ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
TT

ظاهرة «الذئاب المنفردة»... بدأت غربية ثم استلهمها «القاعدة» و«داعش»

أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)
أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 («الشرق الأوسط»)

من بين أخطر المعضلات التي تقابل القائمين على مواجهة الإرهاب حول العالم كافة، وفي أوروبا وأميركا بنوع خاص؛ تأتي إشكالية حديثة العهد نسبياً، تلك التي أطلق عليها لقب «الذئاب المنفردة» أو «الذئاب الوحيدة»، وهي في واقع الأمر جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة» تلك التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتنفيذ عمليات في أماكن بعيدة عنها لأهداف بعينها.
المؤكد أن الحديث عن «الذئاب المنفردة» يقتضي طرح العديد من التساؤلات، في المقدمة منها: «هل المنظمات الإرهابية التي ملأت العالم مؤخراً رعباً وهلعاً تقر بوجودها؟ وإن كان ذلك كذلك فكيف ولماذا؟».
في سياق البحث لأجل تأصيل تلك الظاهرة، تقابل الباحثَ ورقةٌ صادرةٌ عما يعرف بـ«الجبهة الإعلامية لنصرة الدولة الإسلامية» فرع «مؤسسة الخلافة الإعلامية»، والورقة لكاتبها الذي يتخذ اسماً حركياً «حامل البشرى».
يذهب التحليل إلى أن عمل المتطرفين - على حد وصفهم - (الأبطال)، في دول الغرب والشرق من «ضرب لأئمة الكفر، ومن تولاهم، وأعانهم على قتال المسلمين»، هو (في عين الغرب) إرهاب فردي، وبالأصح «ذئاب المدينة المتمردين على أئمة الكفر وجنودهم».
لكن هؤلاء (في أعين المتشددين) يتمثل فيهم قول الله تعالى: «فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك» (سورة النساء 84).
والشاهد أن تحليل النص هنا يأخذنا إلى يقين باعتقاد هؤلاء أن ما يقومون به هو «عبادة عظيمة يتقربون بها إلى الله من قتل لأئمة الكفر وجنودهم، ومن والاهم، ومن كفر بالله مدنياً كان أو عسكرياً، فهم سواء، وأن لهم سلفاً في ذلك».
في الورقة عينها تفسير للنشأة الآيديولوجية (إن جاز التعبير) لفكر الذئاب المنفردة (THE LONE WOLVES). وهي تنطلق من أن ظلم الغرب الكافر الواقع على المسلمين، هو السبب، سواء جرى ذلك في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين. ويلاحظ في كل الأحوال محاولات تسخير صحيح الدين ليكون مطية تساعدهم على تحقيق أغراضهم، وهنا يستخدمون الآية القرآنية الكريمة «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (سورة البقرة 194).
- «الذئاب المنفردة» مفهوم غربي
يكشف البحث عن ظاهرة «الذئاب المنفردة» مفاهيم ووقائع مثيرة للغاية، منها أن أصل الظاهرة غربي، وليس عربياً أو إسلامياً، والعهدة هنا على الراوي الباحث الدكتور محمود البازي، الذي يقدم لنا بحثاً قيماً جداً تحت عنوان «الذئاب المنفردة... الملاذ الأخير لداعش».
يخبرنا أن مصطلح «الذئب الوحيد» أو «الذئب المنفرد»، «قد شاع عام 1990 حين دعا العنصريان الأميركيان ألكس كيرتس وتوم متذغر، الخلايا الفردية والصغيرة، إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، بدلاً من العمل كمنظمات كبيرة فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب».
ومنذ عام 1990 ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القبض على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال، وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم «ليس لدي ما أقول».
هل يعني حديث الباحث البازي، أننا في مواجهة لظاهرة غربية الأصل قد تكون لها جذور ما ورائية وليست ظاهرة إسلامية جديدة؟
الشاهد أن هناك عدة حوادث جرت بها المقادير في أميركا وأوروبا تحمل بصمات واضحة لـ«ذئاب منفردة» أنجلوساكسونيين بروتستانت لا مسلمين.
من عينة ذلك ما جرى في فبراير (شباط) 1992، عندما أطلق الشرطي جيمس آلن مور النار على ثلاثة رجال كاثوليك قرب المكتب الرئيسي لحزب «نحن أنفسنا» في بلفاست، وهو حزب سياسي جمهوري يدعو إلى توحيد آيرلندا.
في الطريق عينه سار الطبيب اليهودي الإرهابي باروخ غولدشتاين، ففي 25 فبراير 1994 فتح نيران سلاحه الرشاش داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل بفلسطين، فأوقع 29 شخصاً وأصاب 150 آخرين. ولعل أسوأ حادثة في تاريخ «الذئاب المنفردة» عرفها العالم كانت تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل (نيسان) من عام 1995، حين أقدم الشاب الأميركي تيموثي ماكفاي على قيادة شاحنة محملة بالمتفجرات للانتقام من الحكومة الأميركية، وأدت حادثة أوكلاهوما إلى وفاة 168 شخصاً وإصابة نحو 680 آخرين.
وفي عام 2011 ارتكب المدعو أندرس بهرنغ بريفيك أخطر عمل إرهابي يمكن لأحد أن يقوم به، عندما قتل ما لا يقل عن 85 شاباً في جزيرة أوتويا في النرويج، رغم أنه يعرف نفسه بأنه «مسيحي علماني سيطر عليه التعصب الديني والعنصرية وخيالات الحروب الصليبية».
- «القاعدة» قبل «داعش»
والثابت أن الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بحركات الإسلام السياسي ثم «القاعدة» في أفغانستان، قد سال من جرائها حبر كثير على الأوراق طوال العقدين الماضيين، وقد كانت «داعش» بدورها إفرازاً جديداً نما وازدهر من حضن «القاعدة»، ولهذا فإن علامة الاستفهام المطروحة هنا: «هل كانت (الذئاب المنفردة) نهجاً قاعدياً قبل أن يكون داعشياً؟».
يمكن أن يكون هذا كذلك مرة أخرى قولاً وفعلاً. الذين قدر لهم الاطلاع على الكتيب الواقع في نحو 62 صفحة، الذي يقدم الوصايا والأوامر السرية لـ«الذئاب الداعشية المنفردة» يدرك تمام الإدراك، وكما تشير إلى ذلك صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، أن العمل الفكري هذا صدر عن «القاعدة» أولاً، ثم لاحقاً تبناه «داعش»، وترجمه إلى الإنجليزية، ليصل لأتباعه ومريديه حول العالم.
والمثير أن ما جاء في الكتيب يتفق في الشكل والمضمون مع «منشورات الخلافة الإعلامية»، ومن أهم تلك التوجيهات «الابتعاد قدر المستطاع عن الأماكن التي كانوا يقطنون بها سابقاً بعد تنفيذ عملياتهم الإرهابية، واجتناب المحادثات الهاتفية قبل وبعد العمل، وعدم استخدام الوثائق الأصلية في الأعمال، والحذر من ترك البصمات، عطفاً على تغطية الوجه ووضع خطة للانسحاب قبل التفكير في بدء العمل، كي يزداد غيظ الكفار»، ناهيك بوصايا من عينة «الانتقال المباشر من ولاية لأخرى، أو مدينة لأخرى». ولإحداث أكبر ضرر بالآخرين جاء في الكتيب المشار إليه سلفاً: «تلفحوا بأحزمتكم ولا تكونوا لقمة سائغة لهم، فلا تقتلوا إلا ومعكم قتلتكم، واجتنبوا العدد الكبير في أعمالكم تلك التي تسبب صعوبة في الانسحاب».
هنا فإن التعليمات تخص العمليات وما بعدها، غير أن هناك توجيهات أخرى سابقة بها إمعان في التنكر والمراوغة من عينة «احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي الكحل، وشفروا هواتفكم». ومن تعليمات الكتيب عينه أن «أي (ذئب منفرد) يجب أن يحاول الانصهار والاندماج في المجتمع المحلي، بحيث لا يبدو مثل المسلمين، وهذا بارتداء ملابس غربية، وكذلك عدم الصلاة في المساجد بشكل منتظم».
ويوصي واضع الكتيب، «الذئاب المنفردة»، بأن «حاولوا أن تكونوا دائماً مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي، وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود يجعلكم موضع شبهة، ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة لأن ذلك قد يثير الشبهات، والبعض من الإخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين وبقوة».
يعنُّ لنا في هذا السياق طرح علامة استفهام دون تقديم جواب لها: «هل يمكن أن يكون واضعو مثل هذا الكتيب عناصر جهادية مبتدئة، أو متطوعين مدفوعين برغبات عاطفية أو شطحات قتالية، أم أن وراءها عقولاً لها خبراتها الطويلة في عوالم وعواصم الاستخبارات الدولية، وتجيد فنون التنكر والقتال، ولديها خطوط طول وعرض لاستراتيجيات الإرهاب المنظم والمعولم، لا العمل العشوائي الذي يكشف عن نفسه قبل حتى أن يبدأ؟».
- الطريق إلى التجنيد... كيف ومن؟
ولعل السؤال المهم والحيوي، مهما كان من أمر العقول التي تقف وراء «الذئاب المنفردة» فكرياً وعملياتياً هو: «كيف لهؤلاء وأولئك استجلاب عناصر جديدة على الرغم من بعد المسافات أولاً، وما سمات المرشحين ثانياً؟».
المؤكد أن إشكالية بعد المسافات واتساعها لم تعد قضية كبرى، أو عقبة كؤود في طريق التواصل، فقد قربت وسائط الاتصال الاجتماعي والتكنولوجي الحديثة، المسافات الجغرافية، لا سيما الهواتف الفضائية المتصلة بالأقمار الاصطناعية، ما يمكن تلك الخلايا من الهروب من الرقابة الصارمة عليها من قبل الحكومات والمؤسسات الاستخبارتية. وفي الأعم الأغلب يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال الشبكة العنكبوتية، وهناك دراسات تشير إلى أن تنظيم داعش يمتلك على شبكة الإنترنت في حاضرات أيامنا ما يزيد على 90 ألف صفحة موزعة بين «فيسبوك» و«تويتر» باللغة العربية، عطفاً على 40 ألف صفحة بلغات أخرى بما يوسع من قدرات «التنظيم» على شن هجمات دون أن تتمكن الأجهزة الغربية من تتبع حركتهم.
والمقطوع به أن «الخلايا الفردية» أو «الذئاب الوحيدة»، كما يسميها مكتب التحقيقات الاتحادية الأميركي (إف بي آي)، عادة ما تكون أكثر صعوبة في متابعتها، رغم إجراءات المراقبة البشرية والتقنية، وهي تمثل تحدياً للاستخبارات أكثر من شبكات العمل على الأرض، لأن الأخيرة ممكن أن توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة، لكن الجماعات والأفراد المتطرفين فكرياً ينمون ويزدهرون يوماً تلو الآخر، وراء أفكار وقناعات تتشظى بشكل سريع بما يصعب السيطرة عليها بأدوات الحرب التقليدية، ولعل هذا يفسر تصريحات مدير مكتب التحقيقات الاتحادية السابق جيمس كومي، أن «تنظيم داعش يستطيع أن يحشد الآلاف من الأتباع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط»، وعليه فما بالنا ببقية أرجاء العالم، وأوروبا في المقدمة، دون أن نوفر العالم العربي والإسلامي بنفسه.
أما عن المواصفات الشخصية لـ«الذئاب المنفردة»، فهذا حديث قائم بذاته، لكن باختصار غير مخل يمكن القول، إن أفضل عناصر يمكن لـ«داعش» تجنيدها هي تلك المصابة باضطرابات نفسية واجتماعية، ولديهم سجلات إجرامية.
غير أن المثير ظهور عناصر جديدة غير منضوية تحت أجنحة الفئات السابقة ما يجعل رصدها ووقف أو قطع الطريق عليها عملية شبه مستحيلة، وفي كل الأحوال تبقى استراتيجية «الذئاب المنفردة» كالتالي: «الإثخان في العدو، وتشتيته عبر العمل منفرداً من غير تنظيم كبير»، فالجيوش النظامية يصعب عليها مواجهة الحالات المتطرفة الشعبوية السائلة، لأنها تفقد قدرتها على التنبؤ والتوقع في هذه الحالة، كما تتشتت قدراتها الأمنية في متابعة كل هذه المجموعات المنفردة، وتكمن سياسة الأعمال الإرهابية المنفردة في شعار «انفروا فرقة من بعد فرقة ومجموعة بعد مجموعة».
على أن هناك توجهاً فكرياً جديداً يرى أن منظومة «الذئاب المنفردة» لا يمكن بحال من الأحوال فصلها عن سياق التوجهات الأكبر الصادرة عن قيادات «التنظيم».
أهم من أشار إلى هذا الواقع مؤخراً كان البروفسور جيتي كلاوسن، أستاذ التعاون الدولي في جامعة برندس، الذي يعمل في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، في مقال له عبر مجلة «فورين آفيرز» الأميركية تحت عنوان «لا مزيد من الذئاب المنفردة»، وعنده أنه بعد سنوات من القلق مما يطلق عليه «الذئب المنفرد الإرهابي»، «اتضح أن الإرهابيين الخطرين حقاً لا يفترقون، فالتركيز العالي من الانتحاريين المستعدين للتفجير والقتل العشوائي في حي صغير واحد، يمكن فهمه عبر النظر إلى الخطر الإرهابي كفيروس اجتماعي ينتشر عبر عملية عدوى معقدة».
«الإرهابيون الخطيرون لا يفترقون»... هل من صحة لهذه المقولة؟ مؤكد أن حصول «الذئاب المنفردة» على التوجيهات المباشرة بات حقيقة واقعية كشفتها أحد إصدارات «التنظيم المتطرف» الذي حمل عنوان «استراتيجية الذئب المنفرد» لـ«أبو أنس الأندلسي» نشر في أغسطس (آب) 2015، وصف فيها الداعشي «محمد مراح» بـ«رائد عمليات الذئب المنفرد ومنفذ (غزوة تولوز المجيدة) في 11 مارس (آذار) 2012». وبحسب ما تكشف من خلال التحقيقات، «لم يكن (مراح) حقاً ذئباً منفرداً، وإنما هو منضم إلى إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة التي أطلقت على نفسه اسم (جند الخليفة)».
الخلاصة نحن أمام «ذئاب منفردة إرهابية» بفعل إرادي غير ناتج عن الاتصال، فقط فعل ناتج عن دافع داخلي محض، و«ذئاب منفردة متفاعلة» بشكل وثيق مع جماعات إرهابية فرعية تتبنى المعتقدات المتطرفة نفسها، الأمر الذي يجعل السؤال «كيف الطريق للتعاطي مع هذه وتلك لتجنب أضرارهما؟».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.