كيف يموت الشعراء؟

من العربي أبي الطيب المتنبي إلى الإنجليزي توماس تشاترتون

لوحة «موت تشاترتون» 1856  للرسام هنري واليس
لوحة «موت تشاترتون» 1856 للرسام هنري واليس
TT

كيف يموت الشعراء؟

لوحة «موت تشاترتون» 1856  للرسام هنري واليس
لوحة «موت تشاترتون» 1856 للرسام هنري واليس

في أدبنا العربي القديم كتاب عن «مصارع العشاق». ولكن ماذا عن مصارع الشعراء؟ ليس هناك على قدر علمي كتاب عربي يتناول هذا الموضوع تناولاً وافياً، وإن انتشرت عبر القرون قصص متفرقة عن الطريقة التي مات بها أرباب الوزن والقافية: مصرع المتنبي على أيدي من ترصدوا له قرب دير العاقول، مصرع وضاح اليمن في صندوق خبأته فيه عشيقته قبل أن يدخل زوجها الغرفة، مصرع ابن المعتز بعد ليلة واحدة قضاها على عرش الخلافة، مصرع أبو القاسم الشابي وبدر شاكر السياب وأمل دنقل وحلمي سالم على فراش المرض (تعددت الأمراض ما بين مرض القلب والسرطان... إلخ، والموت واحد)، مصرع خليل حاوي منتحراً بطلقة رصاص، مصرع صلاح عبد الصبور بعد كلمات جارحة أصابته في مقتل إذ طعنت في وطنيته ونزاهته، مصرع صالح الشرنوبي تحت عجلات قطار في بلدته بلطيم، مصرع ملك عبد العزيز بعد أن سقطت عليها شجرة، مصرع يحيى الطاهر عبد الله (وأنا أدرجه في زمرة الشعراء لأنه كان شاعر القصة القصيرة بامتياز) في حادث سيارة. والأمثلة كثيرة لا يتسع لها هذا المقام.
واليوم ينضم إلى المكتبة الإنجليزية كتاب عنوانه «مصارع الشعراء» من تأليف الشاعرين والأستاذين الجامعيين البريطانيين بول فرلي ومايكل سايمونز روبرتس (الناشر: جوناثن كيب، لندن 2017، 414 صفحة).
Paul Farley and Michael Symons Roberts، Deaths of the Poets، Jonathan Cape، London 2017.
يقول المؤلفان في مقدمة كتابهما إن «الشعراء قد ظلوا دائماً يغامرون أو يقامرون من أجل الشعر. منهم من ضحى بصحته أو أسرته أو مستقبله أو بأمنه أو حتى بحياته. من هنا ارتسمت صورة خاصة للشعراء في الأذهان. من المسموح للروائي أن يكون عاقلاً خبيراً بأمور الدنيا ومتحكماً في تصرفاته. أما الشاعر فينتظر منه أن يكون مكتئباً محكوماً عليه بالهلاك ومدمراً لنفسه قبل أن يدمره الآخرون».
ترى متى بدأت هذه الصورة الرومانتيكية تتكون؟ إن الصلة بين الشعراء والفناء وثيقة، ونحن قد ظللنا دائما نهتم بآخر كلمات الشعراء على فراش الموت وكأنها تلخص تجربة حياتهم (قال جوته وهو يحتضر: «النور... مزيداً من النور»). لقد أخرج الناقد والمعجمي والشاعر الإنجليزي الدكتور صمويل جونسون في 1783 كتابه «سير أبرز الشعراء الإنجليز مع ملاحظات نقدية عن أعمالهم». تناول في هذا الكتاب اثنين وخمسين شاعراً بدءاً بإدموند والر وانتهاء بتوماس غراي. والأمر اللافت في هذه السير هو غلبة الحزن والكآبة عليها. فأغلب هؤلاء الشعراء الذين يتحدث عنهم جونسون قد ماتوا قبل تحقيق آمالهم أو أن هذه الآمال أحبطت. إنهم (لم يدرج جونسون أي شاعرة أنثى) يعانون من الفقر المادي أو استغلال الناشرين أو عدم التقدير من النقاد أو انصراف القراء أو كل أنواع الأمراض: النقرس، السل، انتفاخ الساقين، البرد، التهاب الرئتين.
وفي منتصف القرن الثامن عشر وجدنا المصور الإنجليزي وليم هو غارث يرسم لوحته المسماة «الشاعر المكروب» وفيها نجد شاعراً يجلس في انتظار الوحي في علية فقيرة. إحدى يديه تمسك بريشة الكتابة واليد الأخرى تهرش رأسه الفارغ وكأنها تبحث فيه عن فكرة أو عبارة. إنه يحلم بالشهرة أو بأن يصيب شيئاً من المال، وثمة بائعة لبن غاضبة تقف ببابه مطالبة بما يدين به لها. إن الشاعر في هذه اللوحة يبدو كأنه سجين شد وثاقه إلى مكتبه. وقد تسللت هذه الصورة وتناسخت في آداب أخرى: من هنا نشأت صورة «الشاعر الملعون» أو «الرجيم» في فرنسا القرن التاسع عشر: بودلير ورنبو وفرلين.
وكتاب فارلي وروبرتس قائم على سلسلة «رحلات حج» (على حد تعبيرهما) إلى الأماكن التي مات فيها الشعراء. وعلى هذا فهو أيضاً كتاب عن المكان وعن الرابطة بين الإنسان والبقعة التي تحركت فيها حياته.
يتناول المؤلفان عدداً من الشعراء البريطانيين والأميركيين منذ القرن الثامن عشر حتى أواخر القرن العشرين. من هؤلاء الشعراء البريطانيين (إنجليز وويلزيين وآيرلنديين واسكوتلنديين): توماس تشاترتون، وديلان توماس، وبايرون، وفيليب لاركن، وستفي سمث، ولوي ماكينس، وكيث دوغلاس، وديفيد جونز، ويلفريد أوين، ر. س. توماس، وجون كلير. ومن الشعراء الأميركيين: وجون بريمان، وسيلفيا بلاث، وإليزابيث بيشوب، وفرانك أوهارا، ويليام كارلوس وليمز، وإميلي دكنسن، وروبرت لويل، وآن سكستون، ولاس ستفنز، وميريان مور، وروبرت فروست. وهناك شعراء تنقلوا بين الجنسيتين مثل و. ه. أودن وتوم عن.
سأقتصر هنا على وقفة قصيرة مع اثنين من هؤلاء الشعراء. ولتكن وقفتنا الأولى مع أقدم هؤلاء الشعراء زمناً وأصغرهم سناً، وهو الشاعر الإنجليزي توماس تشاترتون (1752 - 1770) الذي لقي مصرعه قبل أن يتم الثامنة عشرة من عمره وغدا منذ ذلك الحين أيقونة الحركة الرومانتيكية في إنجلترا وفرنسا على السواء.
ترك تشاترتون المدرسة في سن الرابعة عشرة وعمل متدرباً في مكتب محامٍ. تجلت موهبته في التأليف ومحاكاة كتاب الماضي في سن مبكرة مما أغراه بأن يرتكب عملية تزوير أدبي هي أن يؤلف قصائد من نظمه بأساليب شعراء العصور الوسطى ويدعي نسبتها إليهم (قارن قضية الانتحال في الشعر العربي التي أثارها المستشرق الإنجليزي مرجوليوث ومن بعده طه حسين). ادعى تشاترتون أنه اكتشف في برج كنيسة سانت ماري رادكليف في مدينة بريستول صندوقاً يحوي مخطوط قصائد من نظم راهب من القرن الخامس عشر يدعى توماس راولي (لا وجود لمثل هذا الراهب وإنما هو من تلفيق شاعرنا). انطلت هذه اللعبة في البداية على معاصري تشاترتون ومن يكبرونه سناً ومنهم الأديب هوراس والبول. وسافر الشاعر إلى لندن وملؤه آمال كبار في النجاح الأدبي والمادي بعد الثناء الذي أغدقه النقاد والأدباء والقراء على هذه القصائد. لكن عدداً من الدارسين مثل إدموند مالون كشفوا النقاب عن زيف هذه القصائد، وهنا قلب الجميع له ظهر المجن ووجد نفسه يتضور جوعاً في العلية التي يقيم فيها في ضاحية هولبورن في لندن، فتناول جرعة زائدة من الزرنيخ (لا نعرف أكان ذلك قصداً أم على سبيل الخطأ). هنا انبعثت موجة من العطف عليه (وحداثة سنه تغفر له ما فعل أو على الأقل تخفف من ذنبه) وأعلن المعجبون به أنه شهيد الأدب، وأنه ضحية مجتمع قاسٍ لا يرحم.
أشاد بذكره الشعراء الرومانتيكيون وردزورث وكولردج وشللي وكيتس. وألف عنه الشاعر الرومانتيكي الفرنسي ألفرد دي فيني مأساة «تشاترتون» في 1835. وأبدع المصور الإنجليزي هنري واليس لوحة عنوانها «موت تشاترتون» (1856) كانت موضع إعجاب الناقد الفني جون رسكين. وتصور اللوحة الفتى الشاعر طريحاً على فراشه بعد أن تناول السم. بشرته مرمرية ويده اليمنى تتدلى بلا حياة نحو الأرض حيث ثمة قصاصات ممزقة من قصيدة كان ينظمها. وقارورة السم على الأرض قرب فراشه بينما بصيص من نور الفجر يطل من النافذة المفتوحة.
شاعرة أخرى نتوقف عندها هنا هي الأميركية آن سكستون (1928 - 1974) التي انتحرت بعد حياة متقلبة عرفت الفرار من البيت والانخراط في علاقات جسدية والانهيار العصبي والطلاق ونوبات الاكتئاب والإقامة في مصحات نفسية وعقلية (من دواوينها ديوان يحمل عنوان «إلى مستشفى الأمراض العقلية والعودة جزء من الطريق» 1960). كانت قد حضرت مع صديقتها ومنافستها الشاعرة سيلفيا بلاث (وهي الأخرى ماتت منتحرة) في مدينة بوسطن فصولاً دراسية للشاعر روبرت لويل صاحب ديوان «دراسات من الحياة»، ورائد الاتجاه الاعترافي في الشعر الأميركي، وهو اتجاه يفصح عن تجارب صاحبه وأخطائه ومخاوفه ورغباته وذكرياته بكل صراحة كاشفاً النقاب عن أخفى دوافع الإنسان.
إن كتاب فارلي وربرتس يبتعث صوراً مؤلمة ومروعة للموت: جون كيتس الذي يعاني من داء الصدر في زهرة شبابه ينبثق الدم من شريانه ومعه تخرج أنفاس الحياة. ديلان توماس يسرف في شرب الويسكي حتى يفقد الوعي ويدخل في غيبوبة لا يفيق منها. هارت كرين يقذف بنفسه من على سطح سفينة في البحر الكاريبي حتى تبتلعه الأمواج. جون بريمان يرمي بنفسه من جسر إلى مياه نهر المسيسبي المتجمدة. سيلفيا بلاث وحيدة في شقتها بلندن بعد أن هجرها زوجها الشاعر تدهيوز من أجل امرأة أخرى تفتح موقد الغاز حتى تختنق. لكن المؤلفين قد حرصا (كما يقولان في خاتمة الكتاب)، على ألا يحيلاه إلى «مدينة للموتى»، مثل جبانة طيبة في مصر القديمة. هذه قصص موت حقّاً ولكنها أيضاً قصص عبقريات تغلبت على الموت حين بقيت ذكراها، و«الذكر للإنسان عمر ثانٍ» كما يقول أمير شعراء العربية في أوائل القرن العشرين أحمد شوقي.
قال الشاعر اللاتيني هوراس في القرن الأول قبل الميلاد إنه بنى بشعره صرحاً أبقى على الزمن من الرخام. ومنذ ذلك الحين والشعراء يحاولون أن يجعلوا شعرهم محصناً ضد الزمن. إنهم يسعون إلى «استعمار» الأجيال المقبلة، وذلك إذ يتحدثون (عبر ما سماه الشاعر فيليب لاركن «طول الزمن وعرضه») إلى مَن لم يُولدوا بعد. الشعر (إذا غيرنا الاستعارة) نسيج حي من المخ واللسان، وهو سلاحنا ضد الفناء.



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.