ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
TT

ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)

من بين أخطر المعضلات التي تقابل القائمين على مواجهة الإرهاب حول العالم كافة، وفي أوروبا وأميركا بنوع خاص؛ تأتي إشكالية حديثة العهد نسبياً، تلك التي أطلق عليها لقب «الذئاب المنفردة» أو «الذئاب الوحيدة»، وهي في واقع الأمر جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» تلك التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتنفيذ عمليات في أماكن بعيدة عنها لأهداف بعينها.
المؤكد أن الحديث عن «الذئاب المنفردة» يقتضي طرح العديد من التساؤلات، في المقدمة منها: «هل المنظمات الإرهابية التي ملأت العالم مؤخراً رعباً وهلعاً تقر بوجودها؟ وإن كان ذلك كذلك فكيف ولماذا؟».
في سياق البحث لأجل تأصيل تلك الظاهرة، تقابل الباحثَ ورقةٌ صادرةٌ عما يعرف بـ«الجبهة الإعلامية لنصرة الدولة الإسلامية» فرع «مؤسسة الخلافة الإعلامية»، والورقة لكاتبها الذي يتخذ اسماً حركياً «حامل البشرى».
يذهب التحليل إلى أن عمل المتطرفين - على حد وصفهم - (الأبطال)، في دول الغرب والشرق من «ضرب لأئمة الكفر، ومن تولاهم، وأعانهم على قتال المسلمين»، هو (في عين الغرب) إرهاب فردي، وبالأصح «ذئاب المدينة المتمردين على أئمة الكفر وجنودهم».
لكن هؤلاء (في أعين المتشددين) يتمثل فيهم قول الله تعالى: «فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك» (سورة النساء 84).
والشاهد أن تحليل النص هنا يأخذنا إلى يقين باعتقاد هؤلاء أن ما يقومون به هو «عبادة عظيمة يتقربون بها إلى الله من قتل لأئمة الكفر وجنودهم، ومن والاهم، ومن كفر بالله مدنياً كان أو عسكرياً، فهم سواء، وأن لهم سلفاً في ذلك».
في الورقة عينها تفسير للنشأة الآيديولوجية (إن جاز التعبير) لفكر الذئاب المنفردة (THE LONE WOLVES). وهي تنطلق من أن ظلم الغرب الكافر الواقع على المسلمين، هو السبب، سواء جرى ذلك في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين. ويلاحظ في كل الأحوال محاولات تسخير صحيح الدين ليكون مطية تساعدهم على تحقيق أغراضهم، وهنا يستخدمون الآية القرآنية الكريمة «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (سورة البقرة 194).
- «الذئاب المنفردة» مفهوم غربي
يكشف البحث عن ظاهرة «الذئاب المنفردة» مفاهيم ووقائع مثيرة للغاية، منها أن أصل الظاهرة غربي، وليس عربياً أو إسلامياً، والعهدة هنا على الراوي الباحث الدكتور محمود البازي، الذي يقدم لنا بحثاً قيماً جداً تحت عنوان «الذئاب المنفردة... الملاذ الأخير لداعش».
يخبرنا أن مصطلح «الذئب الوحيد» أو «الذئب المنفرد»، «قد شاع عام 1990 حين دعا العنصريان الأميركيان ألكس كيرتس وتوم متذغر، الخلايا الفردية والصغيرة، إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، بدلاً من العمل كمنظمات كبيرة فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب».
ومنذ عام 1990 ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القبض على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال، وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم «ليس لدي ما أقول».
هل يعني حديث الباحث البازي، أننا في مواجهة لظاهرة غربية الأصل قد تكون لها جذور ما ورائية وليست ظاهرة إسلامية جديدة؟
الشاهد أن هناك عدة حوادث جرت بها المقادير في أميركا وأوروبا تحمل بصمات واضحة لـ«ذئاب منفردة» أنجلوساكسونيين بروتستانت لا مسلمين.
من عينة ذلك ما جرى في فبراير (شباط) 1992، عندما أطلق الشرطي جيمس آلن مور النار على ثلاثة رجال كاثوليك قرب المكتب الرئيسي لحزب «نحن أنفسنا» في بلفاست، وهو حزب سياسي جمهوري يدعو إلى توحيد آيرلندا.
في الطريق عينه سار الطبيب اليهودي الإرهابي باروخ غولدشتاين، ففي 25 فبراير 1994 فتح نيران سلاحه الرشاش داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل بفلسطين، فأوقع 29 شخصاً وأصاب 150 آخرين. ولعل أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل (نيسان) من عام 1995، حين أقدم الشاب الأميركي تيموثي ماكفاي على قيادة شاحنة محملة بالمتفجرات للانتقام من الحكومة الأميركية، وأدت حادثة أوكلاهوما إلى وفاة 168 شخصاً وإصابة نحو 680 آخرين.
وفي عام 2011 ارتكب المدعو أندرس بهرنغ بريفيك أخطر عمل إرهابي يمكن لأحد أن يقوم به، عندما قتل ما لا يقل عن 85 شاباً في جزيرة أوتويا في النرويج، رغم أنه يعرف نفسه بأنه «مسيحي علماني سيطر عليه التعصب الديني والعنصرية وخيالات الحروب الصليبية».
- «القاعدة» قبل «داعش»
والثابت أن الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بحركات الإسلام السياسي ثم «القاعدة» في أفغانستان، قد سال من جرائها حبر كثير على الأوراق طوال العقدين الماضيين، وقد كانت «داعش» بدورها إفرازاً جديداً نما وازدهر من حضن «القاعدة»، ولهذا فإن علامة الاستفهام المطروحة هنا: «هل كانت (الذئاب المنفردة) نهجاً قاعدياً قبل أن يكون داعشياً؟».
يمكن أن يكون هذا كذلك مرة أخرى قولاً وفعلاً. الذين قدر لهم الاطلاع على الكتيب الواقع في نحو 62 صفحة، الذي يقدم الوصايا والأوامر السرية لـ«الذئاب الداعشية المنفردة» يدرك تمام الإدراك، وكما تشير إلى ذلك صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، أن العمل الفكري هذا صدر عن «القاعدة» أولاً، ثم لاحقاً تبناه «داعش»، وترجمه إلى الإنجليزية، ليصل لأتباعه ومريديه حول العالم.
والمثير أن ما جاء في الكتيب يتفق في الشكل والمضمون مع «منشورات الخلافة الإعلامية»، ومن أهم تلك التوجيهات «الابتعاد قدر المستطاع عن الأماكن التي كانوا يقطنون بها سابقاً بعد تنفيذ عملياتهم الإرهابية، واجتناب المحادثات الهاتفية قبل وبعد العمل، وعدم استخدام الوثائق الأصلية في الأعمال، والحذر من ترك البصمات، عطفاً على تغطية الوجه ووضع خطة للانسحاب قبل التفكير في بدء العمل، كي يزداد غيظ الكفار»، ناهيك بوصايا من عينة «الانتقال المباشر من ولاية لأخرى، أو مدينة لأخرى». ولإحداث أكبر ضرر بالآخرين جاء في الكتيب المشار إليه سلفاً: «تلفحوا بأحزمتكم ولا تكونوا لقمة سائغة لهم، فلا تقتلوا إلا ومعكم قتلتكم، واجتنبوا العدد الكبير في أعمالكم تلك التي تسبب صعوبة في الانسحاب».
هنا فإن التعليمات تخص العمليات وما بعدها، غير أن هناك توجيهات أخرى سابقة بها إمعان في التنكر والمراوغة من عينة «احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي الكحل، وشفروا هواتفكم». ومن تعليمات الكتيب عينه أن «أي (ذئب منفرد) يجب أن يحاول الانصهار والاندماج في المجتمع المحلي، بحيث لا يبدو مثل المسلمين، وهذا بارتداء ملابس غربية، وكذلك عدم الصلاة في المساجد بشكل منتظم».
ويوصي واضع الكتيب، «الذئاب المنفردة»، بأن «حاولوا أن تكونوا دائماً مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي، وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود يجعلكم موضع شبهة، ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة لأن ذلك قد يثير الشبهات، والبعض من الإخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين وبقوة».
يعنُّ لنا في هذا السياق طرح علامة استفهام دون تقديم جواب لها: «هل يمكن أن يكون واضعو مثل هذا الكتيب عناصر جهادية مبتدئة، أو متطوعين مدفوعين برغبات عاطفية أو شطحات قتالية، أم أن وراءها عقولاً لها خبراتها الطويلة في عوالم وعواصم الاستخبارات الدولية، وتجيد فنون التنكر والقتال، ولديها خطوط طول وعرض لاستراتيجيات الإرهاب المنظم والمعولم، لا العمل العشوائي الذي يكشف عن نفسه قبل حتى أن يبدأ؟».
- الطريق إلى التجنيد... كيف ومن؟
ولعل السؤال المهم والحيوي، مهما كان من أمر العقول التي تقف وراء «الذئاب المنفردة» فكرياً وعملياتياً هو: «كيف لهؤلاء وأولئك استجلاب عناصر جديدة على الرغم من بعد المسافات أولاً، وما سمات المرشحين ثانياً؟».
المؤكد أن إشكالية بعد المسافات واتساعها لم تعد قضية كبرى، أو عقبة كؤود في طريق التواصل، فقد قربت وسائط الاتصال الاجتماعي والتكنولوجي الحديثة، المسافات الجغرافية، لا سيما الهواتف الفضائية المتصلة بالأقمار الاصطناعية، ما يمكن تلك الخلايا من الهروب من الرقابة الصارمة عليها من قبل الحكومات والمؤسسات الاستخبارتية. وفي الأعم الأغلب يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال الشبكة العنكبوتية، وهناك دراسات تشير إلى أن تنظيم داعش يمتلك على شبكة الإنترنت في حاضرات أيامنا ما يزيد على 90 ألف صفحة موزعة بين «فيسبوك» و«تويتر» باللغة العربية، عطفاً على 40 ألف صفحة بلغات أخرى بما يوسع من قدرات «التنظيم» على شن هجمات دون أن تتمكن الأجهزة الغربية من تتبع حركتهم.
والمقطوع به أن «الخلايا الفردية» أو «الذئاب الوحيدة»، كما يسميها مكتب التحقيقات الاتحادية الأميركي (إف بي آي)، عادة ما تكون أكثر صعوبة في متابعتها، رغم إجراءات المراقبة البشرية والتقنية، وهي تمثل تحدياً للاستخبارات أكثر من شبكات العمل على الأرض، لأن الأخيرة ممكن أن توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة، لكن الجماعات والأفراد المتطرفين فكرياً ينمون ويزدهرون يوماً تلو الآخر، وراء أفكار وقناعات تتشظى بشكل سريع بما يصعب السيطرة عليها بأدوات الحرب التقليدية، ولعل هذا يفسر تصريحات مدير مكتب التحقيقات الاتحادية السابق جيمس كومي، أن «تنظيم داعش يستطيع أن يحشد الآلاف من الأتباع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط»، وعليه فما بالنا ببقية أرجاء العالم، وأوروبا في المقدمة، دون أن نوفر العالم العربي والإسلامي بنفسه.
أما عن المواصفات الشخصية لـ«الذئاب المنفردة»، فهذا حديث قائم بذاته، لكن باختصار غير مخل يمكن القول، إن أفضل عناصر يمكن لـ«داعش» تجنيدها هي تلك المصابة باضطرابات نفسية واجتماعية، ولديهم سجلات إجرامية.
غير أن المثير ظهور عناصر جديدة غير منضوية تحت أجنحة الفئات السابقة ما يجعل رصدها ووقف أو قطع الطريق عليها عملية شبه مستحيلة، وفي كل الأحوال تبقى استراتيجية «الذئاب المنفردة» كالتالي: «الإثخان في العدو، وتشتيته عبر العمل منفرداً من غير تنظيم كبير»، فالجيوش النظامية يصعب عليها مواجهة الحالات المتطرفة الشعبوية السائلة، لأنها تفقد قدرتها على التنبؤ والتوقع في هذه الحالة، كما تتشتت قدراتها الأمنية في متابعة كل هذه المجموعات المنفردة، وتكمن سياسة الأعمال الإرهابية المنفردة في شعار «انفروا فرقة من بعد فرقة ومجموعة بعد مجموعة».
على أن هناك توجهاً فكرياً جديداً يرى أن منظومة «الذئاب المنفردة» لا يمكن بحال من الأحوال فصلها عن سياق التوجهات الأكبر الصادرة عن قيادات «التنظيم».
أهم من أشار إلى هذا الواقع مؤخراً كان البروفسور جيتي كلاوسن، أستاذ التعاون الدولي في جامعة برندس، الذي يعمل في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، في مقال له عبر مجلة «فورين آفيرز» الأميركية تحت عنوان «لا مزيد من الذئاب المنفردة»، وعنده أنه بعد سنوات من القلق مما يطلق عليه «الذئب المنفرد الإرهابي»، «اتضح أن الإرهابيين الخطرين حقاً لا يفترقون، فالتركيز العالي من الانتحاريين المستعدين للتفجير والقتل العشوائي في حي صغير واحد، يمكن فهمه عبر النظر إلى الخطر الإرهابي كفيروس اجتماعي ينتشر عبر عملية عدوى معقدة».
«الإرهابيون الخطيرون لا يفترقون»... هل من صحة لهذه المقولة؟ مؤكد أن حصول «الذئاب المنفردة» على التوجيهات المباشرة بات حقيقة واقعية كشفتها أحد إصدارات «التنظيم المتطرف» الذي حمل عنوان «استراتيجية الذئب المنفرد» لـ«أبو أنس الأندلسي» نشر في أغسطس (آب) 2015، وصف فيها الداعشي «محمد مراح» بـ«رائد عمليات الذئب المنفرد ومنفذ (غزوة تولوز المجيدة) في 11 مارس (آذار) 2012». وبحسب ما تكشف من خلال التحقيقات، «لم يكن (مراح) حقاً ذئباً منفرداً، وإنما هو منضم إلى إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة التي أطلقت على نفسه اسم (جند الخليفة)».
الخلاصة نحن أمام «ذئاب منفردة إرهابية» بفعل إرادي غير ناتج عن الاتصال، فقط فعل ناتج عن دافع داخلي محض، و«ذئاب منفردة متفاعلة» بشكل وثيق مع جماعات إرهابية فرعية تتبنى المعتقدات المتطرفة نفسها، الأمر الذي يجعل السؤال «كيف الطريق للتعاطي مع هذه وتلك لتجنب أضرارهما؟».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.