«الهيئة العليا» تحذّر من فرض بقاء الأسد عبر سيطرة مواليه على قرار «الوفد»

شخصيات تهدد بالانسحاب منها ومباحثات التوحد لا تزال متعثرة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات (السورية) رياض حجاب في مقر البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات (السورية) رياض حجاب في مقر البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
TT

«الهيئة العليا» تحذّر من فرض بقاء الأسد عبر سيطرة مواليه على قرار «الوفد»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات (السورية) رياض حجاب في مقر البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات (السورية) رياض حجاب في مقر البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

رفعت شخصيات معارضة، في «الهيئة العليا للمفاوضات» الصوت محذّرة من أي محاولات لتعويم رئيس النظام السوري بشار الأسد أو فرض بقائه في السلطة، عبر إدخال شخصيات محسوبة عليه في الوفد المفاوض، وصلت إلى حد تهديدها بالانسحاب من الهيئة. يأتي ذلك في ضوء استمرار تعذّر توحيد صفوف الوفد نتيجة خلافات بشكل أساسي، بين «الهيئة» و«منصة موسكو» التي ترفض أن يكون مصير الأسد شرطا مسبقا للمفاوضات، وهو الأمر الذي تضعه المعارضة أولوية بالنسبة إليها، وتعتبره خارج النقاش.
وإذا كانت المباحثات بين «الهيئة» و«منصة موسكو»، بعد تسجيل تقارب مع «منصة القاهرة»، وصلت إلى حائط مسدود، بحسب ما يقول مصدر قيادي في «الهيئة» لـ«الشرق الأوسط»، فإن الخوف بات اليوم من محاولات لتوسيع دائرة التمثيل كي تشمل شخصيات أخرى، إضافة إلى «موسكو»، منها «منصة حميميم» و«حزب الاتحاد الديمقراطي»، وتكون نتيجة ذلك زيادة عدد موالي الأسد على حساب «الهيئة» في الوفد، ما قد يؤدي إلى فرض بقائه بحجة القبول به من قبل ما يعتبرونه «وفد المعارضة»، وهو الأمر الذي رفضته المصادر، وجاء أيضا على لسان منسق «الهيئة» رياض حجاب، مهددا بالانسحاب منها.
وأوضحت المصادر، أن «المطالبة بضم منصتي موسكو والقاهرة تخفي في طياتها أهدافا غير معلنة، كانضمام منصات وأطراف أخرى، كان أيضا المبعوث الدولي إلى سوريا قد عقد معها اجتماعات، متسلحين بالقرار 2254 الذي لا ينص فقط على ضم (موسكو) و(القاهرة)؛ بل أيضا شخصيات أخرى، وهو الأمر الذي قد يشكل وسيلة للسيطرة على قرار الهيئة التي تضم مجموعة تؤيد بقاء الأسد، وهي المحسوبة بشكل أساسي على (هيئة التنسيق الوطنية). وأكدت أن هناك أكثر من 17 شخصية أعلنت موقفها الواضح بأنها ستنسحب من الهيئة إذا فرض هذا الأمر».
وقال حجاب: «إذا تم تهجين الهيئة العليا للمفاوضات بشخصيات سقفها ليس مطالب السوريين، فلن أكون مع هؤلاء ولا في أي جسم يخالف ثوابت الثورة»، واصفا «منصة موسكو» بأنها «صنيعة مخابرات النظام، ولا مشكلة لديها مع الأسد، ولذا فهي ليست معارضة». وهذا الموقف عبّر عنه أيضا المتحدث باسم «الهيئة» رياض نعسان آغا، قائلا: «شخصيات عدة في الهيئة تضم صوتها إلى صوت حجاب وأنا منهم، ولن نقبل البقاء في صفوفها إذا فرضت علينا أطراف تزعم أنها معارضة ولا نتفق معها بالرؤية. نعتبر أن رحيل الأسد أولوية لن نتخلى عنها، وليست شرطا».
وأضاف حجاب الذي رحّب بالتدخل التركي في إدلب لإنهاء «هيئة تحرير الشام» في حديث تلفزيوني: «هناك مجموعة بالهيئة تنادي بقبول الضغوط والإبقاء على الأسد بالمرحلة الانتقالية، ولكن الأغلبية متمسكة بثوابت الثورة». وردّ على دعوة دي مستورا للمعارضة بأن تكون واقعية قائلا: «الواقعية التي نفهمها هي تطبيق (جنيف 1) وقرارات مجلس الأمن، ومحاكمة المجرمين كالأسد، وليس قبوله في المرحلة الانتقالية».
ورغم أن أسهم التفاؤل بإمكانية توحيد المعارضة في «وفد واحد وليس موحدا» كانت قد ارتفعت في الجولة السابعة والأخيرة من جنيف، بحيث تم تشكيل لجنة لمتابعة الموضوع والعمل على تقريب وجهات النظر، فإنه منذ شهر أغسطس (آب) الماضي لم يعقد إلا اجتماع واحد انتهى باقتناع جميع الأفرقاء باستحالة التوافق، في ضوء تمسك كل منهم بمواقفه، وفق المصادر.
هذا التعثّر الذي حال دون عقد جولة جديدة من جنيف، الشهر الماضي، قد يكون العقبة المستمرة أمام انعقاد جولة جديدة من المفاوضات بعد مؤتمر «الرياض 2»، وذلك بعدما كان قد أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا، أنه ينوي عقد الجولة القادمة من محادثات جنيف في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه لن يعقد أي لقاءات «تقنية» إضافية للمعارضة السورية، وذلك في مسعى لمنح الوقت للمنصات كي توحد مواقفها.
وبعد الإعلان عن بدء العمل لتوسيع وفد «الهيئة» أو توحيده بضم منصتي «موسكو» و«القاهرة» لتشاركا معا في المفاوضات، بذلت جهود لعقد «مؤتمر الرياض 2»؛ حيث من المفترض أن يكون تتويجا للمباحثات بين الأطراف، وبالتالي تشكيل «الوفد الواحد» للمشاركة في «جنيف»، لكن حتى الآن لم يتم تحديد موعد ثابت لـ«الرياض» ولا لـ«جنيف»، وهو الأمر الذي تربطه المصادر بتعثر التوافق على وفد واحد، إضافة إلى انشغال الدول المعنية باتفاقات خفض التصعيد لتتفرغ فيما بعد للحل السياسي. ولفتت إلى أنه كان يفترض أن يعقد اجتماع الرياض في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر و«جنيف» في نهايته؛ لكن حتى الآن لا شيء واضح، مضيفة: «اللجنة التي كلّفت بمهمة العمل على توسعة الهيئة قدّمت مشروعين، الأول يقضي بعقد مؤتمر (الرياض 2) بحضور 120 شخصية، أو توسيع الوفد ليصبح مؤلفا من نحو 51 شخصية، وهو ما ستأخذ (الهيئة) القرار بشأنه في اجتماعها المقبل، المتوقع في بداية شهر أكتوبر».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.