنا - فيقول: أَنا أَوَّلاً - وأَقول: أَنا أَوَّلاً.».
أما «طللية البروة» فتحظى بذلك الثقل لارتباطها بالتجربة الشخصية للشاعر، فكانت القرية التي تبعد عدة كيلومترات عن مدينة عكا قد هُجّرت من ساكنيها وهُدمت بشكل كيدي بنيران المدفعية الإسرائيلية في صيف عام 1948 خلال أحداث النكبة الفلسطينية لتبقى ذكراها جرحاً عميقاً في روح الشاعر حتى يومه الأخير:
«أقول لصاحبيَّ: قفا... لكي أزن المكانَ وقفره بمعلقات الجاهليين الغنية بالخيول وبالرحيل... لكل قافية سننصب خيمة ولكل بيتٍ في مهبِّ الريح قافيةٌ... - ولكني أنا ابن حكايتي الأولى. حليبي ساخن في ثدي أُمي... والسرير تهزُّهُ عصفورتان صغيرتان... ووالدي يبني غدي بيديهِ.».
قوبلت هذه المجموعة بترحيب الأقلام الثقافية في الصحافة العبرية، وحظيت بمراجعات جادة، واعتبرت القصائد المترجمة والتقديم الذي كتبه عيدان برير إسهاماً هادفاً في تقويم أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب المعاصرين، وإثراءً للمكتبة العبرية، واعتبر صدور المجموعة بمثابة وقفة شجاعة في وجه تصريحات بعض الحزبيين في اليمين الإسرائيلي بحق الشعر والثقافة الفلسطينية.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.