ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
TT

ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)

من بين أخطر المعضلات التي تقابل القائمين على مواجهة الإرهاب حول العالم كافة، وفي أوروبا وأميركا بنوع خاص؛ تأتي إشكالية حديثة العهد نسبياً، تلك التي أطلق عليها لقب «الذئاب المنفردة» أو «الذئاب الوحيدة»، وهي في واقع الأمر جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» تلك التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتنفيذ عمليات في أماكن بعيدة عنها لأهداف بعينها.
المؤكد أن الحديث عن «الذئاب المنفردة» يقتضي طرح العديد من التساؤلات، في المقدمة منها: «هل المنظمات الإرهابية التي ملأت العالم مؤخراً رعباً وهلعاً تقر بوجودها؟ وإن كان ذلك كذلك فكيف ولماذا؟».
في سياق البحث لأجل تأصيل تلك الظاهرة، تقابل الباحثَ ورقةٌ صادرةٌ عما يعرف بـ«الجبهة الإعلامية لنصرة الدولة الإسلامية» فرع «مؤسسة الخلافة الإعلامية»، والورقة لكاتبها الذي يتخذ اسماً حركياً «حامل البشرى».
يذهب التحليل إلى أن عمل المتطرفين - على حد وصفهم - (الأبطال)، في دول الغرب والشرق من «ضرب لأئمة الكفر، ومن تولاهم، وأعانهم على قتال المسلمين»، هو (في عين الغرب) إرهاب فردي، وبالأصح «ذئاب المدينة المتمردين على أئمة الكفر وجنودهم».
لكن هؤلاء (في أعين المتشددين) يتمثل فيهم قول الله تعالى: «فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك» (سورة النساء 84).
والشاهد أن تحليل النص هنا يأخذنا إلى يقين باعتقاد هؤلاء أن ما يقومون به هو «عبادة عظيمة يتقربون بها إلى الله من قتل لأئمة الكفر وجنودهم، ومن والاهم، ومن كفر بالله مدنياً كان أو عسكرياً، فهم سواء، وأن لهم سلفاً في ذلك».
في الورقة عينها تفسير للنشأة الآيديولوجية (إن جاز التعبير) لفكر الذئاب المنفردة (THE LONE WOLVES). وهي تنطلق من أن ظلم الغرب الكافر الواقع على المسلمين، هو السبب، سواء جرى ذلك في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين. ويلاحظ في كل الأحوال محاولات تسخير صحيح الدين ليكون مطية تساعدهم على تحقيق أغراضهم، وهنا يستخدمون الآية القرآنية الكريمة «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (سورة البقرة 194).
- «الذئاب المنفردة» مفهوم غربي
يكشف البحث عن ظاهرة «الذئاب المنفردة» مفاهيم ووقائع مثيرة للغاية، منها أن أصل الظاهرة غربي، وليس عربياً أو إسلامياً، والعهدة هنا على الراوي الباحث الدكتور محمود البازي، الذي يقدم لنا بحثاً قيماً جداً تحت عنوان «الذئاب المنفردة... الملاذ الأخير لداعش».
يخبرنا أن مصطلح «الذئب الوحيد» أو «الذئب المنفرد»، «قد شاع عام 1990 حين دعا العنصريان الأميركيان ألكس كيرتس وتوم متذغر، الخلايا الفردية والصغيرة، إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، بدلاً من العمل كمنظمات كبيرة فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب».
ومنذ عام 1990 ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القبض على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال، وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم «ليس لدي ما أقول».
هل يعني حديث الباحث البازي، أننا في مواجهة لظاهرة غربية الأصل قد تكون لها جذور ما ورائية وليست ظاهرة إسلامية جديدة؟
الشاهد أن هناك عدة حوادث جرت بها المقادير في أميركا وأوروبا تحمل بصمات واضحة لـ«ذئاب منفردة» أنجلوساكسونيين بروتستانت لا مسلمين.
من عينة ذلك ما جرى في فبراير (شباط) 1992، عندما أطلق الشرطي جيمس آلن مور النار على ثلاثة رجال كاثوليك قرب المكتب الرئيسي لحزب «نحن أنفسنا» في بلفاست، وهو حزب سياسي جمهوري يدعو إلى توحيد آيرلندا.
في الطريق عينه سار الطبيب اليهودي الإرهابي باروخ غولدشتاين، ففي 25 فبراير 1994 فتح نيران سلاحه الرشاش داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل بفلسطين، فأوقع 29 شخصاً وأصاب 150 آخرين. ولعل أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل (نيسان) من عام 1995، حين أقدم الشاب الأميركي تيموثي ماكفاي على قيادة شاحنة محملة بالمتفجرات للانتقام من الحكومة الأميركية، وأدت حادثة أوكلاهوما إلى وفاة 168 شخصاً وإصابة نحو 680 آخرين.
وفي عام 2011 ارتكب المدعو أندرس بهرنغ بريفيك أخطر عمل إرهابي يمكن لأحد أن يقوم به، عندما قتل ما لا يقل عن 85 شاباً في جزيرة أوتويا في النرويج، رغم أنه يعرف نفسه بأنه «مسيحي علماني سيطر عليه التعصب الديني والعنصرية وخيالات الحروب الصليبية».
- «القاعدة» قبل «داعش»
والثابت أن الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بحركات الإسلام السياسي ثم «القاعدة» في أفغانستان، قد سال من جرائها حبر كثير على الأوراق طوال العقدين الماضيين، وقد كانت «داعش» بدورها إفرازاً جديداً نما وازدهر من حضن «القاعدة»، ولهذا فإن علامة الاستفهام المطروحة هنا: «هل كانت (الذئاب المنفردة) نهجاً قاعدياً قبل أن يكون داعشياً؟».
يمكن أن يكون هذا كذلك مرة أخرى قولاً وفعلاً. الذين قدر لهم الاطلاع على الكتيب الواقع في نحو 62 صفحة، الذي يقدم الوصايا والأوامر السرية لـ«الذئاب الداعشية المنفردة» يدرك تمام الإدراك، وكما تشير إلى ذلك صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، أن العمل الفكري هذا صدر عن «القاعدة» أولاً، ثم لاحقاً تبناه «داعش»، وترجمه إلى الإنجليزية، ليصل لأتباعه ومريديه حول العالم.
والمثير أن ما جاء في الكتيب يتفق في الشكل والمضمون مع «منشورات الخلافة الإعلامية»، ومن أهم تلك التوجيهات «الابتعاد قدر المستطاع عن الأماكن التي كانوا يقطنون بها سابقاً بعد تنفيذ عملياتهم الإرهابية، واجتناب المحادثات الهاتفية قبل وبعد العمل، وعدم استخدام الوثائق الأصلية في الأعمال، والحذر من ترك البصمات، عطفاً على تغطية الوجه ووضع خطة للانسحاب قبل التفكير في بدء العمل، كي يزداد غيظ الكفار»، ناهيك بوصايا من عينة «الانتقال المباشر من ولاية لأخرى، أو مدينة لأخرى». ولإحداث أكبر ضرر بالآخرين جاء في الكتيب المشار إليه سلفاً: «تلفحوا بأحزمتكم ولا تكونوا لقمة سائغة لهم، فلا تقتلوا إلا ومعكم قتلتكم، واجتنبوا العدد الكبير في أعمالكم تلك التي تسبب صعوبة في الانسحاب».
هنا فإن التعليمات تخص العمليات وما بعدها، غير أن هناك توجيهات أخرى سابقة بها إمعان في التنكر والمراوغة من عينة «احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي الكحل، وشفروا هواتفكم». ومن تعليمات الكتيب عينه أن «أي (ذئب منفرد) يجب أن يحاول الانصهار والاندماج في المجتمع المحلي، بحيث لا يبدو مثل المسلمين، وهذا بارتداء ملابس غربية، وكذلك عدم الصلاة في المساجد بشكل منتظم».
ويوصي واضع الكتيب، «الذئاب المنفردة»، بأن «حاولوا أن تكونوا دائماً مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي، وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود يجعلكم موضع شبهة، ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة لأن ذلك قد يثير الشبهات، والبعض من الإخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين وبقوة».
يعنُّ لنا في هذا السياق طرح علامة استفهام دون تقديم جواب لها: «هل يمكن أن يكون واضعو مثل هذا الكتيب عناصر جهادية مبتدئة، أو متطوعين مدفوعين برغبات عاطفية أو شطحات قتالية، أم أن وراءها عقولاً لها خبراتها الطويلة في عوالم وعواصم الاستخبارات الدولية، وتجيد فنون التنكر والقتال، ولديها خطوط طول وعرض لاستراتيجيات الإرهاب المنظم والمعولم، لا العمل العشوائي الذي يكشف عن نفسه قبل حتى أن يبدأ؟».
- الطريق إلى التجنيد... كيف ومن؟
ولعل السؤال المهم والحيوي، مهما كان من أمر العقول التي تقف وراء «الذئاب المنفردة» فكرياً وعملياتياً هو: «كيف لهؤلاء وأولئك استجلاب عناصر جديدة على الرغم من بعد المسافات أولاً، وما سمات المرشحين ثانياً؟».
المؤكد أن إشكالية بعد المسافات واتساعها لم تعد قضية كبرى، أو عقبة كؤود في طريق التواصل، فقد قربت وسائط الاتصال الاجتماعي والتكنولوجي الحديثة، المسافات الجغرافية، لا سيما الهواتف الفضائية المتصلة بالأقمار الاصطناعية، ما يمكن تلك الخلايا من الهروب من الرقابة الصارمة عليها من قبل الحكومات والمؤسسات الاستخبارتية. وفي الأعم الأغلب يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال الشبكة العنكبوتية، وهناك دراسات تشير إلى أن تنظيم داعش يمتلك على شبكة الإنترنت في حاضرات أيامنا ما يزيد على 90 ألف صفحة موزعة بين «فيسبوك» و«تويتر» باللغة العربية، عطفاً على 40 ألف صفحة بلغات أخرى بما يوسع من قدرات «التنظيم» على شن هجمات دون أن تتمكن الأجهزة الغربية من تتبع حركتهم.
والمقطوع به أن «الخلايا الفردية» أو «الذئاب الوحيدة»، كما يسميها مكتب التحقيقات الاتحادية الأميركي (إف بي آي)، عادة ما تكون أكثر صعوبة في متابعتها، رغم إجراءات المراقبة البشرية والتقنية، وهي تمثل تحدياً للاستخبارات أكثر من شبكات العمل على الأرض، لأن الأخيرة ممكن أن توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة، لكن الجماعات والأفراد المتطرفين فكرياً ينمون ويزدهرون يوماً تلو الآخر، وراء أفكار وقناعات تتشظى بشكل سريع بما يصعب السيطرة عليها بأدوات الحرب التقليدية، ولعل هذا يفسر تصريحات مدير مكتب التحقيقات الاتحادية السابق جيمس كومي، أن «تنظيم داعش يستطيع أن يحشد الآلاف من الأتباع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط»، وعليه فما بالنا ببقية أرجاء العالم، وأوروبا في المقدمة، دون أن نوفر العالم العربي والإسلامي بنفسه.
أما عن المواصفات الشخصية لـ«الذئاب المنفردة»، فهذا حديث قائم بذاته، لكن باختصار غير مخل يمكن القول، إن أفضل عناصر يمكن لـ«داعش» تجنيدها هي تلك المصابة باضطرابات نفسية واجتماعية، ولديهم سجلات إجرامية.
غير أن المثير ظهور عناصر جديدة غير منضوية تحت أجنحة الفئات السابقة ما يجعل رصدها ووقف أو قطع الطريق عليها عملية شبه مستحيلة، وفي كل الأحوال تبقى استراتيجية «الذئاب المنفردة» كالتالي: «الإثخان في العدو، وتشتيته عبر العمل منفرداً من غير تنظيم كبير»، فالجيوش النظامية يصعب عليها مواجهة الحالات المتطرفة الشعبوية السائلة، لأنها تفقد قدرتها على التنبؤ والتوقع في هذه الحالة، كما تتشتت قدراتها الأمنية في متابعة كل هذه المجموعات المنفردة، وتكمن سياسة الأعمال الإرهابية المنفردة في شعار «انفروا فرقة من بعد فرقة ومجموعة بعد مجموعة».
على أن هناك توجهاً فكرياً جديداً يرى أن منظومة «الذئاب المنفردة» لا يمكن بحال من الأحوال فصلها عن سياق التوجهات الأكبر الصادرة عن قيادات «التنظيم».
أهم من أشار إلى هذا الواقع مؤخراً كان البروفسور جيتي كلاوسن، أستاذ التعاون الدولي في جامعة برندس، الذي يعمل في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، في مقال له عبر مجلة «فورين آفيرز» الأميركية تحت عنوان «لا مزيد من الذئاب المنفردة»، وعنده أنه بعد سنوات من القلق مما يطلق عليه «الذئب المنفرد الإرهابي»، «اتضح أن الإرهابيين الخطرين حقاً لا يفترقون، فالتركيز العالي من الانتحاريين المستعدين للتفجير والقتل العشوائي في حي صغير واحد، يمكن فهمه عبر النظر إلى الخطر الإرهابي كفيروس اجتماعي ينتشر عبر عملية عدوى معقدة».
«الإرهابيون الخطيرون لا يفترقون»... هل من صحة لهذه المقولة؟ مؤكد أن حصول «الذئاب المنفردة» على التوجيهات المباشرة بات حقيقة واقعية كشفتها أحد إصدارات «التنظيم المتطرف» الذي حمل عنوان «استراتيجية الذئب المنفرد» لـ«أبو أنس الأندلسي» نشر في أغسطس (آب) 2015، وصف فيها الداعشي «محمد مراح» بـ«رائد عمليات الذئب المنفرد ومنفذ (غزوة تولوز المجيدة) في 11 مارس (آذار) 2012». وبحسب ما تكشف من خلال التحقيقات، «لم يكن (مراح) حقاً ذئباً منفرداً، وإنما هو منضم إلى إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة التي أطلقت على نفسه اسم (جند الخليفة)».
الخلاصة نحن أمام «ذئاب منفردة إرهابية» بفعل إرادي غير ناتج عن الاتصال، فقط فعل ناتج عن دافع داخلي محض، و«ذئاب منفردة متفاعلة» بشكل وثيق مع جماعات إرهابية فرعية تتبنى المعتقدات المتطرفة نفسها، الأمر الذي يجعل السؤال «كيف الطريق للتعاطي مع هذه وتلك لتجنب أضرارهما؟».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».