ألمانيا من سور برلين إلى أسوار «طبقية وعرقية»

بعد 27 سنة من توحيدها... رئيسها يحذر من خيبة الأمل

TT

ألمانيا من سور برلين إلى أسوار «طبقية وعرقية»

نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية التي جرت في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي أظهرت أن «هناك أسوارا أخرى أقل وضوحا نشأت من دون أسلاك شائكة وممرات موت»، حذر منها الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير خلال الاحتفال بالذكرى السنوية السابعة والعشرين لتوحيد شطري ألمانيا في مدينة ماينتس. وقال شتاينماير إن سور برلين الذي قسم ألمانيا سقط، لكن شيدت مكانه أسوار جديدة في المجتمع، داعيا إلى التعامل الصادق مع مشكلة اللاجئين. وأضاف شتاينماير أمس الثلاثاء، ومن دون الإشارة بشكل مباشر إلى نجاح حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي، الذي حصل على 13 في المائة من الأصوات وأكثر من 90 مقعدا في البوندستاغ، أن «أسوار الاغتراب وخيبة الأمل والغضب» صارت راسخة عند البعض لدرجة لم يعد من الممكن اختراقها بالحجج. وقال في تصريحات نقلتها الوكالة الألمانية: «خلف هذه الأسوار يوجد انعدام كبير في الثقة تجاه الديمقراطية وممثليها».
وانتقد شتاينماير وجود أسوار بين الفقر والثراء والمدينة والريف والمتصلين بالإنترنت وغير المتصلين به، وقال: «الأسوار تحيط بغرف ارتداد الصدى في الإنترنت، حيث يصبح الصوت دائما أكثر ارتفاعا وحدة».
وذكر شتاينماير أن الجدل حول اللجوء والهجرة أثار ضجة في ألمانيا، لكنه كان أيضا نتاجا وتصويرا لعالم محتد، مضيفا أن كثير من الناس يقولون: «لم أعد أفهم العالم»، مشيرا إلى أن خلف هذه العبارة شوقا للوطن وتوجها لا ينبغي تركه للقوميين، وقال: «الوطن يشير إلى المستقبل وليس إلى الماضي». وأشار شتاينماير إلى الإمكانات المحدودة لاستقبال اللاجئين، مطالبا بالتفريق بين اللجوء لأسباب تتعلق بالملاحقة السياسية والهجرة بدافع الهروب من الفقر، مضيفا أن الأمر يدور حول «التوفيق بين واقع العالم وإمكانات بلدنا».
وبدأت مراسم الاحتفال صباح أمس بزيارة متحف «غوتنبرغ»، أحد أقدم متاحف المطبوعات في العالم، من قبل ممثلي أبرز خمس سلطات في الدولة، على رأسهم الرئيس شتاينماير والمستشارة أنجيلا ميركل ورئيس البرلمان المنتهية ولايته نوربرت لامرت، ورئيس المحكمة الدستورية أندرياس فوسكوله، ورئيسة مجلس الولايات مالو دراير، التي تتولى أيضا منصب رئيسة حكومة ولاية راينلاند - بفالتس المضيفة لاحتفالات الوحدة هذا العام.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتفالات بيوم الوحدة تُقام في عاصمة الولاية التي تتولى في ذلك التوقيت رئاسة مجلس الولايات (بوندسرات). وقالت دراير: «يوم الوحدة الألمانية هو أهم عيد لدينا من وجهة نظري.. حقيقة أن الوحدة تعطينا القوة في مواجهة التحديات».
وبرفقة زوجته توجه شتاينماير إلى أعضاء الوفد الشعبي الذين اصطفوا للترحيب بوصول سيارات قادة الدولة بأعلام الولايات الألمانية. وطلب عمدة ماينتس، ميشائيل إبلينغ، من ممثلي السلطات الدستورية التوقيع في الكتاب الذهبي لعاصمة الولاية.
ويعقب زيارة المتحف حضور لقداس في كاتدرائية ماينتس، ثم حفل في قاعة المؤتمرات «راينجولدهاله»، والذي ستفرض السلطات طوقا أمنيا حوله، حيث من المتوقع تجمهر مئات المتظاهرين خارج موقع انعقاد الحفل. وتنظم ولاية راينلاند - بفالتس هذا العام احتفالات الوحدة الألمانية تحت شعار «معا نكون ألمانيا». وأقيمت أمس الاثنين احتفالات شعبية بعيد الوحدة في ماينتس، وتمت إقامة أكشاك ممثلة للولايات الألمانية الست عشرة. ومن المقرر أن تسلم رئيسة حكومة راينلاند - بفالتس، مالو درير، على نحو رمزي راية رئاسة مجلس الولايات الألماني في ماينتس لعمدة ولاية برلين ميشائيل مولر.
ويشارك في الحفل عدد من المغنيين، مثل المغني الألماني من أصل عراقي ليث الدين، والمغني الألماني ماكس جيسنغر، وفريق الروك «سيلي». وتشدد السلطات الألمانية الإجراءات الأمنية للاحتفالات منذ أمس الاثنين. ويشارك في تأمين فعاليات اليوم 4300 شرطي.



الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.