ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
TT

ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)

من بين أخطر المعضلات التي تقابل القائمين على مواجهة الإرهاب حول العالم كافة، وفي أوروبا وأميركا بنوع خاص؛ تأتي إشكالية حديثة العهد نسبياً، تلك التي أطلق عليها لقب «الذئاب المنفردة» أو «الذئاب الوحيدة»، وهي في واقع الأمر جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» تلك التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتنفيذ عمليات في أماكن بعيدة عنها لأهداف بعينها.
المؤكد أن الحديث عن «الذئاب المنفردة» يقتضي طرح العديد من التساؤلات، في المقدمة منها: «هل المنظمات الإرهابية التي ملأت العالم مؤخراً رعباً وهلعاً تقر بوجودها؟ وإن كان ذلك كذلك فكيف ولماذا؟».
في سياق البحث لأجل تأصيل تلك الظاهرة، تقابل الباحثَ ورقةٌ صادرةٌ عما يعرف بـ«الجبهة الإعلامية لنصرة الدولة الإسلامية» فرع «مؤسسة الخلافة الإعلامية»، والورقة لكاتبها الذي يتخذ اسماً حركياً «حامل البشرى».
يذهب التحليل إلى أن عمل المتطرفين - على حد وصفهم - (الأبطال)، في دول الغرب والشرق من «ضرب لأئمة الكفر، ومن تولاهم، وأعانهم على قتال المسلمين»، هو (في عين الغرب) إرهاب فردي، وبالأصح «ذئاب المدينة المتمردين على أئمة الكفر وجنودهم».
لكن هؤلاء (في أعين المتشددين) يتمثل فيهم قول الله تعالى: «فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك» (سورة النساء 84).
والشاهد أن تحليل النص هنا يأخذنا إلى يقين باعتقاد هؤلاء أن ما يقومون به هو «عبادة عظيمة يتقربون بها إلى الله من قتل لأئمة الكفر وجنودهم، ومن والاهم، ومن كفر بالله مدنياً كان أو عسكرياً، فهم سواء، وأن لهم سلفاً في ذلك».
في الورقة عينها تفسير للنشأة الآيديولوجية (إن جاز التعبير) لفكر الذئاب المنفردة (THE LONE WOLVES). وهي تنطلق من أن ظلم الغرب الكافر الواقع على المسلمين، هو السبب، سواء جرى ذلك في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين. ويلاحظ في كل الأحوال محاولات تسخير صحيح الدين ليكون مطية تساعدهم على تحقيق أغراضهم، وهنا يستخدمون الآية القرآنية الكريمة «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (سورة البقرة 194).
- «الذئاب المنفردة» مفهوم غربي
يكشف البحث عن ظاهرة «الذئاب المنفردة» مفاهيم ووقائع مثيرة للغاية، منها أن أصل الظاهرة غربي، وليس عربياً أو إسلامياً، والعهدة هنا على الراوي الباحث الدكتور محمود البازي، الذي يقدم لنا بحثاً قيماً جداً تحت عنوان «الذئاب المنفردة... الملاذ الأخير لداعش».
يخبرنا أن مصطلح «الذئب الوحيد» أو «الذئب المنفرد»، «قد شاع عام 1990 حين دعا العنصريان الأميركيان ألكس كيرتس وتوم متذغر، الخلايا الفردية والصغيرة، إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، بدلاً من العمل كمنظمات كبيرة فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب».
ومنذ عام 1990 ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القبض على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال، وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم «ليس لدي ما أقول».
هل يعني حديث الباحث البازي، أننا في مواجهة لظاهرة غربية الأصل قد تكون لها جذور ما ورائية وليست ظاهرة إسلامية جديدة؟
الشاهد أن هناك عدة حوادث جرت بها المقادير في أميركا وأوروبا تحمل بصمات واضحة لـ«ذئاب منفردة» أنجلوساكسونيين بروتستانت لا مسلمين.
من عينة ذلك ما جرى في فبراير (شباط) 1992، عندما أطلق الشرطي جيمس آلن مور النار على ثلاثة رجال كاثوليك قرب المكتب الرئيسي لحزب «نحن أنفسنا» في بلفاست، وهو حزب سياسي جمهوري يدعو إلى توحيد آيرلندا.
في الطريق عينه سار الطبيب اليهودي الإرهابي باروخ غولدشتاين، ففي 25 فبراير 1994 فتح نيران سلاحه الرشاش داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل بفلسطين، فأوقع 29 شخصاً وأصاب 150 آخرين. ولعل أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل (نيسان) من عام 1995، حين أقدم الشاب الأميركي تيموثي ماكفاي على قيادة شاحنة محملة بالمتفجرات للانتقام من الحكومة الأميركية، وأدت حادثة أوكلاهوما إلى وفاة 168 شخصاً وإصابة نحو 680 آخرين.
وفي عام 2011 ارتكب المدعو أندرس بهرنغ بريفيك أخطر عمل إرهابي يمكن لأحد أن يقوم به، عندما قتل ما لا يقل عن 85 شاباً في جزيرة أوتويا في النرويج، رغم أنه يعرف نفسه بأنه «مسيحي علماني سيطر عليه التعصب الديني والعنصرية وخيالات الحروب الصليبية».
- «القاعدة» قبل «داعش»
والثابت أن الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بحركات الإسلام السياسي ثم «القاعدة» في أفغانستان، قد سال من جرائها حبر كثير على الأوراق طوال العقدين الماضيين، وقد كانت «داعش» بدورها إفرازاً جديداً نما وازدهر من حضن «القاعدة»، ولهذا فإن علامة الاستفهام المطروحة هنا: «هل كانت (الذئاب المنفردة) نهجاً قاعدياً قبل أن يكون داعشياً؟».
يمكن أن يكون هذا كذلك مرة أخرى قولاً وفعلاً. الذين قدر لهم الاطلاع على الكتيب الواقع في نحو 62 صفحة، الذي يقدم الوصايا والأوامر السرية لـ«الذئاب الداعشية المنفردة» يدرك تمام الإدراك، وكما تشير إلى ذلك صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، أن العمل الفكري هذا صدر عن «القاعدة» أولاً، ثم لاحقاً تبناه «داعش»، وترجمه إلى الإنجليزية، ليصل لأتباعه ومريديه حول العالم.
والمثير أن ما جاء في الكتيب يتفق في الشكل والمضمون مع «منشورات الخلافة الإعلامية»، ومن أهم تلك التوجيهات «الابتعاد قدر المستطاع عن الأماكن التي كانوا يقطنون بها سابقاً بعد تنفيذ عملياتهم الإرهابية، واجتناب المحادثات الهاتفية قبل وبعد العمل، وعدم استخدام الوثائق الأصلية في الأعمال، والحذر من ترك البصمات، عطفاً على تغطية الوجه ووضع خطة للانسحاب قبل التفكير في بدء العمل، كي يزداد غيظ الكفار»، ناهيك بوصايا من عينة «الانتقال المباشر من ولاية لأخرى، أو مدينة لأخرى». ولإحداث أكبر ضرر بالآخرين جاء في الكتيب المشار إليه سلفاً: «تلفحوا بأحزمتكم ولا تكونوا لقمة سائغة لهم، فلا تقتلوا إلا ومعكم قتلتكم، واجتنبوا العدد الكبير في أعمالكم تلك التي تسبب صعوبة في الانسحاب».
هنا فإن التعليمات تخص العمليات وما بعدها، غير أن هناك توجيهات أخرى سابقة بها إمعان في التنكر والمراوغة من عينة «احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي الكحل، وشفروا هواتفكم». ومن تعليمات الكتيب عينه أن «أي (ذئب منفرد) يجب أن يحاول الانصهار والاندماج في المجتمع المحلي، بحيث لا يبدو مثل المسلمين، وهذا بارتداء ملابس غربية، وكذلك عدم الصلاة في المساجد بشكل منتظم».
ويوصي واضع الكتيب، «الذئاب المنفردة»، بأن «حاولوا أن تكونوا دائماً مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي، وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود يجعلكم موضع شبهة، ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة لأن ذلك قد يثير الشبهات، والبعض من الإخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين وبقوة».
يعنُّ لنا في هذا السياق طرح علامة استفهام دون تقديم جواب لها: «هل يمكن أن يكون واضعو مثل هذا الكتيب عناصر جهادية مبتدئة، أو متطوعين مدفوعين برغبات عاطفية أو شطحات قتالية، أم أن وراءها عقولاً لها خبراتها الطويلة في عوالم وعواصم الاستخبارات الدولية، وتجيد فنون التنكر والقتال، ولديها خطوط طول وعرض لاستراتيجيات الإرهاب المنظم والمعولم، لا العمل العشوائي الذي يكشف عن نفسه قبل حتى أن يبدأ؟».
- الطريق إلى التجنيد... كيف ومن؟
ولعل السؤال المهم والحيوي، مهما كان من أمر العقول التي تقف وراء «الذئاب المنفردة» فكرياً وعملياتياً هو: «كيف لهؤلاء وأولئك استجلاب عناصر جديدة على الرغم من بعد المسافات أولاً، وما سمات المرشحين ثانياً؟».
المؤكد أن إشكالية بعد المسافات واتساعها لم تعد قضية كبرى، أو عقبة كؤود في طريق التواصل، فقد قربت وسائط الاتصال الاجتماعي والتكنولوجي الحديثة، المسافات الجغرافية، لا سيما الهواتف الفضائية المتصلة بالأقمار الاصطناعية، ما يمكن تلك الخلايا من الهروب من الرقابة الصارمة عليها من قبل الحكومات والمؤسسات الاستخبارتية. وفي الأعم الأغلب يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال الشبكة العنكبوتية، وهناك دراسات تشير إلى أن تنظيم داعش يمتلك على شبكة الإنترنت في حاضرات أيامنا ما يزيد على 90 ألف صفحة موزعة بين «فيسبوك» و«تويتر» باللغة العربية، عطفاً على 40 ألف صفحة بلغات أخرى بما يوسع من قدرات «التنظيم» على شن هجمات دون أن تتمكن الأجهزة الغربية من تتبع حركتهم.
والمقطوع به أن «الخلايا الفردية» أو «الذئاب الوحيدة»، كما يسميها مكتب التحقيقات الاتحادية الأميركي (إف بي آي)، عادة ما تكون أكثر صعوبة في متابعتها، رغم إجراءات المراقبة البشرية والتقنية، وهي تمثل تحدياً للاستخبارات أكثر من شبكات العمل على الأرض، لأن الأخيرة ممكن أن توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة، لكن الجماعات والأفراد المتطرفين فكرياً ينمون ويزدهرون يوماً تلو الآخر، وراء أفكار وقناعات تتشظى بشكل سريع بما يصعب السيطرة عليها بأدوات الحرب التقليدية، ولعل هذا يفسر تصريحات مدير مكتب التحقيقات الاتحادية السابق جيمس كومي، أن «تنظيم داعش يستطيع أن يحشد الآلاف من الأتباع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط»، وعليه فما بالنا ببقية أرجاء العالم، وأوروبا في المقدمة، دون أن نوفر العالم العربي والإسلامي بنفسه.
أما عن المواصفات الشخصية لـ«الذئاب المنفردة»، فهذا حديث قائم بذاته، لكن باختصار غير مخل يمكن القول، إن أفضل عناصر يمكن لـ«داعش» تجنيدها هي تلك المصابة باضطرابات نفسية واجتماعية، ولديهم سجلات إجرامية.
غير أن المثير ظهور عناصر جديدة غير منضوية تحت أجنحة الفئات السابقة ما يجعل رصدها ووقف أو قطع الطريق عليها عملية شبه مستحيلة، وفي كل الأحوال تبقى استراتيجية «الذئاب المنفردة» كالتالي: «الإثخان في العدو، وتشتيته عبر العمل منفرداً من غير تنظيم كبير»، فالجيوش النظامية يصعب عليها مواجهة الحالات المتطرفة الشعبوية السائلة، لأنها تفقد قدرتها على التنبؤ والتوقع في هذه الحالة، كما تتشتت قدراتها الأمنية في متابعة كل هذه المجموعات المنفردة، وتكمن سياسة الأعمال الإرهابية المنفردة في شعار «انفروا فرقة من بعد فرقة ومجموعة بعد مجموعة».
على أن هناك توجهاً فكرياً جديداً يرى أن منظومة «الذئاب المنفردة» لا يمكن بحال من الأحوال فصلها عن سياق التوجهات الأكبر الصادرة عن قيادات «التنظيم».
أهم من أشار إلى هذا الواقع مؤخراً كان البروفسور جيتي كلاوسن، أستاذ التعاون الدولي في جامعة برندس، الذي يعمل في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، في مقال له عبر مجلة «فورين آفيرز» الأميركية تحت عنوان «لا مزيد من الذئاب المنفردة»، وعنده أنه بعد سنوات من القلق مما يطلق عليه «الذئب المنفرد الإرهابي»، «اتضح أن الإرهابيين الخطرين حقاً لا يفترقون، فالتركيز العالي من الانتحاريين المستعدين للتفجير والقتل العشوائي في حي صغير واحد، يمكن فهمه عبر النظر إلى الخطر الإرهابي كفيروس اجتماعي ينتشر عبر عملية عدوى معقدة».
«الإرهابيون الخطيرون لا يفترقون»... هل من صحة لهذه المقولة؟ مؤكد أن حصول «الذئاب المنفردة» على التوجيهات المباشرة بات حقيقة واقعية كشفتها أحد إصدارات «التنظيم المتطرف» الذي حمل عنوان «استراتيجية الذئب المنفرد» لـ«أبو أنس الأندلسي» نشر في أغسطس (آب) 2015، وصف فيها الداعشي «محمد مراح» بـ«رائد عمليات الذئب المنفرد ومنفذ (غزوة تولوز المجيدة) في 11 مارس (آذار) 2012». وبحسب ما تكشف من خلال التحقيقات، «لم يكن (مراح) حقاً ذئباً منفرداً، وإنما هو منضم إلى إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة التي أطلقت على نفسه اسم (جند الخليفة)».
الخلاصة نحن أمام «ذئاب منفردة إرهابية» بفعل إرادي غير ناتج عن الاتصال، فقط فعل ناتج عن دافع داخلي محض، و«ذئاب منفردة متفاعلة» بشكل وثيق مع جماعات إرهابية فرعية تتبنى المعتقدات المتطرفة نفسها، الأمر الذي يجعل السؤال «كيف الطريق للتعاطي مع هذه وتلك لتجنب أضرارهما؟».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.