ليبيا: السراج وحفتر يقتسمان «تحرير» صبراتة

مصر تشدد على بناء «التوافق الوطني»... وبريطانيا تحاول التخفيف من وطأة تصريحات جونسون عن «جثث سرت»

رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي ووزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو خلال مؤتمر صحافي في روما أمس (أ.ب)
رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي ووزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو خلال مؤتمر صحافي في روما أمس (أ.ب)
TT

ليبيا: السراج وحفتر يقتسمان «تحرير» صبراتة

رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي ووزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو خلال مؤتمر صحافي في روما أمس (أ.ب)
رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي ووزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو خلال مؤتمر صحافي في روما أمس (أ.ب)

تمكَّنَت غرفة أمنية موالية لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السرّاج، أمس، من «تحرير» مدينة صبراتة (70 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس) بعد قتال عنيف دام قرابة ثلاثة أسابيع مع «الكتيبة 48 مشاة» المحسوبة أيضاً على وزارة الدفاع بحكومة «الوفاق»، فيما قال رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، في تصريحات من إيطاليا، إن ليبيا «تخوض معركة عالمية للقضاء على الإرهاب».
وفور إعلان غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش في صبراتة، أمس، أنها بَسَطت سيطرتها على المدينة، سارع المتحدث باسم قوات الصاعقة، العقيد مليود الزوي، التابعة للجيش الوطني الليبي، بالقول: «هذا فتح خير على القوات المسلحة الليبية»، ودعا إلى «التحضير لما بعد صبراتة».
بموازاة ذلك، عبّر السرّاج عن «ارتياحه البالغ» لتحرير صبراتة، ودعا إلى «تحكيم العقل، بعيداً عن مثيري الفتن». وأضاف السراج في بيان نشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أمس، ممهور بتوقيع «القائد الأعلى»، أنه يعرب عن «تقديره البالغ لغرفة محاربة تنظيم داعش التابعة لحكومة الوفاق التي كانت على قدر المسؤولية في إعادة الأمن للمدينة»، داعياً «الجميع إلى تحكيم العقل في التعامل مع الموقف الحالي وتغليب المصلحة العامة وسد الباب أمام محاولات التأجيج».
في السياق ذاته، أوضح المدير الإعلامي لغرفة عمليات محاربة «داعش» صالح قريصيعة، أن «قوات الغرفة دحرت الكتيبة 48 ودفعت قائدها أحمد الدباشي المعروف بـ(العمو) للهروب غرب المدينة مع ميليشياته، ويجري البحث عنهم لتقديمهم إلى العدالة». وأضاف قريصيعة لـ«الشرق الأوسط» أن «الدباشي متورط في تهريب الوقود، وتجارة البشر، وكتيبته غير شرعية».
ورداً على حديث لقائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، بأن «الحرب الدائرة في صبراتة بين ميليشيات وضباط من الجيش الوطني»، في إشارة إلى «غرفة عمليات صبراتة»، أجاب قريصيعة أن غرفته الأمنية «تأسست بقرار من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ولا تتبع قوات حفتر مطلقاً». وتابع: «نحن لم نتلقَّ دعماً من الجيش طوال الفترة التي قاتلنا فيها ميليشيات العمو، ولا يحق لأحد استخدام انتصاراتنا لأغراض خاصة».
وبادر المتحدث باسم القوات الخاصة «الصاعقة» العقيد مليود الزوي، التابعة للجيش الوطني، مبكراً بالإعلان عن «تحرير صبراتة»، وهزيمة من سماهم بـ«الخوارج»، في إشارة إلى الكتيبة 48 مشاة. وقال الزوي، في بيان نشرته صفحة تحريات القوات الخاصة على «فيسبوك» أمس: «الحمد الله استبشرنا هذا الصباح بتحرير صبراتة، وهناك فرحة عارمة من مواطنيها، والمعنويات عالية»، مثمناً «جهود المقاتلين الذين أسهموا في النصر». ودعا الزوي إلى تأمين المدينة بالكامل والتجهيز إلى ما بعد صبراتة، مختتماً: «هذا فتح خير على القوات المسلحة الليبية».
وكان حفتر وصف الاشتباكات في صبراتة بأنها «حرب شرعية بين ضباط من الجيش الوطني (غرفة عمليات صبراتة) من جهة، وجماعات إرهابية وتجارة البشر». وأضاف: «لن تتوقف الحرب هناك قبل تسليم هذه المجموعات لسلاحها وإطلاق سراح أهالي المدينة المعتقلين لغرض الابتزاز وتسليم العناصر الأجنبية التي تقاتل معها».
وشهدت صبراتة منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي اشتباكات دامية بين غرفة عمليات محاربة «داعش» و«الكتيبة 48 مشاة»، ما خلف 30 قتيلاً وما لا يقل عن 170 جريحاً. وسبق لقادة في «الكتيبة 48 مشاة» أن اعترفوا في الماضي بممارسة عمليات تهريب البشر في صبراتة، لكنهم قالوا إنهم تركوا هذا الفعل وأصبحوا يقف ضده بعد اتفاق مع حكومة الوفاق.
في السياق، هنأ مجلس النواب الليبي أهالي صبراتة بتحريرها من «الميليشيات الإرهابية، والمتطرفين والخارجين على القانون».
إلى ذلك، أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة، الدكتور عبد الرحمن السويحلي، ضرورة التصدي «للتنظيمات الإرهابية بحزم»، وقال إن «هناك تعاوناً كبيراً بين المؤسسات الليبية والإيطالية في هذا المجال». وأضاف السويحلي في مؤتمر صحافي عقده بمقر وزارة الخارجية الإيطالية أمس مع وزير الخارجية أنجيلينو ألفانو: «لقد أقدمنا على خطوات كثيرة لمواجهة الإرهاب... لكن لا أحد يستطيع أن يقول إننا بمأمن تماماً منه». واستكمل في تصريحات نقلتها وكالة «أكي»: «هذه معركة عالمية ضد الإرهاب، تتطلب وقتاً طويلاً، لكننا متفائلون ونحن على يقين أننا سنتمكن في النهاية من استئصال هذا السرطان من المجتمع الليبي وطرد الإرهابيين من سرت».
إلى ذلك، يسعى السفير البريطاني لدي ليبيا بيتر ميليت إلى تخفيف ردود الفعل الغاضبة بعد تصريح لوزير الخارجية بوريس جونسون تناول «انتشار الجثث» في مدينة سرت. والتقى ميليت رئيسي المجلس الرئاسي، فائز السراج، والأعلى للدولة، عبد الرحمن السويحلي، أول من أمس، في طرابلس، شارحاً حقيقة ما قصده جونسون. وأبدى السفير البريطاني تفهمه لما أثاره حديث جونسون بين الليبيين، لكنه قال إن «كلامه تم تحريفه واجتزاؤه». ورأى أن جونسون كان يعني بعباراته «القتلى الأجانب من تنظيم داعش» الذين قتلوا مئات الليبيين.
وأشار ميليت إلى أن سياسة بريطانيا في ليبيا تستهدف دعم المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، وإنجاح مسار التوافق بين جميع الفرقاء.
في غضون ذلك، استعرض وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال زيارته الحالية العاصمة الفرنسية باريس، مع نظيره الفرنسي، جان إيف لو دريان، جهود القاهرة الرامية «لدعم بناء التوافق الوطني الليبي والمساعدة في توحيد الجيش». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، المستشار أحمد أبو زيد، في بيان، نُشر على صفحة الوزارة، أمس، إن المباحثات بين شكري ولو دريان تناولت الأوضاع في ليبيا، والدور المصري في المساعدة على توحيد الجيش الوطني من خلال استضافة محادثات عدد من العسكريين الليبيين من مناطق جغرافية مختلفة.
وأضاف المتحدث أنه «دار نقاش مطول بين الجانبين حول مستقبل التعامل مع الأزمة الليبية بشكل عكس رؤية مشتركة للبلدين، وضرورة إيجاد حل نهائي وعاجل لتلك الأزمة، بجانب دعم الأمم المتحدة في رعاية العملية السياسية هناك، ودور دول الجوار الليبي في مساعدة جميع الأطراف على بناء التوافق الوطني المطلوب».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.