تساؤلات عن احتمالات عودة «القاعدة»

بعد 16 سنة من أحداث سبتمبر

«هجمات سبتمبر» ما زالت تثير الرعب حول العالم بعد 16 عاماً
«هجمات سبتمبر» ما زالت تثير الرعب حول العالم بعد 16 عاماً
TT

تساؤلات عن احتمالات عودة «القاعدة»

«هجمات سبتمبر» ما زالت تثير الرعب حول العالم بعد 16 عاماً
«هجمات سبتمبر» ما زالت تثير الرعب حول العالم بعد 16 عاماً

في منتصف شهر أغسطس (آب) الماضي هدد تنظيم القاعدة بتعطيل القطارات السكك الحديدية في بريطانيا باعتبارها الهدف التالي الذي يسعى إلى تنفيذه وحث مؤيديه على القيام به، انطلاقاً من أنه سوف يتسبب في خسائر فادحة للأرواح، ويثير الهلع والخوف بين المسافرين والركاب. التحذير القاعدي المتقدم طرح على مائدة النقاش علامة استفهام هل يعود تنظيم «القاعدة» من جديد بعد نحو ست عشرة سنة من إعلان الولايات المتحدة الأميركية الحرب عليه؟
عدة عوامل تدفع في طريق هذه القراءة، في المقدمة منها التراجع الكبير الذي شهده تنظيم داعش على الأرض عطفا على ازدياد حضور طالبان في أفغانستان. وقد رأينا الرئيس الأميركي دونالد ترمب وخلافا لما وعد به خلال حملته الانتخابية، يتعهد بإرسال جنود أميركيين جدد لمحاربة «القاعدة» في أفغانستان، وقطع الطريق على عودتها من جديد... هل فشلت واشنطن والعالم في التصدي لـ«القاعدة» عبر عقد ونصف العقد من الزمان؟
- تهديدات «القاعدة»
جاءت تهديدات «القاعدة» أخيرا لتأخذها أجهزة الأمن في عموم أوروبا على مأخذ الجد لا سيما أن مسألة حماية جميع خطوط السكك الحديدية حول البلاد، مسألة شاقة تحتاج لأعداد كبيرة جداً من رجالات الشرطة الداخلية، الأمر الذي يبين بصورة أو بأخرى أن عقل «القاعدة» لم يغِبْ طوال السنوات الماضية، بل ربما استغل القائمون على التنظيم قصة انشغال العالم في محاربة «داعش» للعمل من جديد بهدوء وتكتيك لبناء مصادره وتحالفاته لمواصلة حربه الأزلية ضد الولايات المتحدة الأميركية.
أحد أفضل التقارير التي تناولت شكل«القاعدة» مستقبلاً وصحوتها التي تلازم إخفاقات «داعش» المتوالية، ذاك الذي صدر أخيراً عن مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وفيه علامات دهشة وتعجب، تتصل بقدرة «داعش» على النهوض من جديد من وسط الركام رغم أحداث جسام عاشها التنظيم بدءاً من الحرب عليه في أفغانستان، مروراً بعمليات المطاردة التي لا تنقطع، وصولاً إلى أزمات المنطقة الأخيرة وحتى ظهور «داعش» الذي هو في الأصل فرع دوغمائي أشد تطرفاً من مذهبيات «القاعدة» عينها، وربما أكثر أدلجة فكرية منها، حيث له توجه أكبر من مجرد إلحاق الأذى بالغرب بمعنى الوصول إلى «الدولة الإسلامية» نواةً للخلافة المنتَظَرة.
- «القاعدة»: بيئات حاضنة جديدة
لعله من متناقضات القدر أن تفرز سنوات ما سُمِّي بـ«الربيع العربي»، بيئات حاضنة جديدة لـ«القاعدة» تمدها بحلفاء جدد لها كي تتمكن من مواصلة نهجها، وإن كان غير خلاق.
لقد كانت سوريا ولا شك خلفية نموذجية لإعادة نشوء وارتقاء «القاعدة»، فمنذ بداية الأزمة تطلعت عيون «القاعدة» إلى حلفاء جدد لها هناك، ويبدو أنها وجدت ضالتها بالفعل في جبهة النصرة التي تمتلك الآلاف من المقاتلين المؤمنين بأفكار «القاعدة» وأهدافها. والمؤكد أن «القاعدة» قد استغلت ظروف الاضطرابات الأهلية في عدد من الدول العربية، لتربح موالين جدداً لها، وإن كان ذلك قد حدث عن طريق خطط أوسع وأعمق للأيادي الخفية التي تذكي الإرهاب الداعشي وقبله القاعدي في العالم العربي.
يمكننا هنا أن ندلل على الحاضنات الجديدة بـ«ليبيا»، وما يجري وما جرى فيها فقد تابع العالم برمته كيف أن دولة بعينها (قطر) لم يكن لها إلا هدف واحد، وهو ابتعاث رجالات «القاعدة» إلى ليبيا للسيطرة على مقدرات الأمور.
ولعل ما أزعج الدوائر الغربية مرة جديدة في الأيام الأخيرة من شهر أغسطس الماضي ودعا لفتح ملف «القاعدة» من جديد ما كشفت عنه أجهزة الأمن التابعة لحكومة الوفاق الليبية بشأن مخطط إرهابي يستهدف مسؤولين بالعاصمة الليبية طرابلس بالسلاح الكيماوي من قبل الجماعة الليبية المقاتلة، أحد أفرع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي. ولعل السؤال الذي يقض مضاجع الأجهزة الأمنية الأوروبية بالدرجة الأولى هل تلك الأسلحة الكيماوية الفتاكة لا تزال لدى رجالات «القاعدة» في ليبيا للاستهلاك المحلي في عملية الاقتتال الداخلية؟ أم أنها يمكن أن تعبر المتوسط لتفجر أو يطلق بعضها على سبيل المثال في أحد قطارات السكك الحديدة في أي عاصمة أوروبية؟
- «القاعدة» من اليمن إلى أفريقيا
في بداية الشهر الماضي أرسلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قوات خاصة أميركية إلى اليمن لتساعد قوات التحالف والقوات اليمنية الشرعية في عملياتهم ضد تنظيم القاعدة في اليمن.
تصريحات المتحدث باسم البنتاغون الكابتن جيف ديفيس، تفيد بأن الهدف من هذه العمليات التي تجري في محافظة شبوة، حيث ينشط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل خاص... ما الذي يُفهم من هذا التصريح؟
بالتأكيد استغلت جماعات «القاعدة» هناك الأوضاع التي تكاد تأخذ اليمن في طريق الدول الفاشلة لتثبيت أركانها، فاليمن اليوم مقسم بين أكثر من فصيل؛ قوات الشرعية الدولية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادئ ، وعلى الجانب الآخر تحالف يكاد يتفكك ويتفسخ ممثلاً في المؤتمر الشعبي للمخلوع صالح، بالتعاون مع قوات الحوثي.
ووسط هذه الخيوط المتداخلة والخطوط المتشابكة، تجد «القاعدة» مسارب آمنة لاكتساب عناصر جديدة، والتخطيط لانتشار أوسع لها يتجاوز شبه الجزيرة العربية إلى منطقة الخليج العربي، لذا تجد الكثير من عناصر تنظيم القاعدة ما زالوا متخفين في مديرية الصعيد غربي محافظة شبوة على الحدود مع محافظة أبين المجاورة الممتدة إلى تخوم مدينة عدن التي أعلنتها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد.
والثابت أنه وإن كان تنظيم القاعدة في اليمن ضعيفاً، وليس بتلك القوة التي يروج لها في وسائل الإعلام لا سيما الغربية، فإن هذا لا ينفي أنه ينشط وبقوة في ظل غياب الدولة، وينمو كلما ضعف نفوذها، وعليه فالمعادلة يسيرة الفهم: «كلما ظلت نيران الحرب الأهلية في اليمن مشتعلة، فإن (القاعدة) سوف تتمكن من تثبيت أركانها، وسوف تضحي هزيمتها أمراً عسيراً، ذلك أن ضعف الدولة يدفع لاستمرار القاعدة وتعاظم خطرها».
على أن كارثية انتشار «القاعدة» في اليمن لها تبعات، وكذا استحقاقات أخرى تتصل بامتداد التنظيم إلى العمق الأفريقي، وهو ما تخطط له العقول النافذة في التنظيم عبر مسارين:
الأول من خلال ليبيا في شمال أفريقيا.
والثاني من خلال سواحل اليمن المحاذية لعدد من الدول الأفريقية.
والثابت أن «القاعدة» في حقيقة الأمر لا تواري أو تداري مسؤولياتها عن العنف الحادث هناك، وقد كان آخر أعمال أياديها السوداء ذلك الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الأحد العاشر من أغسطس على مطعم في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، وهي دولة مستهدَفة من قبل التنظيم القاعدي، وهناك أنشطة كبرى تجري على أراضيها، حيث جماعات كثيرة تواليها عقائدياً ومنها جماعة أنصار الإسلام التي يقودها إبراهيم مالم جيكو، وهي أكثرها نشاطاً، وتأسست في نهاية العالم الماضي، وتقدم منهجاً يتفق مع رؤية تنظيم القاعدة بأكثر مما ينسجم مع تنظيم داعش.
أحد أفضل الذين تصدوا أخيرا للجواب عن علامة الاستفهام الخاصة بمستقبل «القاعدة» المستشار السابق للقوات الأميركية في أفغانستان سيث جونز، الذي يشغل اليوم مدير مركز الأمن الدولي والسياسات الدفاعية في مؤسسة «راند» التي تشكل العقل والقلب بالنسبة للعسكريين الأميركيين ولـ«البنتاغون» بوجه عام.
عبر مقال مطول نشرته له مجلة «الفورين بوليسي» الأميركية ذائعة الصيت، يضعنا سيث أمام حقائق تتباين فيها الرؤية بين من يرى أن «القاعدة» سوف يتقلص نفوذها، وأنه لا مستقبل لها، كما يذهب دانيال بيمان من جامعة جورج تاون الأميركية، الذي يؤمن بان تنظيم القاعدة في تراجع بسبب الدعم الشعبي المحدود، والجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى، عطفاً على أن «القاعدة» باتت مكروهة بسبب قتلها للمدنيين المسلمين.
لكن هناك آخرين يورد سيث آراءهم يرون أن «القاعدة» عائدة لا محالة في ذلك، مثل علي صوفان عميل مكتب التحقيقات الاتحادية سابقاً، الذي يؤكد على أن «القاعدة» تتحول الآن من جماعة إرهابية صغيرة إلى شبكة قوية ومنتشرة الفروع، وأنها اكتسبت أعداداً وقوى قتالية، وهي تمتد الآن في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
فيما يحاجج ديفيد غارتنستين من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بأن التنظيم «برز بقوة من خلال اتباع استراتيجية للنمو المتعمد والمفتوح».
المقال المشار إليه مهم وحيوي إذ يتناول سلسلة من الفرضيات التي يمكنها أن تعظم أو تحجم من عودة «القاعدة» للظهور من جديد، غير أن أهم جزئية تستلفت النظر تلك المتعلقة بعودة التنظيم ومآل «داعش» في الزمن القريب، إذ إن انهيار «داعش» في عيني سيث يمكن أن يزيد من إمكانية الدمج بين المقاتلين الموالين لـ«القاعدة»، و«داعش»، تحت مظلة واحدة، أو حتى إلى ظهور جماعة متطرفة جديدة، فـ«القاعدة» اليوم منظمة مختلفة عما كانت عليه قبل عقد من الزمن... الحركة أقل مركزية، ما يعني أن الانتماء والولاء أصبح عبر الأثير وهذه هي الكارثة.
- ترمب وخطته... «القاعدة» ترحب
نهار الاثنين 21 أغسطس الماضي، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن عن استراتيجيته الجديدة لأفغانستان، عبر قاعدة «فورت ماير» بولاية فيرجينيا. الاستراتيجية تقضي بإرسال بضعة آلاف من الجنود إلى هناك في محاولة لدحر طالبان و«القاعدة» ومنعهما من السيطرة على جميع مقادير البلاد... هل جاء هذا الإعلان ليمثل قبلة الحياة لـ«القاعدة» في أفغانستان بنوع خاص، وحيثما يوجد مريدوها وأتباعها حول الكرة الأرضية؟
الشاهد أنه قبل أن يعلن ترمب استراتيجيته الأخيرة، و«القاعدة» كانت ترى فيه وفي كبير مستشاريه ستيف بانون قبل أن يجبر على الاستقالة طوق ونجاة ومبعث أمل للعودة من جديد إلى الحياة... كيف ذلك؟
ببساطة شديدة كان بانون الصوت الصارخ لإدارة ترامب منذ البداية، وهو صاحب التعبير الشهير «قوى الإسلام لا يمكن إيقافها بالوسائل السلمية».
هنا أعطى بانون لـ«القاعدة» فرصةً على طبق من ذهب لإعادة تصوير الغرب على أساس أنه منخرط في حرب وجودية مع الإسلام، وهذه هي الطريقة التي يبرر بها التنظيم عنفه وآيديولوجيته الأصولية.
والآن يأتي ترامب ليخطط من جديد لإشعال المعركة عسكرياً ضد طالبان، وضد فلول «القاعدة» هناك، مما يسمح ولا شك بإعادة تقسيم العالم إلى قسمين دار للحرب ودار للسلام، أو كما قال جورج بوش الابن غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001: «الذين معنا والذين علينا»، في تقسيم «مانوي» للعالم لا يستقيم... هل سيربح ترمب الحرب بالجنود الذين سيرسلهم عطفاً على الموجودين هناك من الأصل؟
تقول «نيويورك تايمز» أخيراً إن هذا لن يحدث طوال الحياة، وحتى لو تم قتل الإرهابيين كافة في الغد، فإنهم سيعودون مرة أخرى طالما بقيت إشكالية الأصولية الدينية والعرقية قائمة من جهة وأرباح تجارة الهيروين السائدة في أفغانستان تحديداً، وعلى الحدود مع باكستان من ناحية أخرى.
إذن هل الحل في ترك أفغانستان كما فعل أوباما؟
بالقطع أيضاً لا، لأن ذلك سيحولها لحاضنة لـ«داعش» جديدة مهما تغيرت الأسماء، ولهذا ربما يكون ما أقدم عليه ترمب هو حل مؤقت، بمعنى زيادة متواضعة في القوات الأميركية يمكن لها أن توفر دعماً عسكرياً للحكومة الأفغانية لضمان عدم استيلاء طالبان على المدن الأفغانية.
هل من خلاصة؟
لن يختفي التطرف الذي يمثله «داعش» أو «القاعدة» مرة واحدة وإلى الأبد، إذ ستبقى الآيديولوجيات العدائية على قيد الحياة في شكل ما من الحروب في أفريقيا وآسيا الشرق الأوسط، طالما بقيت قضايا رئيسية بغير حلول، وطالما وجد زارعو الكراهية حول العالم من أنصار نهاية التاريخ أو صدام الحضارات.


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».