المسلمون الروهينغا... مجدداً في قلب الحدث

مع تفاقم محنتهم العرقية ـ الدينية في ميانمار

المسلمون الروهينغا... مجدداً في قلب الحدث
TT

المسلمون الروهينغا... مجدداً في قلب الحدث

المسلمون الروهينغا... مجدداً في قلب الحدث

أثارت صور أعمال العنف المرتكبة بحق أقلية المسلمين الروهينغا في ميانمار – بورما سابقاً – على أيدي متعصبين من الغالبية البوذية، قلق العالم المتحضر خلال الأيام الماضية، ولا سيما صور مئات من المسلمين جرت تصفيتهم بوحشية. وكانت الجولة الأحدث من العنف المندلع خلال الأيام الفائتة قد تسببت في تهجير عشرات الألوف وتشريدهم، وإجبارهم على البحث عن ملاذات آمنة في المناطق الحدودية الغربية لميانمار مع بنغلاديش.
ولقد بيّنت صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية حللتها منظمة «هيومن رايتس واتش» المهتمة بمسائل حقوق الإنسان، آلاف الأبنية المدمرة إبان موجة العنف والقصف. وتجدر الإشارة إلى تبادل تهم بين قوات الأمن الميانمارية من جهة والمسلحين من أقلية الروهينغا المسلمين من جهة أخرى، بإحراق القرى وارتكاب مجازر بحق المدنيين.

«في هذه اللحظة تشتعل الحرائق في القرى، ويتعرض الناس للقتل، فيفرون للنجاة بأرواحهم. ما يهمني قوله: إنني مصدوم، وحتى بعض الناجين منهارون نفسياً بعد تجاربهم ومشاهداتهم المريرة».
هذا ما قاله ماثيو سميث، أحدد مؤسسي منظمة «فورتيفاي رايتس» المهتمة بحقوق الإنسان، أمام وسائل، خلال رصده أعمال العنف والقتل.
ولكن في حين تدّعي السلطات الحكومية الميانمارية أن قواتها الأمنية إنما تتعامل مع «إرهابيين» يشنّون اعتداءات مسلحة في إقليم راخين (أراكان)، وتزعم التقارير الصادرة عنها أن نحو 450 شخصاً قتلوا منذ يوم 25 أغسطس (آب) الفائت، فإن ناشطي حقوق الإنسان في أوساط الروهينغا يؤكدون أن ما لا يقل عن 1000 قتيل، جلهم من المدنيين العزّل، سقطوا برصاص القوات الحكومية.
السلطات الحكومية، من جانبها، تحمّل تنظيم «جيش إنقاذ الروهينغا في أراكان»، وهو جماعة مسلمة ثائرة على النظام الحاكم في يانغون (عاصمة ميانمار)، المسؤولية في شنّ هجمات منظمة ضد نقاط تفتيش عسكرية، وحرق منازل وقتل مواطنين من غير المسلمين في إقليم راخين (الاسم الرسمي لأراكان). ومن ثم تبرّر حملتها بأن الجيش «ردّ بتنفيذ عمليات تطهير» زاعمة أن أكثر الضحايا من العسكريين. أما الثوار المسلمون فيدافعون عن أنفسهم بالقول إنهم هاجموا نقاط تفتيش شبه عسكرية في ميانمار فقط بهدف حماية المدنيين من الأقلية المسلمة من الاضطهاد.

اللاجئون وقصصهم المُروعة
في أي حال، أدى تجدّد أعمال العنف إلى نزوح أعداد ضخمة من الروهينغا المسلمين من ميانمار التي يهيمن عليها ويشكل غالبيتها البوذيون. وتسببت أعمال العنف المتجددة خلال أسبوعين فقط في مغادرة نحو 125 ألفا من أبناء الأقلية الروهينغية المسلمة أرضهم، وذلك بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة يوم 5 سبتمبر (أيلول). ووفق التقارير عبر الروهينغا الحدود من ميانمار إلى بنغلاديش وهم لا يحملون معهم سوى القليل من الملابس على ظهورهم، وفي جعبتهم بعض القصص عن حالات اغتصاب وقتل ونهب ممنهجة تعرضوا لها.
تقرير إعلامي نشر في «بنغلاديش ستار» نقل عن محمد حسين، الذي يقع منزله في الجهة المقابلة لقناة تومبرو، التي تفصل بنغلاديش عن ميانمار، والتي أقام الروهينغا ملاجئ مؤقتة لهم على ضفافها، قوله إن اللاجئين الروهينغا عبروا القناة بعدما طلب حرس الحدود البنغلاديشيون منهم العبور، والحصول على بعض مياه الشرب والطعام والدواء ثم العودة. غير أن وصول هؤلاء إلى الحدود أثار مخاوف من حدوث كارثة إنسانية جديدة. إذ ينام كثيرون منهم في العراء، وهم في أمسّ الحاجة إلى الطعام والماء بعد السير لأيام من أجل الوصول إلى بر الأمان.
وحسب كلام فيفيان تان، المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة للاجئين: «نحن نرى كثرة من النسوة والأطفال، ومنهم أطفال حديثو الولادة، تعرضوا إلى كل ما حدث لأيام طويلة، فأصيبوا بضعف شديد، وباتوا بحاجة إلى رعاية طبية. إن الأعداد مفزعة حقاً... وهي في ازدياد».
وفي المقابل، اتخذت سلطات بنغلاديش موقفاً حازماً تجاه اللاجئين من الروهينغا، في محاولة للحد من دخولهم إلى البلاد، نظراً لاكتظاظ مخيمات اللاجئين بالفعل. فلقد وصل عدد اللاجئين من الروهينغا قبل الأزمة الأخيرة إلى 400 ألف. وباشرت بنغلاديش فعلاً في منع اللاجئين من عبور الحدود من خلال زيادة عدد دوريات الحدود، ثم إعادة بعض الذين حاولوا العبور إلى ميانمار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن بنغلاديش ظلّت لأكثر من 30 سنة وجهة مئات الآلاف من الروهينغا من طالبي اللجوء. وأخيراً عثر مسؤولون في بنغلاديش على جثث نحو 42 من الروهينغا، أكثرهم من النساء والأطفال غرقوا بسبب زيادة حمولة القوارب أثناء رحلة العبور، بحسب ما صرح أفروز الحق تتل، نائب قائد شرطة مدينة كوكسز بازار.
وحسب رواية سيدة من الروهينغا اسمها ديلارا، تبلغ من العمر 20 سنة، لوكالة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة التي أصدرت تقديرات لأعداد اللاجئين، قالت ديلارا: «قُتل زوجي رمياً بالرصاص في القرية، فاضطررت للهرب مع ابني وأشقاء زوجي». ونجحت ديلارا في الوصول إلى بنغلاديش مع ابنها الصغير بعد مسيرة طويلة استغرقت ثلاثة أيام، وكانت تختبئ بين الحين والآخر للإفلات من قوات الأمن الميانمارية، موضحة عن رحلتها: «لم أكن أعرف أين أنا؛ فكل ما كنت أعرفه أن عليّ الركض لإنقاذ حياتي».

من هم الروهينغا؟
يقدّر عدد الروهينغا بنحو 1.1 مليون نسمة. وهؤلاء أقلية عرقية تعيش في ميانمار - التي كانت تعرف في الماضي باسم بورما - منذ قرون، وتحديداً في ولاية راخين (أراكان) الواقعة في غرب البلاد، وتعد من أفقر الولايات التي تتكون منها. ومن جهة أخرى، كانت ولاية راخين يوماً ما منطقة خاضعة للاحتلال البريطاني من 1842 حتى 1948؛ إلا أنها صارت فيما بعد «ساحة معارك» خلال الحرب العالمية الثانية.
ولقد خاض الحركيون البوذيون والمسلمون صراعاً داخلياً مسلحاً في راخين، بسبب ولاء الحركيين البوذيين لليابانيين، والحركيين المسلمين للبريطانيين. وبدا هذا الانقسام واضحاً وجلياً بعد حقبة الاستعمار في البلاد، التي جرى تغيير اسمها عام 1989 من بورما إلى ميانمار.
هذا، وسعت القوى المحلية، التي كثيراً ما يطلق عليها اسم «المجاهدون»، إلى ضمّ ولاية راخين إلى ما كان في يوم من الأيام – بعد 1947 – إقليم باكستان الشرقية (من دولة باكستان)، وأصبحت الآن بنغلاديش. غير أن محمد علي جنّه (جناح)، الزعيم التاريخي المؤسس لباكستان، رفض فكرة الضم. وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى تحوّل المنطقة إلى «ولاية إسلامية» تتمتع بحكم شبه ذاتي فيما يسمى حالياً ميانمار. لكن هذه الخطوة لم تنجح في تحقيق الأمن، بل لم يجرِ الاعتراف رسمياً بالأقلية الروهينغية من بين 135 أقلية عرقية معترف بها في ميانمار. ومن ثم، اعتبرت هذه الأقلية العرقية المفتقرة إلى وطن قومي، مجموعة من «المهاجرين غير الشرعيين»، ولم تلبث أن منعتهم الدولة من الحصول على الجنسية طبقاً لقانون الجنسية الجديد، الذي وضعه الديكتاتور السابق ني وين عام 1982.

التضامن مع الروهينغا
كردّ فعل تجاه ذلك الوضع، شكّلت مجموعة ثائرة أخرى تحت اسم «منظمة التضامن مع الروهينغا» عام 1982. وأسّست بعد ذلك بأربع سنوات «الجبهة الإسلامية للروهينغا في أراكان (راخين)». طالبت هذه «الجبهة» الأمم المتحدة بمنح الروهينغا الجنسية، وحقوق المواطنة الكاملة، وضمان حصولهم على كل الخدمات. غير أن حكومة ميانمار ظلت تعتبر الروهينغا مهاجرين غير شرعيين أتوا من بنغلاديش. وراهناً تعترض سلطات ميانمار على استخدام مصطلح «الروهينغا» في أي قرار صادر عن الأمم المتحدة، خوفاً من الاعتراف السياسي بهم، وتزعم أن هذا «يعقّد معالجة الحكومة» للقضية. كذلك، تدّعي هذه السلطات أنها مستعدة لمنح الجنسية وحقوق المواطنة إلى المسلمين الروهينغا، ولكن بشرط أن يعترفوا بأنهم بنغاليون، وهو مصطلح تعترض عليه أقلية الروهينغا تماماً.
والواقع أن الغالبية البوذية في ميانمار متهمة منذ فترة غير قصيرة بممارسة التمييز والعنف ضد أقلية الروهينغا. ولقد أشعل التوتر الطويل الأمد بين الروهينغا والبوذيين في غرب البلاد أعمال شغب دموية عام 2012، أسفرت عن مقتل كثيرين، وأجبرت عشرات الآلاف من الروهينغا على الفرار واللجوء إلى كل من بنغلاديش وماليزيا وتايلاند والهند وإندونيسيا.
والواضح أن المكوّنات العرقية الأساسية في ميانمار – وجلها يدين بالبوذية – تعتقد أن الروهينغا المسلمين يمثلون خطراً ديموغرافياً وثقافياً على هوية البلاد، أي، بعبارة أخرى، تشعر الأكثرية بتهديد الأقلية لها.

المنظمات الدولية متهمة
ما يستحق الإشارة أن مكتب الرئيسة (المستشارة) أونغ سان سو تشي، اتهم خلال الأسبوع الماضي العاملين الدوليين في مجال المساعدات بدعم «الإرهابيين». وكان معظم هؤلاء العاملين قد غادروا راخين بعد صدور تصريح للحكومة ادعت فيه أنها «عثرت على موارد من منظمات إغاثة دولية، من بينها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، خلال مداهمات لمواقع لمقاتلين من الروهينغا». ومن جهته، وصف سكوت مارسييل، السفير الأميركي لدى ميانمار، المزاعم بأن المنظمات المساعدة تدعم الروهينغا بالـ«سخيفة». في حين دافع الجيش الميانماري عما فرضه من قيود على المساعدات الدولية، بحجة أن الموارد قد وصلت إلى مواقع المسلحين، ما يشير إلى تقديم الدعم لهم، وهي مزاعم نفتها منظمة العفو الدولية بشكل صريح. ومن ناحية ثانية، قالت تيرانا حسن، مديرة الاستجابة للأزمة في المنظمة: «اتهام المؤسسات الإنسانية الدولية بدعم الأطراف المسلحة في راخين تصرّف غير مسؤول ويتسم بالتهور. يجب أن تتوقف سلطات ميانمار عن الترويج لتلك المعلومات المغلوطة، ونشر اتهامات لا أساس لها من الصحة». أما أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، فعلّق عن الوضع قائلا: «إننا نواجه خطر التطهير الفئوي، وآمل ألا نصل إلى هذه النقطة».

دور لكوفي أنان
على صعيد آخر، من اللافت أن كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وصل إلى ميانمار لتمثيل تقرير يتضمن توصيات اللجنة الاستشارية بشأن ولاية راخين، من أجل التوصل إلى سلام ومصالحة في تلك الولاية، مع أن سلسلة من الهجمات المميتة كانت قد ألقت بظلالها على وصوله. أنان يترأس اللجنة، التي تتكون من تسعة أعضاء تم تعيينهم من جانب المستشارة الميانمارية أونغ سان سو تشي قبل سنة، من أجل التوصل إلى حل للصراع الديني الذي يدمّر الولاية منذ سنوات كثيرة. وقدمت اللجنة توصيات في تقرير يقع في 63 صفحة بعنوان «نحو مستقبل يعمّه السلام والرخاء من أجل شعب راخين».
وذكر تقرير أنان أن رفع القيود في راخين ومنح المسلمين الروهينغا المواطنة، يمكن أن يساعد في تفادي التطرف وإحلال السلام في المنطقة. وأثنت بعض المؤسسات الحقوقية على التقرير باعتباره مهماً بالنسبة إلى الروهينغا المضطهدين؛ خاصة في ضوء تعهد حكومة ميانمار في السابق بالالتزام بنتائج اللجنة.
ومن جانب آخر، أشار التقرير إلى أن على الحكومة الحفاظ على علاقات ثنائية قوية مع بنغلاديش، من أجل مواجهة التحديات في راخين. وحذّرت اللجنة من احتمال أن يؤدي الإحجام عن تنفيذ التوصيات إلى مزيد من التطرف وأعمال العنف. كذلك دعت لجنة راخين إلى «تحقيق مستقل غير متحيّز» في الحقائق الموجودة على الأرض، من أجل ضمان مساءلة مرتكبي تلك الانتهاكات.
مع ذلك، اعترض البوذيون الراخينيون على أن تضم اللجنة كلاً من كوفي أنان، والدكتور غسان سلامة الوزير اللبناني السابق (والوسيط الحالي في ليبيا)، وليتيشيا فان دن أسوم المستشارة الخاصة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إذ اتهموهم بأنهم يدعمون المسلمين.

صمت أونغ سان سو تشي
تفاقم أزمة الروهينغا التي عرقلت فعلياً عملية تحوّل ميانمار إلى نظام ديمقراطي، عرّضت ميانمار لانتقادات حادة لاذعة على المستوى العالمي، كما شوّهت هالة أونغ سان سو تشي، الزعيمة الأسطورة الحائزة على جائزة نوبل، والتي تعد الزعيمة المدنية الفعلية للبلاد.
سو تشي، التي خاضت صراعاً شجاعاً امتد لعقود من أجل إرساء الديمقراطية في ميانمار، أخذ عليها كثيرون على امتداد العالم لزومها الصمت رغم أنهار الدماء التي تراق. ومما يسجله عليها المنتقدون تقاعسها في الدفاع عن الروهينغا، في حين يدافع عنها مؤيدوها بالقول إنها مكبلة الأيدي لكون الجيش الذي لا يزال في موضع القوة هو الحاكم الفعلي للبلاد منذ نحو نصف قرن.
منظمات حقوق الإنسان، بالذات، ومن بينها «هيومن رايتس ووتش»، ترى في سياق انتقادها أن صمت سو تشي تجاه قضية الروهينغا غير مبرّر؛ بل هو خاطئ تماماً. وهو الأمر الذي يرد عليه مناصروها بالزعم أنها «مكبّلة سياسياً»، وأنه نظراً لأن شؤون الولاية (راخين) تحتاج إلى موافقة من الجيش فهي لا تستطيع أن تحرك ساكناً. وفي هذا الإطار أوضح تريديفيش سينغ مايني، الخبير الهندي في العلاقات مع ميانمار، أن المستشارة الميانمارية «تواجه معضلة، فهي معروفة على المستوى الدولي كمناضلة في مجال حقوق الإنسان؛ لكنها في الوقت ذاته لا تريد أن تخسر دعم الأكثرية البوذية بإعلانها دعمها للروهينغا». وأضاف: «... سيكون الوضع معقداً للغاية».
وكأن كل هذا لا يكفي، وفي خضم كل ما يحدث، زار ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي (وهو هندوسي قومي محافظ ومتشدّد)، ميانمار بعد حضوره قمة مجموعة «البريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في الصين، وأدلى بدلوه في المسألة التي توتر الأوضاع في ميانمار وحدودها الغربية. وبعدما كانت الهند قد أعربت أخيراً عن رغبتها في ترحيل 40 ألفاً من اللاجئين الروهينغا الذين فروا إليها من ميانمار خلال السنوات الماضية، قال مودي - المعروف بسلبيته الشعبوية الشديدة من المسلمين -: «أعتقد أن الوقت قد حان للخروج (خروج الهند) من هذا الموضع».
ومعروف أنه انتشرت المشاعر التضامنية مع الروهينغا في كثير من المناطق ذات الغالبيات المسلمة على امتداد العالم الذين تشغلهم الأمور التي تحدث في ميانمار. ووفق وسائل الإعلام العالمية، نظمت مظاهرات في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، احتجاجاً على ما يتعرّض له الروهينغا من قهر.

- محطات في تاريخهم
> القرن الثامن: عاش الروهينغا، الذين تعود أصولهم إلى جنوب آسيا، في مملكة مستقلة بمنطقة أراكان التي تعرف حالياً باسم ولاية راخين في ميانمار.
> من القرن التاسع إلى الرابع عشر: اتصل الروهينغا بتجار عرب واعتنق كثيرون منهم الإسلام. وبعدها ازدهرت العلاقات الاقتصادية والثقافية بين منطقتي أراكان والبنغال.
> 1784: غزا بوداوابايا، ملك بورما، منطقة أراكان، ففر مئات الآلاف من سكانها لاجئين إلى البنغال.
> 1790: أرسلت السلطات البريطانية الدبلوماسي هايرام كوكس لمساعدة اللاجئين، وأسس مدينة تحمل اليوم اسمه هي كوكسز بازار (في شرق بنغلاديش).
> بين 1824 حتى 1942: استولت بريطانيا على بورما، وجعلت الإقليم تابعاً لها. وجُلب العمال إلى بورما من مناطق أخرى من الهند البريطانية، من أجل تنفيذ مشروعات بنية تحتية.
> 1942: غزت اليابان بورما وطردت البريطانيين منها. ومع انسحاب البريطانيين هاجم سكان بورما البوذيون المسلمين بعدما اتهموهم بالانتفاع من الاستعمار البريطاني.
> 1945: حرّر البريطانيون بورما من الاحتلال الياباني بمساعدة وطنيين بورميين بوذيين، بقيادة أونغ سان وكذلك من المسلمين الروهينغا. ولكن لم يطل الوقت قبل أن يشعر الروهينغا بالغدر؛ لأن البريطانيين لم يفوا بوعدهم لهم بمنح أراكان الحكم الذاتي.
> 1948: تصاعد التوتر بين سلطات بورما المستقلة الجديدة والروهينغا، الذين أراد أكثرهم ضمّ أراكان إلى باكستان (تحديداً باكستان الشرقية، التي هي اليوم بنغلاديش) ذات الغالبية المسلمة. وردّت الحكومة بنبذ الروهينغا وفصل مَن يعملون منهم في الجهاز الحكومي الإداري.
> 1977: بدأ الحكم العسكري في تنفيذ «عملية ناغامين» - أو «الملك التنين» -، التي يقال إنها استهدفت تفتيش السكان بحثاً عن أجانب. ومن ثم، هرب أكثر من 200 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش وسط اتهامات بارتكاب الجيش البورمي انتهاكات ضدهم، علماً بأن الجيش البورمي دأب على نفي هذه التهم، كحاله اليوم.
> 1978: أبرمت بنغلاديش اتفاقاً مع بورما بوساطة الأمم المتحدة من أجل إعادة اللاجئين، وعاد بالفعل أكثر الروهينغا إلى البلاد.
> 1982: وضعت السلطات البورمية قانوناً جديداً للهجرة، اعتبر بموجبه الأشخاص الذين هاجروا إلى البلاد إبّان الاستعمار البريطاني مهاجرين غير شرعيين. وطبّقت الحكومة هذا القانون على كل أفراد الروهينغا.
> 1989: غيّرت السلطات العسكرية الحاكمة في بورما اسم البلاد إلى ميانمار.
> 1991: فرّ أكثر من 25 ألف لاجئ من السخرة والاغتصاب والاضطهاد الديني على أيدي جيش ميانمار. وجاء في تبريرات الجيش أنه كان يحاول إرساء النظام في منطقة راخين.
> من 1992 حتى 1997: عاد نحو 230 ألفاً من الروهينغا إلى منطقة أراكان الحدودية، التي تسمى حالياً راخين، في إطار اتفاق عودة آخر.
> 2012: اندلعت أعمال شغب بين المسلمين الروهينغا والبوذيين، أسفرت عن مقتل كثيرين من أقلية الروهينغا؛ وهروب عشرات الآلاف إلى بنغلاديش، كما اضطر نحو 150 ألف مسلم إلى الإقامة في مخيمات داخل راخين.
> 2016: هاجمت الجماعة المسلحة «حركة اليقين» المسلمة مواقع لحرس الحدود وقتلت تسعة جنود. ورد الجيش على العملية بحملة عنيفة أدت إلى نزوح أكثر من 25 ألف مسلم إلى بنغلاديش، بعد عمليات قتل واغتصاب ونهب. ومع هذا واصلت السلطات التي تحتل فيها منصب المستشار زعيمة المعارضة السابقة أونغ سان سو تشي (ابنة رئيس الوزراء الأول والبطل القومي أونغ سان) نفي ارتكاب أي أعمال عنف.
> 2017: تجدّدت هجمات الجيش وقوات الأمن الميانمارية، ما أدى إلى حدوث موجة جديدة من نزوح الروهينغا إلى بنغلاديش.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.