البيت الأبيض ينفي التوصل إلى اتفاق مع الديمقراطيين حول بناء الجدار

طالب بطرد مذيعة تلفزيون بسبب تغريداتها «غير اللائقة» عن الرئيس

زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي بعد لقاء مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي بعد لقاء مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
TT

البيت الأبيض ينفي التوصل إلى اتفاق مع الديمقراطيين حول بناء الجدار

زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي بعد لقاء مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي بعد لقاء مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (إ.ب.أ)

نفى البيت الأبيض ما جاء على لسان أعضاء ديمقراطيين بأنهم توصلوا إلى اتفاق مع الرئيس الجمهوري دونالد ترمب يحمي الشباب المهاجرين، ويعزز أمن الحدود دون أن يتضمن بناء جدار على الحدود مع المكسيك، والذي وعد ببنائه فور وصوله للسلطة. وقال مسؤول بالبيت الأبيض، إن عشاء عمل ترمب «البناء» شمل مناقشات حول الإصلاح الضريبي والبنية التحتية والتجارة، إضافة إلى موضوعات الأمن الحدودي وبرنامج داكا. ولم يشر البيت الأبيض إلى اتفاقات معينة. وكان ترمب قد أعلن مطلع الشهر الحالي قرارا بإنهاء برنامج داكا الذي قدمه سلفه باراك أوباما في 2012، وحدد ستة شهور للكونغرس لتسوية أوضاع من يشملهم المرسوم الرئاسي.
وبعد عشاء العمل البناء مع الرئيس أعلن مسؤولان ديمقراطيان بارزان في الكونغرس تحقيق تقدم حول اتفاق يحمي الشباب المهاجرين، ويعزز أمن الحدود دون أن يتضمن بناء جدار.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وزعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، أنهما شاركا في عشاء عمل «بناء جدا» مع ترمب، ركز حول مصير المهاجرين الشباب الذين قدموا إلى البلاد بشكل غير شرعي عندما كانوا أطفالا.
وذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، أنه خلال محادثات الرئيس ترمب مع عدد من الزعماء الديمقراطيين البارزين بشأن حماية برنامج للمهاجرين الشباب لم يتم الاتفاق على استبعاد الجدار الحدودي المقترح مع المكسيك. وركز الاجتماع على برنامج العمل المؤجل للطفولة الوافدة (داكا) الذي يحمي شباب المهاجرين الذين وصلوا البلاد بشكل غير شرعي وهم أطفال، من الترحيل، وفقا لما ذكره القادة الديمقراطيون. وجاء في البيان الذي أصدره القادة الديمقراطيون: «لقد اتفقنا على إدخال الحماية التي يوفرها البرنامج في شكل قانون بسرعة، ووضع حزمة إجراءات تتعلق بأمن الحدود، باستثناء الجدار، وهذا مقبول من كلا الجانبين»، مشيرا على ما يبدو إلى دعوة ترمب لبناء جدار حدودي مع المكسيك. وقالت ساندرز على «تويتر»: «بينما نوقش كل من داكا وأمن الحدود، لم يتم الاتفاق على استبعاد الجدار».
كما تدخل مات هاوس، أحد مساعدي شومر، وأوضح في تغريدة، أن «الرئيس أوضح أنه سيواصل دعم مشروع الجدار لكن ضمن هذا الاتفاق». وكان ترمب هدد بوقف عمل الحكومة إذا لم يوافق الكونغرس على تمويل مشروع بناء جدار على الحدود مع المكسيك للحد من تدفق المهاجرين.
ويشكل التقدم الذي تم تحقيقه على ما يبدو خلال العشاء دليلا آخر على أن الرئيس الجمهوري قادر على التعامل مع المعارضة الديمقراطية بشكل جيد، وربما أفضل من مسؤولي الكونغرس من حزبه.
وكان ترمب ورغم معارضة رئيس مجلس النواب بول راين، توصل إلى اتفاق مع شومر وبيلوسي لتمويل مساعدات لضحايا الإعصار يشمل أيضا زيادة في سقف الدَّين، وتمديد تمويل الحكومة لمدة ثلاثة أشهر.
من جانب آخر، ندد البيت الأبيض بتغريدة لمذيعة تلفزيونية على «تويتر» وصفت فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه «عنصري من أنصار المؤمنين بتفوق البيض»، مع اعتبار هذا التعليق بأنه «هجوم يستوجب الطرد». وجاء كلام المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز ردا على سلسلة تغريدات للمذيعة التلفزيونية في شبكة «إي إس بي إن» الرياضية جيميل هيل هاجمت فيها الرئيس الأميركي. وقالت ساندرز إن تعليقات هيل كانت «مشينة»، وهو «بالتأكيد شيء أعتقد أنه هجوم يستوجب الطرد من قبل (إي إس بي إن)». ووصفت هيل في سلسلة من التغريدات هذا الأسبوع الرئيس ترمب بأنه «الأكثر هجومية وجهلا في حياتي»، ثم كتبت إنه «عنصري من أنصار تفوق البيض» أحاط نفسه بأشخاص من النوعية نفسها.
وتعتبر تعليقات هيل آخر ردود الفعل على الموقف المتناقض لترمب من العنف الذي جرى خلال مظاهرة أنصار تفوق البيض في بلدة شارلوتسفيل في فيرجينيا والذي أدى إلى مقتل امرأة كانت تحتج على المظاهرة. ويظهر أن التعليقات سوف ترفع نسبة التوتر بين المحافظين والشبكة الرياضية التي يتهمها بعضهم بأنها مسيسة. وقال بيان لشبكة «إي إس بي إن» التي تملكها «والت ديزني»، إن تعليقات هيل على «تويتر» «لا تمثل موقف (إي إس بي إن)»، مضيفا: «تناولنا هذا الأمر مع جيميل وهي تدرك بأن تصرفاتها كانت غير لائقة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟