إجراءات أمنية وازدحام في أول انتخابات في «فيدرالية الشمال السوري»

دمشق وصفتها بأنها «مزحة»... والمنظمة الآشورية تقاطع

جانب من عملية الاقتراع في القامشلي أمس («الشرق الأوسط»)
جانب من عملية الاقتراع في القامشلي أمس («الشرق الأوسط»)
TT

إجراءات أمنية وازدحام في أول انتخابات في «فيدرالية الشمال السوري»

جانب من عملية الاقتراع في القامشلي أمس («الشرق الأوسط»)
جانب من عملية الاقتراع في القامشلي أمس («الشرق الأوسط»)

وسط ازدحام وحراسة أمنية مشددة، وقفت المدرسة شيرين أسعد (32 سنة) وإلى جانبها ثلاث مدرسات يعملن في مدرسة «صقر قريش» الكائنة في بلدة القامشلي (أقصى شمال شرقي سوريا)، في أحد الصفوف لمراقبة صندوق انتخاب شفاف، في أول عملية انتخابية محلية تشهدها المنطقة، كخطوة عملية لتأسيس النظام الفيدرالي الذي أعلن عنه ربيع عام 2016.
وتوافد منذ ساعات الصباح الأولى الكثير من أهالي حي الهلالية شرق مدينة القامشلي للإدلاء بأصواتهم، ينتظرهم المشرفين على صناديق الاقتراع، بينهم شيرين التي بدأت تشرح للمقترعين بابتسامة هادئة إرشادات التصويت، وتقوم بتسجيل اسم الناخب وترشده بالتوجه إلى غرفة اقتراع صغيرة لكتابة أسماء المرشحين، بعدها يبصم على الورقة الانتخابية ثم يضعها في الصندوق الشفاف.
وكشفت شيرين لـ«الشرق الأوسط» أنها المرة الأولى في حياتها تشارك في الانتخابات، وقالت: «كنت أشاهد الانتخابات على شاشات التلفزيون، ففي سوريا وقبل عام 2011 كانت عبارة عن مسرحية، كنا نسمع بها من خلال نشرات الأخبار وفي اليوم التالي يعلنون عن أسماء الفائزين».
أما اليوم فقررت شيرين المساهمة في بناء النظام الفيدرالي، وتابعت: «هذه الانتخابات أول خطوة في الاتجاه الصحيح، لأن صندوق الانتخاب سيختار من يمثلنا، صراحة هذه لحظة تاريخية».
بينما انتظر أمين عمرو (55 سنة) أكثر من ساعة في طابور طويل حتى جاء دوره وأدلى بصوته، وعبر عن مشاعر فرحته ليقول: «كنا نحلم أن ننتخب ونعطي صوتنا لشخص يسحق التمثيل، أما اليوم ولأول مرة أشارك في الانتخابات، هذه المرة تعني لي الكثير لأنها نابعة من إرادتي وحريتي بالدفاع عن حقق شعبي».
وتنتسب المرشحة ليلى عمر إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» والأخير يعد من أبرز الأحزاب التي أعلنت الفيدرالية في شمال سوريا بداية العام الفائت، وهي مرشحة عن مجلس حي الهلالية بالقامشلي، ونقلت أن «الكومين» هي أصغر وحدة إدارية في مؤسسات الفيدرالية، وقالت: «لكنها على تماس مباشر مع الأهالي، تقدم الخدمات وتساهم في تنظيم الأحياء، عبارة عن سقف جامع لكل أفراد الأسرة».
وأقر أكراد سوريا بالتحالف مع جهات عربية وسريانية مسيحية، في 17 مارس (آذار) من عام 2016 «دستورا» للنظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال سوريا، أطلقوا عليه «العقد الاجتماعي» لتنظيم شؤون المدن والبلدات الخاضعة لنفوذهم، على أن تجري المرحلة الأولى من الانتخابات، بالتصويت على الرئاسات المشتركة (كل رئاسة تضم رجلا وامرأة) أو ما يطلق عليه «الكومينات»، اللجان المحلية للأحياء والحارات.
وأدلت الهام أحمد الرئيسة المشتركة لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» بصوتها في مدرسة «صقر بن قريش». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذه الانتخابات بمثابة حجر أساس لاستكمال بناء مراحل الفيدرالية، كونها خطوة جدية حقيقية لترسيخ الديمقراطية، وأعتقد ستكون لها أثر إيجابي بإعلان خطوات مماثلة في باقي أنحاء سوريا وستشجع السوريين على اختيار مصيريهم».
وفتحت مراكز الانتخابات في مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» أبوابها أمام الناخبين للاقتراع في تمام الساعة الثامنة صباحاً، وتوجه الآلاف من أهالي القامشلي وغيرها من المدن شمال سوريا للإدلاء بأصواتهم.
ووصف نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الانتخابات بـ«المزحة» وقال في تصريحات صحافية، إن «سوريا لن تسمح أبداً بانفصال أي جزء من أراضيها، وستؤكد الحكومة في النهاية سيطرتها على المناطق الخاضعة للأكراد».
وفي ردها على تصريحات مسؤول النظام السوري، قالت أحمد: «هذه التصريحات تعبر عن ذهنية سلطوية إقصائية، المشكلة أنهم لا يعترفون بأي شكل من أشكال الإدارة الذاتية لا في مناطق شمال سوريا، ولا في باقي أنحاء البلاد، هذه السلطة تريد المزيد من الخراب والدمار للسوريين».
وانتشرت في شوارع مدينة القامشلي لافتات انتخابية كتب عليها بثلاث لغات، وهي اللغات الرسمية في النظام الفيدرالي (الكردية والعربية والسريانية)، تدعو المواطنين للمشاركة في الانتخابات، وقد كتب على إحداها: «صوتك أمانة... امنحه لمن يستحق»، كما كتب على لافتة ثانية: «مستقبل روج آفا بين يديك، لا تبخل بصوتك»، في إشارة إلى المناطق ذات الغالبية الكردية في الشمال السوري.
بدورها رفضت المنظمة الآثورية الديمقراطية المشاركة في الانتخابات، وأوضح كبرئيل موشية كورية مسؤول المكتب السياسي أن المنظمة لا علاقة لها بالإدارة الذاتية، وليست عضوا في «مجلس سوريا الديمقراطية»، وقال: «هذه الانتخابات تعني الجهات والأطراف السياسية المتحالفة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، هذه الخطوة لا ينطبق عليها صفة الانتخاب، لأن أي عملية انتخابية تحتاج إلى مرشحين وقوائم مستقلة، لكن المرشحون في هذه الانتخابات ينتسبون لحزب الاتحاد وبالتالي لا توجد أي منافسة فيما بينهم».
وتأسست المنظمة الآثورية في خمسينات القرن الماضي، وهي جزء من الائتلاف الوطني السوري المعارض، والأخير أصدر بياناً رسمياً يوم أمس نشر على حسابه الرسمي جاء فيه: «إن انتخابات مزعومة يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي تسويقها لتمرير مشاريعه في سوريا، هي مشاريع باطلة وغير شرعية أو قانونية، مستخدماً كافة وسائل الترهيب المستوحاة من أساليب عصابة الأسد».
وأشار كورية إلى أن الأوساط السريانية الآشورية في مدينة القامشلي غير مهتمة بهذه الانتخابات، وزاد: «منذ ساعات الصباح الأولى لم نشاهد أي مشاركة للمكون السرياني سوى أنصار حزب الاتحاد السرياني، أحياء القامشلي كانت شبه خالية، والناس لم تذهب إلى صناديق الانتخاب التي لم تكن تبعد عنهم سوى بضعة أمتار في رسالة واضحة أنهم غير معنيين بها».
أما في المرحلة الثانية من الانتخابات المزمع إجراؤها في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، فسيتم انتخاب مجالس محلية للنواحي والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم، ويصار في المرحلة الثالثة والنهائية في 19 يناير (كانون الثاني) من عام 2018، إلى انتخاب «مجلس الشعوب الديمقراطية» التي ستتمتع بصلاحيات تشريعية محلية.
كما سيتم في اليوم نفسه انتخاب «مؤتمر الشعوب الديمقراطية» العام، الذي سيكون بمثابة برلمان عام على رأس مهماته تشريع القوانين ورسم السياسة العامة للنظام الفيدرالي. واعتبر الدكتور حسين عزام، نائب رئيس المجلس التنفيذي في مقاطعة الجزيرة، أنّ مشاركة المكون العربي في إقليم الجزيرة مقبولة وجيدة، وقال: «هناك إقبال ملحوظ من العرب على صناديق الاقتراع، هذه الانتخابات تعني جميع مكونات فيدرالية شمال سوريا»، ولفت إلى أن الأهالي وعلى الرغم من ظروف الحرب شاركوا في الانتخابات، مضيفاً: «الناس لديها عزيمة وإصرار على المشاركة، نظراً لحالة الاستقرار الأمني والاقتصادي في مناطق شمال سوريا بعد إبعاد شبح الحرب».
ويرى الكاتب والمتابع للشأن السوري براء صبري، أن الانتخابات ضرورة لبناء الهيكليات الإدارية بالتزامن مع النجاحات العسكرية التي تحققها قوات سوريا الديمقراطية، وقال: «الانتخابات محاولة لترسيخ مفهوم الخصوصية الإدارية وتثبيت الوقائع على الأرض، وهي رسالة داخلية تركز على أهمية مشاركة الناس في اتخاذ قرارات المنطقة، ووسيلة ضغط على الدول التي تهمل الجهات الكردية في المحافل الدولية التي تقام لتحديد مصير سوريا».
وفي ختام حديثه، شدد براء صبري ضرورة الانتخابات لزيادة الثقة الشعبية بالأدوات الديمقراطية بعد تفريغ نظام حزب البعث في سوريا الانتخابات من مضمونها في العقود السابقة، وقال: «هي رسالة للخارج على قدرة السوريين على ممارسة الإدارة والحكم بعد أن فشلت المعارضة في فعل المثل، ونزوع جلها إلى سياسة السيطرة الشاملة التي تشابه سياسات النظام الاستبدادية، وهي محاولة للفت الانتباه إلى القضية الكردية التي تحتاج لحل عادل».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.