سنوات السينما

لقطة  من «أنشودة جندي».
لقطة من «أنشودة جندي».
TT

سنوات السينما

لقطة  من «أنشودة جندي».
لقطة من «أنشودة جندي».

Ballad of a Soldier (1959)
ستالين مات... يعيش شوخراي
لم يتسن للمخرج الروسي غريغوري شوخراي (1921 - 2001) تحقيق الكثير من الأفلام. بالكاد أنجز تسعة أفلام ما بين 1956 و1984. لكنه سيعرف إلى اليوم بفيلم واحد أكثر من سواه هو «أنشودة الجندي» الذي كان الثاني بين أفلامه ورشح للأوسكار بعد ثلاث سنوات مرّت على إنتاجه وذلك سنة 1962.
في السنة ذاتها تم ترشيحه لجوائز «بافتا» البريطانية وخرج بجائزة «أفضل فيلم من أي مصدر». قبل ذلك بعامين نال ذهبية مهرجان سان فرانسيسكو الدولي كأفضل فيلم ونال المخرج شوخراي جائزة أفضل مخرج من المهرجان ذاته.
من السهل القول إن «أنشودة جندي» هو فيلم من الشعر السينمائي والحس الإنساني الذي يطفوان فوق العمل بأسره من بدايته لنهايته. لكنه في نظرة متعمقة هو فيلم ضد الحرب العالمية الثانية في فترة ما زالت تعيش السطوة الستالينية ومبادئها حتى بعد رحيله قبل سبع سنوات من تحقيق هذا الفيلم. في تلك الفترة لم يكترث أحد لتقديم أفلام تعادي الحرب بل ساد فيها سيل من الأفلام التي تتحدث عن الحرب كميدان بطولة وطنية نموذجية للجيش الأحمر ضد الغزاة النازيين وللفرد والمجتمع الروسيين اللذين تضامنا دفاعاً عن الوطن.
شوخراي منح المنوال المثالي المعتاد للفيلم الحربي السوفياتي معالجة إنسانية واستبدل البطل الذي يقطر حماساً لتحقيق النصر على الأعداء، بشخص شاب بريء الملامح ورومانسي العاطفة (أداه فلاديمير إيفاشوف) نال إذناً من قيادته على الجبهة لزيارة أمه في الداخل الروسي. ينطلق لاستغلال هذه المدة الوجيزة التي نالها للعودة إلى قريته البعيدة بأسرع ما يمكن. طريقة الوصول هي القطار. بطلنا أليوشا سيلتقي في رحلته بفتاة وحيدة (زانا بروخورينكو) التي تحتاج لمساعدته بغاية الوصول إلى صديقها الجريح.
يلتقي أيضاً برفيق خسر ساقه في الحرب ويخشى العودة إلى زوجته كسيحاً... اندفاعه للمساعدة ينطلق من تجاوب إنساني محض ورغبة في العودة إلى رحلته في الوقت المناسب حتى لا تنتهي الإجازة قبل لقائه والدته ومساعدتها في تغطية السقف الذي يخر ماء كلما أمطرت بعوارض خشبية جديدة.
هذه الحيثيات تلعب دورها في وقوفنا كمشاهدين لجانب أليوشا طوال الوقت والفضل في ذلك لمخرج وجد الحكاية التي وضعها شوخراي بنفسه مع فالنتين إيزوف، مناسبة ثمينة لعرض مواقف إنسانية على خلفية من المشاهد التي تحكي ضراوة الحرب في الداخل الروسي. كل ذلك بريشة شعرية ممسوكة بخفة وغير متكلفة. بطله الساعي للقاء والدته لم تتح له فرصة تحقيق ذلك اللقاء بل صار عليه واجب العودة من حيث أتى. والمشهد الأخير للفيلم لأمه القروية وهي تترك المنزل وتقف عند مفترق الطريق بانتظار ابنها لا يمكن مفارقة بال أحد من مشاهدي الفيلم. كلاهما، الأم وابنها، عاشا حلماً لم يتحقق.
«أنشودة جندي» يقف عالياً بين أفلام معدودة (نعرفها) استفادت من انتقال الاتحاد السوفياتي (كما كان اسمه الرسمي آنذاك) من الستالينية إلى الخروتشوفية. تلك نقلة أثمرت عن منح المخرجين بعض الانفتاح من دون المساس بالمبادئ. وهذا الفيلم يسير فوق الخط النحيف بين الانفتاح والتقاليد المفروضة بمهارة. فهو يتحدث عن الإنسان قبل الجندي وعن حال الوطن قبل الوطن. لا يسعى لقلب الصورة بل لقراءة بعض مكوناتها التي لم يسبق لأحد أن قرأها من قبل باستثناء حفنة قليلة جداً من الأفلام أحدها «البجع يطير» لميخائيل كالاتوزوف الذي تم تحقيقه عامين قبل هذا الفيلم.
واحد من قراءات الصورة غير المتداولة آنذاك كانت في تخصيص حيز كاف للحديث حول الشاب أليوشا والفتاة التي يلتقي بها. سيصحبها بعض الوقت وسينظر إليها ببعض الشهوة، لكنه يعلم أنها لن تكون له إلا إذا رغبت هي والمشاهد التي تجمعهما رومانسية وخالية حتى من قبلة واحدة. بذلك فإن أليوشا بطل حرب بدوره، لكنه بطل من صنف آخر.


مقالات ذات صلة

الممثل أدريان برودي يحطم الرقم القياسي لأطول كلمة في الأوسكار

يوميات الشرق الممثل أدريان برودي يحطم الرقم القياسي لأطول كلمة في الأوسكار

الممثل أدريان برودي يحطم الرقم القياسي لأطول كلمة في الأوسكار

ألقى أدريان برودي خلال تسلّمه أوسكار أفضل ممثل الأحد أطول كلمة في تاريخ حفلات توزيع جوائز الأوسكار، محطماً رقماً قياسياً يعود إلى 80 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق شون بيكر يحمل أربع جوائز أوسكار نالها شخصيا عن فيلمه "أنورا" (أ.ب)

السينما المستقلة تسطع في ليلة الأوسكار

سطعت السينما المستقلة في ليلة الأوسكار بهوليوود وخرج «أنورا» بجائزة أفضل فيلم، تاركاً الأفلام التسعة الأخرى، من بينها منافِسه الأشد «ذَا بروتاليست»، في حسرة.

محمد رُضا (هوليوود)
يوميات الشرق باسل ويوفال في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)

«لا أرض أخرى» يجدد الجدل حول «التطبيع الفني»

جدد فوز الفيلم الوثائقي الفلسطيني «لا أرض أخرى» بجائزة «الأوسكار» لأفضل فيلم وثائقي طويل الجدل حول «التطبيع الفني» لمشاركة مخرج فلسطيني وآخر إسرائيلي فيه.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق ملصق فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على أوسكار أفضل وثائقي (إنستغرام)

«لا أرض أخرى»... الفيلم الفلسطيني - الإسرائيلي الذي خرق جدار الأوسكار

مَن يوفال إبراهام وباسل عدرا مخرجا فيلم «لا أرض أخرى»؟ وكيف اجتمع الشابّان على الشراكة الفنية والصداقة الإنسانية رغم عداوة شعبَيهما؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق فريق فيلم Anora الحائز على 5 جوائز أوسكار (أ.ب) وأوسكار أفضل وثائقي للفيلم الفلسطيني الإسرائيلي No Other Land  (أ.ف.ب)

أوسكار 2025: 5 نجوم للسينما المستقلّة ونَصرٌ فلسطيني إسرائيلي مشترك

مفاجأتان في ليلة الأوسكار. الأولى عنوانها «أنورا»، الفيلم الذي حقق انتصاراً للسينما المستقلّة. والثانية فوزٌ فلسطيني إسرائيلي مشترك لفيلم «لا أرض أخرى».

كريستين حبيب (بيروت)

شاشة الناقد: فيلم خيال وآخر عن الحرب الأهلية الأميركية

«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (مارفل ستديوز)
«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (مارفل ستديوز)
TT

شاشة الناقد: فيلم خيال وآخر عن الحرب الأهلية الأميركية

«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (مارفل ستديوز)
«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (مارفل ستديوز)

CAPTAIN AMERICA‪:‬ BRAVE NEW WORLD

‫كابتن أميركا: عالم جديد شجاع‬

★★

* إخراج: يوليوس أوناه

* الولايات المتحدة | كوميكس

* عروض تجارية.

لا علاقة لهذا الفيلم برواية ألدوس هكسلي «عالم جديد شجاع» المنشورة سنة 1932، لكن إذا ما كان لا بدّ من المقارنة، وقد استعار صانعو الفيلم نصف عنوانه، فلا بدَّ من القول إن الرواية التي تحدَّثت عن عالمنا اليوم (من حيث تَقدُّم العلم وتغيير البشر) هي أصدق وأهم من العالم الخيالي الذي يشيده هذا الفيلم.

«كابتن أميركا» منوال دائم بين المسلسلات السينمائية من عام 1944 يقوم على شخصية سوبرهيرو لديه مثل (باتمان، وسوبرمان وشخصيات أخرى) كامل المواصفات وبالغ القوّة ويدافع عن الديمقراطية ضد القوى المعادية. هذا عندما كان معروفاً من هي تلك القوى. لذلك بعض التّطوير في شخصية «كابتن أميركا» في السنوات القريبة، كان لا بدّ منه، كذلك هوية الأشرار والمهمّات.

إن اعتقد بعضنا أن هذه التيمات عبر مجموعة السوبرهيروز (كابتن أميركا، وكابتن مارڤل، وآيرون مان، وسبايدر- مان، وباقي المجموعة) باتت قديمة، فهو معذورٌ لكنه مخطئ. الفيلم الجديد سجّل 142 مليون دولار لا بأس بها في أسبوعين في أميركا ونحوها في خارجها.

هناك رئيس جمهورية جديد في البيت الأبيض اسمه تيودور روس (يؤدي دوره هاريسون فورد للمرّة ثانية من بعد «Air Force One» سنة 1997)، إذ يسعى لمنع دمار العالم عبر مواجهة حكومة عميقة، ومؤامرات داخلية تُحاك ضده وضد سلامة البلد. في أحد المشاهد يتعرَّض لمحاولة اغتيال من قِبل شخص موثوق. الرئيس يُوعز لسام ويلسون بالسعي لجمع شمل فريق الأفنجرز (The Avengers) لمساعدته. لكن سام (أنطوني ماكاي لأول مرّة في هذا الدور) يريد الاعتماد على قوّته الخاصة. بعد هذا الحد تزداد المشكلات وتتداخل العراقيل وسيجد سام أن قوته البشرية لا تنفع وحدها.

غالباً ما يُصبح الفيلم نفسه واحداً من هذه المشكلات عندما ينكبّ 5 مؤلّفين على كتابته. «كابتن أميركا» هذا يعيش على البصريات والمؤثرات، أمّا ما بينها فهو تبادل حوارات حادة لا تنفع في رفع درجة حرارته.

The Damned

الملعونون ★★★

‫* إخراج: روبيرتو مينيرڤيني‬

‫* الولايات المتحدة (2025)‬ | وسترن.

* عروض تجارية.

على كثرة ما ورد من أفلام عن الحرب الأهلية الأميركية (أفلام وِسترن تعود لما قبل (The Birth of a Nation) «ولادة أمّة» لديفيد غريفيث سنة 1915)، لا يوجد فيلم شبيه بهذا العمل. هو ليس استعادة لأفلام الوِسترن السباغتي ولا هو كناية عن حكاية تحشد مشاهد القتال بين الجيشين الاتحادي والجنوبي في تلك الحرب (1861- 1865). هو سرد لفريق من الجيش الاتحادي في منطقة ما، نُشاهدهم يسيرون في سهولٍ وتلالٍ (لا جياد كثيرة)، ونستمع إليهم وهم يتحدّثون متذكّرين بعض الماضي وآملين العودة من الحرب سالمين.

«الملعونون» (فيلم دو لوزانج)

هناك إيحاءٌ شعري ثابتٌ في كل هذا، ومعركة واحدة لا نرى فيها الجهة المقابلة. يقرّر مينيرڤيني ألّا يبحث فيمن هو على خطأ أو صواب، ولا أن يضع أبطالاً وأشراراً في الواجهة، بل يعمد إلى مجرد عرض لكيف كانت الحرب من زاوية محاربين يعيشونها أكثر ممّا يشتركون فعلياً فيها.

يمرّ كل هذا بمزيج من الاهتمام وعكسه. هو مختلفٌ ويُسجّل نقطة عالية في ذلك، لكن اختلافه لا قيمة سينمائية فارقة له. أحد الفصول التي تتعارض مع الواقع، وواقعية الفيلم معاً، هو فصلُ القتال. الطرف الآخر من الحرب يُطلِق النار على الجنود من مخابئ وأفراد الجيش الاتحادي يسارعون في الركض صوب مطلقي النار الذين لا يرونهم. لست خبيرَ معاركٍ، لكن، يبدو لي أن هذا ليس ما يُقدم عليه أيُّ جيشٍ إلا إذا كان انبرى أساساً للهجوم وليس للدفاع.

في الصالات

* The Monkey ★★ ‫- رعب عن لعبة على شكل قردٍ تُنفِّذُ بعد ربع قرن من اكتشافها جرائم قتل. شقيقان توأم يواجهانها في هذا الخيال الآتي من صفحات الروائي ستيڤن كينغ.‬

* Old Guy ★★ - للمخرج سايمون وست أفلام جيِّدةُ التنفيذ، وهذا الفيلم الأكشن ينتمي إليها. عن كريستوف ڤالتز يجد نفسه عائداً إلى الجريمة المعالجة كوميدية.

* The Lost Lands ★★ - مثل مخرج «أولد غاي»، ينتمي بول دبليو إس أندرسون إلى طاقم المنفّذين الجيدين. هذا الفيلم فانتازيا عن السَّعي لامتلاك روح تُمكِّن من يتقمّصها العيش طويلاً.

* The Quiet Ones ★★ أكشن بوليسي دنماركي، يشترك في بطولته الفرنسي رضا الكاتب، عن لصٍ وافق العودة إلى العمل بعد اعتزال طويلٍ. مشاهد الأكشن معنى بها، بيد أن الفيلم لا يُضيف.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز