لم يحل الاستقبال اللائق الذي نظمته فرنسا للرئيس اللبناني ميشال عون، في زيارة الدولة التي يقوم بها إلى فرنسا وهي الأولى من نوعها التي تحصل في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون من ظهور افتراقات في مقاربة الأوضاع المرتبطة بالحرب في سوريا، وخصوصا إزاء مصير اللاجئين السوريين الذين اعتبر ماكرون أن عددهم يصل إلى مليون ونصف لاجئ. وفاجأ الرئيس عون مضيفه الفرنسي بالتعبير عن موقف مخالف لموقف باريس في البيانين إلى الصحافة عقب الاجتماع المغلق الذي ضمهما في قصر الإليزيه والذي أتمه باجتماع موسع. وحضر الاجتماع الأخير، إلى جانب الرئيسين، وزيرا البلدين جان إيف لو دريان وجبران باسيل والسفيران المعتمدين والمستشارون. ومن غير مواربة، أعلن عون لدى قراءته كلمة مكتوبة، في موضوع اللاجئين السوريين «فقد نقلت إلى الرئيس ماكرون الحاجة إلى تنظيم عودتهم إلى بلادهم خصوصا أن غالبية المناطق التي أتوا منها أصبحت اليوم آمنة. وفي هذه الحالة، لا نريد انتظار عودتهم الطوعية، إذ أنهم لا يتمتعون بصفة لاجئين سياسيين في لبنان بل إنهم هربوا من الحرب». وأشار الرئيس اللبناني إلى ما سماه «ظروف الحياة عندنا هشة إضافة إلى المخاطر المرتبطة بالأوضاع الصحية». وفي السياق عينه وللغرض نفسه، طالب عون بأن تخصص «المساعدة المقدمة من الأمم المتحدة ليس لإبقائهم في مخيمات البؤس، بل يجب أن تستخدم من أجل إعادتهم إلى بلادهم منذ الآن». وذهب الرئيس اللبناني أبعد من ذلك في إعلانه أنه يرى في سوريا «بشائر الحل السياسي».
وتختلف المقاربة الفرنسية اختلافا جذريا عن الرؤية التي عبر عنها الرئيس اللبناني. ذلك أن باريس تعتبر أن «الشروط الضرورية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لم تتوافر بعد». وبحسب المصادر الرئاسية الفرنسية، فإن المؤتمر الذي تعمل باريس لعقده في الأشهر القادمة في بيروت بصدد ملف اللاجئين والنازحين السوريين: «ليس غرضه دفعهم العودة إلى بلادهم أو لتسريع هذه العودة بل لتخفيف أعبائهم عن لبنان وللبحث في احتياجاتهم وكيفية جعلهم أكثر تقبلا في البيئات المستقبلة لهم».
وقال ماكرون الذي كان أول من تكلم عقب الاجتماع، إن «لبنان يتحمل عبئا ثقيلا» في إشارته إلى الوجود المكثف للاجئين السوريين في لبنان. وأضاف: «إن غياب الحل السياسي ذي المصداقية في سوريا يمنع عودة هؤلاء الآمنة إلى ديارهم وغرضنا أن نعمل معكم ومع الأمم المتحدة لمواجهة هذه المسألة». ولذا، أشار ماكرون إلى أن بلاده تسعى لدعم ومساندة الجهود من أجل حل سياسي عن طريق مقترحها إنشاء مجموعة اتصال حول سوريا تضم الدول الخمس دائمة العضوية والدول الإقليمية المؤثرة. ويتضح من كلام ماكرون أن موقف باريس يقترب من الموقف الذي عبر عنه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عندما زار باريس بداية الشهر الجاري، واعتبر أن «الظروف لم تنضج بعد» لعودة السوريين. كما أنه طالب بمؤتمرين: الأول، لتحفيز الاستثمارات في لبنان والثاني من أجل اللاجئين السوريين. غير أن باريس وفق مصادرها، لم تحسم حتى الآن أمرها وهي تقوم باتصالات متتابعة لإقرار ما إذا كانت ستنظم المؤتمرين أم أن مؤتمرا واحدا يمكن أن يفي بالغرض خصوصا أنهما «مترابطان» وفق تعبير المصادر الفرنسية. وفي كلامه، أشار ماكرون إلى هذين المؤتمرين ولكن دون الدخول في التفاصيل.
ولم تكن تداعيات الملف السوري التي أرخت نوعا ما بظلالها على الزيارة الرئاسية قد ظهرت بخصوص اللاجئين بل أيضا في صورة غياب وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان من المقرر أن يرافق الرئيس عون. لكنه تراجع عن ذلك احتجاجا على اللقاء الذي تم في نيويورك بين جبران باسيل ووزير الخارجية السوري وليد المعلم.
بعيدا عن هذه التمايزات في النظرة إلى الملف السوري، عبر ماكرون في الكلمة التي ألقاها عن غبطته لكون أول زيارة دولة في عهده قام بها رئيس لبناني، ووصف اجتماعه مع عون بأنه جاء «مكثفا ومنتجا» وأنه «قوى قناعات» الطرفين «للعمل معا على التحديات الثنائية والإقليمية»، مشددا على الحاجة لبقاء لبنان «نموذجا للتسامح والتعددية والديمقراطية». وكما في كل مناسبة، فقد شدد ماكرون على «تمسك فرنسا بسيادة ووحدة لبنان وسلامة أراضيه» كما أشاد بإنجازات الجيش اللبناني في محاربة الإرهاب. لكنه اعتبر أن ذلك «لا يعني نهاية التهديدات الإرهابية» في لبنان. ولذا، فقد أعلن أن بلاده تعمل على دعم قدرات القوات الأمنية اللبنانية على الصعيد الثنائي ولكنها تريد بالتنسيق مع إيطاليا والأمم المتحدة، تنظيم مؤتمر لدعم الجيش اللبناني. لكن الرئيس الفرنسي الذي لم يحدد تاريخا لذلك، أكد على أن ما تريده باريس في لبنان هو «دولة قوية» قادرة على توفير الأمن والاستقرار معتبرا أن هذين الأمرين يشكلان التحديين الرئيسيين لـ«الشرق الأوسط» وأوروبا. وإذ أشار ماكرون لدور فرنسا في قوة اليونيفيل التي غرضها المحافظة على السلام بين لبنان وإسرائيل، وجه رسالة ضمنية للحكومة اللبنانية ضمن إشارته، إلى أن بلاده تسعى لتقوية إمكانيات الجيش اللبناني «حتى تكون الحكومة قادرة على مد سلطتها على كل الأراضي اللبنانية». كذلك، اعتبر ماكرون أن سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الدولة اللبنانية، نظريا، هي «أفضل طريقة للمحافظة على الاستقرار».
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد باشر زيارة الدولة بوضع إكليل من الورد على ضريح الجندي المجهول. وحرصت باريس على إظهار مدى تعلقها بلبنان وحرصها عليه الأمر الذي ظهر بجلاء من خلال المواكبة الرسمية الاستثنائية لهذه العملية، حيث تخطى الترحيب بكثير ما ينص عليه البروتوكول في هذا النوع من الزيارات. فقد رفع العلم اللبناني، إلى جانب العلم الفرنسي، على طول جادة الشانزلزيه. ورافقت عون وزيرة الدفاع فلورنس بارلي، إلى ضريح الجندي المجهول القائم تحت قوس النصر. وبهذه المناسبة، أغلقت الجادة بوجه حركة السيارات وكذلك المنافذ المفضية إليها. ووصل الرئيس اللبناني إلى قوس النصر في موكب رسمي كبير ووسط إجراءات أمنية مشددة. وتجمهر مئات اللبنانيين في ساحة «إيتوال» للترحيب به رافعين الأعلام الوطنية فيما كانت خيالة الحرس الجمهوري المرابطة في شارع جانبي، مستعدة لمرافقة الموكب الرئاسي حين توجهه إلى قصر الإليزيه. وجرى الاحتفال تحت قوس النصر، وسط حضور رسمي واسع، على أنغام موسيقى الحرس الجمهوري التي عزفت النشيد الوطني اللبناني ثم الفرنسي، قبل أن يشكر عون مستقبليه من العسكريين والرسميين المدنيين ويتوجه بمواكبة واسعة من خيالة الحرس الجمهوري والدراجين وسيارات الشرطة والأمن إلى قصر الإليزيه. ومساء، دشن ماكرون وعون معرض «مسيحيي الشرق» ثم أقيم على شرفه وعلى شرف الوفد المرافق عشاء دولة في القصر الرئاسي.
8:2 دقيقة
الرئيس اللبناني بعد لقائه ماكرون: لا انتظار لعودة طوعية للاجئين
https://aawsat.com/home/article/1033996/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%87-%D9%85%D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%B7%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86
الرئيس اللبناني بعد لقائه ماكرون: لا انتظار لعودة طوعية للاجئين
مصادر الإليزيه: مساعٍ لعقد مؤتمر لتخفيف أعبائهم عن بيروت
- باريس: ميشال أبونجم
- باريس: ميشال أبونجم
الرئيس اللبناني بعد لقائه ماكرون: لا انتظار لعودة طوعية للاجئين
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة